لماذا غاب أهل الشر؟
لعلها من المرّات النادرة التي يتحدث فيها عبد الفتاح السيسي، من دون أن يستدعي فزاعة المؤامرة الكونية، وحواديت أهل الشر.
في لقاء إسماعيليته الجديدة، اكتفى السيسي بضخ مزيدٍ من الأكاذيب والأوهام، إذ يتزامن اللقاء مع انقضاء مهلة آخر وعوده الكاذبة، قبل عامين بالتمام والكمال، حين قال متحدياً "عامان فقط وهتستغربوا مصر بقت كده ازاي"، وذلك في سياق إغراقه للمتلقي بكلامٍ معسولٍ عن التنمية والرخاء، بلا حدود.
يعيش السيسي فترة غير مسبوقة، طفلاً مدللاً في حجر القوى الإقليمية النافذة والمجتمع الدولي، فرصيده من الرضا الإسرائيلي يتصاعد، ومعه تتنامى أشكال العناية والدعم من الرعاة الإقليميين لمشروعه الانقلابي، ومن ثم يدرك أن شماعة أهل الشر لم تعد تحتمل تعليق مزيدٍ من أمارات الفشل والتعثر والانهيار.
هنا، لا بأس من استخدام المصريين بديلاً لحجة أهل الشر، فتنهض كل الرئاسات السابقة عليه بدور المتسبب في رداءة اللحظة الراهنة، ولا يجد غضاضةً في أن يعلن "بالصدق ده وبالشرف ده وبالأمانة دي" أن كل من سبقوه فاشلون ومجرمون في حق البلد، من أول جمال عبد الناصر، وحتى محمد مرسي، مروراً بأنور السادات وحسني مبارك، فيقول"بقي لنا خمسين سنة محتاجين دولة، واللي كان موجود خاف من رد الفعل، وما عملش إصلاحات، والأمور تراكمت، ولم يتم اتخاذ إجراءات على مدى أكثر من 50 سنة لدولةٍ تقف على رجلها، وتبني مستقبلها".
ولأن شمّاعة الحكام وحدها لا تكفي، فلا بأس من إدخال الشعب المصري الذي ثار في يناير/ كانون الثاني 2011 متهما رئيسياً، فيعرّج على الثورة باعتبارها، أيضاً، كانت جريمة بحق مصر"ولما الناس اتحرّكت من 2011 كان جزء من التوصيف لحجم المشكلة الموجودة في مصر ليس حقيقيا".
"وبالتالي قال لك حِل المسألة، واتحرك، وشيل.. وأنت بتتحرك وبتشيل بتشيل مستقبلك.. عايز تتحرك، وتعمل، اتحرك.. (يقصد الثورة).. أنت هاتضيعها خالص.. أنت هتضيع بلدك خالص.. وهتضيَّع مستقبلك أنت وأولادك وأولاد أولادك القادمين.. أقول كلاما أتحاسب عليه أمام ربنا".
ما سبق ذكره السيسي في سياق واحد مع تناوله "نكسة 67"، حين قال" الدولة دي اتدبحت سنة 67، وحركة تقدمها وقفت من الفترة دي، الدول بتقوم في سنين طويلة، وتضيع في سنين طويلة".
والمسكوت عنه هنا، بنظر السيسي الآن، أن 2011 كانت نكسةً، مثلها 67 وأن أي تحرك شعبي مماثل سيصيب مصر بنكسة أخرى.
وبصرف النظر عن أن هذه الكذبة تتناقض مع ما كان يعبّر عنه السيسي، بشخصه، عقب ثورة يناير"التي كانت عظيمةً، وشارك فيها الجيش وحماها" كما سمعت منه بأذني، وسمعه كثيرون، فإن هذه الرؤية تتعارض مع قراءة رعاته ومموليه للتاريخ، فالثابت أن يونيو 67 يعادل يونيو 2013 بالمقياس الإسرائيلي، وكلاهما كان يوماً للبهجة الصهيونية، فيما كان يناير 2011 يوما للغم والفزع لها، مثله مثل أكتوبر 73.
باختصار، يمكن القول إن السيسي بات مطمئناً تماماً لجهة الخارج، ويبقى هاجسه الكابوسي هو تنامي السخط المكتوم في الداخل. وعليه، لا بأس من محاولةٍ لمد أجل الكذب، بطلب سنةٍ إضافيةٍ أخرى، لكي يحصل المصريون على الرخاء الذي لم يأتِ ولن يأتي، بمجرّد الارتماء في الحضن الإسرائيلي، على طريقة أنور السادات الذي كان يردّد في كل مناسبة أن العام 1980 هو عام الرخاء الذي لم يجئ، بالطبع، بل جاء العام الذي يليه، وغاب السادات إلى الأبد.
أخيراً، أكرّر ما قلته مع تدشين السيسي آلية المهرجانات القومية لتسويق الأكاذيب والأوهام "لا يتعلق الخلاف مع سلطة عبد الفتاح السيسي بأدائها البليد المهين لمصر، تاريخاً وشعباً، وإنما ينطلق من أن هذه سلطة ولدت سفاحاً، لا شرعية أخلاقية، أو سياسية، لها، كونها جاءت سطواً مسلحاً على أول سلطةٍ منتخبة ديمقراطياً في تاريخ المصريين".