09 نوفمبر 2024
لماذا لا يهبطون في بيروت؟
استقال وزراء حزب الله وحركة أمل الخمسة، من الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، ووزيرٌ سادس محسوب على رئيس الجمهورية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، فاندلعت أزمة طالت 18 شهراً، اختتمت في مايو/ أيار 2008، باتفاق الدوحة. كانت في أثنائها الاعتصامات والخيام أمام مقر رئاسة الحكومة، والاغتيالات، واشتباكاتٌ موضعيةٌ مسلحة، وانتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، ووقائع أخرى. طالبت المعارضة بما سمّته الثلث الضامن في الحكومة، فيما عدّه تيار المستقبل وحلفاؤه الثلث المعطّل. ما إن طرأت استقالة أولئك الوزراء، حتى بدأت طائرات وزراء خارجية ومسؤولين أوروبيين (وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنر مثلا) وعرب كثيرين (أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى خصوصاً) تتقاطر هبوطاً في مطار رفيق الحريري، للبحث في سبل الخروج من أزمة الوزير الضامن أو المعطّل ذاك. لا شيء من ذلك في غضون الأزمة الحادثة حالياً، مع أجواء الانتفاضة الساخنة التي اشتعلت في 17 تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي. لا وزير أوروبياً ولا مسؤولاً عربياً رفيعاً وصل إلى بيروت. لم يوفد الرئيس الفرنسي، ماكرون، أحداً. وليس في بال أحمد أبو الغيط، أن يمرّ هنا، حيث تنكتب هذه السطور في بيروت. لا مواكب للضيف الفلاني أو العلاني إلى قصر بعبدا (رئيس الجمهورية، ميشال عون)، ولا إلى عين التينة (رئيس البرلمان، نبيه بري) ولا إلى بيت الوسط أو قريطم (سعد الحريري). لا حركة من أي نوع، إقليميٍّ أو دوليٍّ أو عربي أو أميركي، في بيروت.
زائر أجنبي وحيد مرّ في بيروت، التقاه الرئيس عون أمس، اسمُه ساروج كومارجاه، المدير الإقليمي لمجموعة البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبحسب بيان الرئاسة اللبنانية، أبلغ الضيف مضيفَه وجهة نظر البنك الدولي في التطورات الراهنة، مؤكّداً استمرار تقديم المساعدات للبنان في المجالات التي يطلبها. أما وجهة النظر هذه، فقد كان البنك العتيد قد أوجزها بأن "الوضع في لبنان يصبح أكثر خطورةً مع مرور الوقت، وتحقيق التعافي ينطوي على تحدّيات أكبر". أما عون، فقد أبلغ كومارجاه أن "الحكومة ستتشكل من وزراء ذوي خبرة وكفاءة وسمعة حسنة، وبعيدين عن شبهات الفساد". ونقل بيان الرئاسة عن فخامته قوله إن لبنان "على مفترق طرق، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو في أمسّ الحاجة إلى حكومةٍ منسجمةٍ قادرة على الإنتاج، ولا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات، وتلقى الدعم من الشعب". ولكن ليس ملحوظاً أن سعياً يجري إلى أمرٍ كهذا، فعن أي شيء يتحدّث الرئيس عون؟
الكلام كله هنا، في لبنان، اقتصادي ومالي ومعيشي. والأزمة الحادثة في البلد، كما تعبّر عن حدّتها "انتفاضة 17 تشرين" المستمرّة في هذا المطرح، غير أن العبور منها إلى أفقٍ مرضٍ للمنتفضين والثائرين الذين يشتهون دولةً عادلة، تيسّر شروط الكرامة الإنسانية للجميع، ليس ممكناً من دون حديثٍ سياسي عريض، يأخذ المشهد إلى تشكيل حكومةٍ من النوع الذي يُبلغ عنه الرئيس عون ضيفاً قادماً من البنك الدولي، وجاء عليه بتفصيلٍ شحيح في خطابه غداة استقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، قبل أسبوع. ليس ظاهراً لمراقب المشهد أن الداخل اللبناني، على صعيد أقطاب السلطة وتكويناتها، مشغولٌ تماماً بجزئية الحكومة وتشكيلها. يلحّ حراك المنتفضين على إصلاحاتٍ جذريةٍ في النظام كله، أقلها إنجاز قانون انتخاب جديد، يساهم في هدم البنية الطائفية للسلطة، يمكن أن تعبّد الطريق إليه، قبل انتخاباتٍ مبكرة، حكومة تكنوقراط وكفاءات.
لا يقترب عون من حديثٍ كهذا. واعتراض حزب الله المعلن، وبعنادٍ متصاعد، لهذه الفكرة، أكبر معرقلٍ لها. والذائع في بيروت أن الحزب هو صاحب مبادرة إيفاد النجم الأبرز في التيار الوطني الحر، جبران باسيل، إلى بيت سعد الحريري، الاثنين الماضي، للتفاهم على ترميم التسوية التي أوصلت عون إلى قصر بعبدا، وجاءت بالحريري رئيساً للحكومة. لم تنته جلسة الساعات الأربع بين الرجلين إلى شيء، لأن مقاصد باسيل تذهب إلى "تسويةٍ متجدّدة" تخرج بها صيغةٌ تعطيه رئاسة الجمهورية بعد حين. يحدُث هذا، فيما لا يتوقف كلام الاقتصاديين عن مخاوف جدّية على لبنان، على صعيد مالي واقتصادي ومعيشي. ولا يزور بيت الحريري غير باسيل، ولا يزور بيروت وزير خارجيةٍ فرنسي أو ألماني أو سعودي أو قطري.. ليس لأن العالم تعب من لبنان، وإنما لأن مفاعيل الجاري في البلد لم تتّضح لها معالم بعد.
الكلام كله هنا، في لبنان، اقتصادي ومالي ومعيشي. والأزمة الحادثة في البلد، كما تعبّر عن حدّتها "انتفاضة 17 تشرين" المستمرّة في هذا المطرح، غير أن العبور منها إلى أفقٍ مرضٍ للمنتفضين والثائرين الذين يشتهون دولةً عادلة، تيسّر شروط الكرامة الإنسانية للجميع، ليس ممكناً من دون حديثٍ سياسي عريض، يأخذ المشهد إلى تشكيل حكومةٍ من النوع الذي يُبلغ عنه الرئيس عون ضيفاً قادماً من البنك الدولي، وجاء عليه بتفصيلٍ شحيح في خطابه غداة استقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، قبل أسبوع. ليس ظاهراً لمراقب المشهد أن الداخل اللبناني، على صعيد أقطاب السلطة وتكويناتها، مشغولٌ تماماً بجزئية الحكومة وتشكيلها. يلحّ حراك المنتفضين على إصلاحاتٍ جذريةٍ في النظام كله، أقلها إنجاز قانون انتخاب جديد، يساهم في هدم البنية الطائفية للسلطة، يمكن أن تعبّد الطريق إليه، قبل انتخاباتٍ مبكرة، حكومة تكنوقراط وكفاءات.
لا يقترب عون من حديثٍ كهذا. واعتراض حزب الله المعلن، وبعنادٍ متصاعد، لهذه الفكرة، أكبر معرقلٍ لها. والذائع في بيروت أن الحزب هو صاحب مبادرة إيفاد النجم الأبرز في التيار الوطني الحر، جبران باسيل، إلى بيت سعد الحريري، الاثنين الماضي، للتفاهم على ترميم التسوية التي أوصلت عون إلى قصر بعبدا، وجاءت بالحريري رئيساً للحكومة. لم تنته جلسة الساعات الأربع بين الرجلين إلى شيء، لأن مقاصد باسيل تذهب إلى "تسويةٍ متجدّدة" تخرج بها صيغةٌ تعطيه رئاسة الجمهورية بعد حين. يحدُث هذا، فيما لا يتوقف كلام الاقتصاديين عن مخاوف جدّية على لبنان، على صعيد مالي واقتصادي ومعيشي. ولا يزور بيت الحريري غير باسيل، ولا يزور بيروت وزير خارجيةٍ فرنسي أو ألماني أو سعودي أو قطري.. ليس لأن العالم تعب من لبنان، وإنما لأن مفاعيل الجاري في البلد لم تتّضح لها معالم بعد.