لماذا لا يأتي العام الجديد؟
تَطرَح تطبيقاتٌ على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا فيسبوك، سؤالاً، وتعدك بالإجابة عنه حال استخدام التطبيق، مثلا.. ماذا يقول عنك الناس في ظهرك؟ من تُشبه من نجوم العالم؟ من أنت في رواية كذا أو فيلم أو مسلسل كذا؟ ما الآية أو الحكمة التي تمثلك؟ ما الذي سيحدُث لك في العام الجديد وهكذا؟ شرط الحصول على الإجابة التي لا تخلو من تنجيم، وربما "نصب"، هي تسليم كفّك الافتراضية التي تحمل خطوط حياتك، أو بالأحرى معلوماتك، يستولي التطبيق على كل ما لديك عن نفسك، يحلّلها، يقترب، قدر الإمكان، من شخصيّتك، ويمنحك، في بعض التطبيقات، إجابات أقرب إلى توقّعاتك، تدفعك إلى مواصلة اللعبة، أو إجابات تغازل ذاتيّتك (الإيغو) فتشارك النتائج على حساباتك الشخصية، ما يغري مزيدا من القرّاء بمزيد من اللعب.
هذه التطبيقات، على سذاجتها، تخدمك، وهي تستخدمك، حال كنت عربيا، بشكلٍ أكثر اعتناء، وربما جدّية، من أنظمتك السياسية، وفروعها الدينية والاجتماعية، التي تُشعرك، دائما، ومن دون سببٍ وجيه أو مفهوم، بأنه عليك وليس لك، وبأنك مُطالبٌ بإثبات أحقّيتك وجدارتك بالانتماء إليها، مُطالبٌ أن تثبت انتماءك للوطن، لممثلي الوطن، انتماءك للدين لممثلي الدين، انتماءك لكل سلطة في كل سنتيمتر تتحرّك فيه. والمقابل، ربما الوحيد، أن تظلّ موجودا، حيّا تُرزق، وفق نظام السعرات الحرارية، أو أقل، من دون أي شيءٍ آخر. ولذلك لا إجابة محدّدة عن أسئلة كبيرة أو عادية من شأنها أن تنتقل بنا من يوم إلى آخر، ومن ثم من عام إلى تاليه، مثلا.. متى نشهد حوارا وطنيا حقيقيا؟ متى يخرُج المسجونون أو يظهر المختفون قسريا أو يعود المنفيون إلى بلادهم وبيوتهم؟ متى تتوقّف الكهرباء عن الانقطاع؟ متى يرحل الرئيس عن السلطة قبل أن يرحل عن الدنيا من دون ثورات أو انقلابات أو اغتيالات؟ متى نتحوّل من قبيلة أو شبه دولة إلى دولة؟ فإذا كانت الإجابة حين تقرّر الدولة، فمتى تقرّر، ووفق أي معيار؟ لا إجابات واضحة، أو حتى تحفيزية لزوم إعادة استخدام التطبيق، إذ التطبيق، فيما يتعلق بالدولة العربية ليس اختيارا، رضيتَ أم لم ترض ستسلم نفسك وكفك ومعلوماتك وموبايلك و"الباسوورد"، لو اقتضى أمر حضرة الضابط.
يجتهد الصهاينة العرب في اختزال حرب إبادة غزّة الجارية في أيديولوجية "حماس" من ناحية، والخطر الإيراني (الشيعي)، الذي هو أكبر من خطر إسرائيل (!)، من ناحية أخرى، وحولهما يدندنون منذ أكثر من 80 يوما، بلا انقطاع، ولو تضامنا مع الشركة القابضة لكهرباء مصر. ومع ذلك لا يتوقّف المواطن العربي، من المحيط إلى الخليج، ناهيك عن غير العرب والمسلمين من المنحازين، حقيقة، إلى القيم الإنسانية المشتركة، عن الدعم والمساندة، قدر الممكن والمُتاح. تنجح المقاطعة الاقتصادية نجاحا غير مسبوق، تُغادر الشركات الداعمة للعدو بعض أقطارنا، فيما تراهن في أقطار أخرى على ذاكرة المواطن ونسيانه أو فتور حماسه بعد انتهاء الحرب. يتحايل مستخدمو "فيسبوك" على خوارزمياته الداعمة للنازية الإسرائيلية، وينتزعون حقّهم في نشر فيديوهات المقاومة (يسمّونها حلويات) ومنشورات دعمها غير المشروط، بل ويتجاوز عدد غير قليل من الكتّاب والمثقفين خصومتهم المبدئية مع الإسلام السياسي أو "حماس"، ويتبنّون خطاباتٍ داعمةً للمقاومة، بوضوح، في فرزٍ جديد، ومبشّر، لا يعتدّ بالحسابات الأيديولوجية، الآن، قدر اعتداده بـ "شرف الكلمة"، وواقعيّتها، في مواجهة من حُرموا الشرف، وإن لم يُحرموا القدرة على سبك الكلمات والعبارات الداعمة للعدو، وتسويتها على نيران قصف الأطفال والمدنيين.
من هنا نفهم لماذا تنتظر الشعوب العربية خطابات أبي عبيدة، وتحتفي بها من دون غيرها من خطابات حكّامها؟ لماذا يصدّق الجمهور العربي إعلام المقاومة الفلسطينية وداعميها، أو تغطيات الجزيرة وتلفزيون العربي من دون غيرهما؟ هذه جماهير تبحث عن "معنىً" لعام جديد، فلا تجده سوى في غزّة.