09 نوفمبر 2024
ماكرون يحصد الإخفاق مبكراً
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
فوجئت النخبة الحاكمة في فرنسا بأحداث يوم السبت الماضي التي عاشتها منطقة جادة الشانزليزيه ومحيطها في باريس، وكانت على درجةٍ عالية من العنف، ونجم عنها سقوط جرحى بين المتظاهرين وقوات الأمن، كما أسفرت عن خسائر مادية كبيرة. وكان اللافت فيها مستوى العنف الذي عبرت عنه فئة من المشاركين في المظاهرات، تجاوز في منسوبه كل ما عرفته مظاهرات السنوات السابقة، وأعاد إلى الأذهان المواجهات في الضواحي الفرنسية عام 2005، خلال الولاية الثانية للرئيس الأسبق، جاك شيراك، وكانت على خلفية تصرّفات ذات طابع عنصري من وزير الداخلية، في حينه، نيكولا ساركوزي، الذي خلف شيراك في الرئاسة عام 2007، ولم ينجح في الحصول على ولاية ثانية.
شكل رفع أسعار المحروقات والضرائب الشرارة الأولى لمواجهات يوم السبت. وكانت بوادرها ظاهرة للعيان منذ حوالى ثلاثة أسابيع، حيث بدأت حركة السترات الصفراء بالإعلان عن حراك يختلف عما عرفته فرنسا من تحرّكات احتجاجية تقليدية، كانت تتم عن طريق القوى النقابية التي لا تزال تشكل ثقلا لا يستهان به في المعادلة. وكانت تحرّكات النقابات تتم حسب أصول دستورية، بالاستناد إلى حق الإضراب والتظاهر. وعلى الرغم من أن التحرّكات النقابية الكبيرة كانت تشل البلد في أحيان كثيرة، إلا أن منسوب العنف كان يبقى تحت السيطرة، إذ يتعاون جهاز الأمن مع أجهزة النظام في النقابات، من أجل القيام بمظاهرات سلمية.
لم يتوقع الرئيس ماكرون وفريقه أن يتلقوا صفعة قوية من شارعٍ يقع خارج النقابات والأحزاب، وأن تتمكّن حركة مجهولة نشأت فقط منذ ثلاثة أسابيع على وسائل التواصل الاجتماعي أن تهز البلد، وتفسد على ماكرون أحلامه التي يرفل بها، منذ وصل إلى الحكم في مايو/ أيار 2007. وأكثر من ذلك أن تحصل على نسبة تأييد في استطلاعات الرأي (75%)، في حين أن شعبية ماكرون كانت بلغت قبل الإعلان عن هذه الحركة 25%، وهي أدنى نسبة بلغها رئيسٌ في تاريخ الجمهورية الخامسة التي تأسست قبل 60 عاما، بعد سنة ونصف السنة من وجوده في الإليزيه.
تكمن مفاجأة ماكرون في عدد من الأسباب، أهمها حالة الغرور التي ركبته، بعد أن وصل إلى الرئاسة بطرق غير تقليدية، فهو لم يترشح عن طريق أحد الحزبين الكبيرين اللذين يعبّران عن اتجاهي اليمين واليسار، بل صعد على ظهر الحزب الاشتراكي، ووظف مشكلات الحزب وتناقضاته ليصل إلى الإليزيه، ومن ثم خانه وتخلى عنه. وعلى الرغم من أن الشارع العام لم ينخدع بماكرون، وكان ينظر إليه رئيسا للأغنياء، فإن الرئيس لم يحاول حتى تغيير هذه الصورة، وصار يدير الدولة كأنها مزرعة مشتركة يتنعم بخيراتها الأصدقاء، على شاكلة ساركوزي الذي أدخل الفساد إلى جهاز الدولة ورعاه وحماه.
جاءت حركة السترات الصفراء من وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك لم تجد الحكومة حتى يوم السبت من تحاوره من أجل الحصول على قرارٍ بالتهدئة، واللافت أن معالجة الدولة بقيت في نطاق تقليدي، من خلال التلويح بإعلان حالة الطوارئ التي تعني الإخفاق الأمني والسياسي، وأنه ليس لدى الدولة ما ترد به غير هذا الحل الذي يمكن أن يؤجل المشكلات، لكنه لا يحلها.
في هذا الوقت، الرسالة التي حملتها الأحداث هي أن هناك تغيرا في ملامح السياسة الداخلية الفرنسية يحصل منذ فترة، لكنه بدأ يتبلور الآن، ويعبر عن نفسه من خلال نهاية النظام السياسي الذي قام على ثنائية اليمين واليسار، وتفريغ الحركة النقابية من محتواها وتحطيمها، وهي التي كانت تشكل صماما اجتماعيا، وبروز قوي للتطرفيْن، اليميني واليساري، الذي ظهر بقوة على مسرح الأحداث في الشانزليزيه.
لم يتوقع الرئيس ماكرون وفريقه أن يتلقوا صفعة قوية من شارعٍ يقع خارج النقابات والأحزاب، وأن تتمكّن حركة مجهولة نشأت فقط منذ ثلاثة أسابيع على وسائل التواصل الاجتماعي أن تهز البلد، وتفسد على ماكرون أحلامه التي يرفل بها، منذ وصل إلى الحكم في مايو/ أيار 2007. وأكثر من ذلك أن تحصل على نسبة تأييد في استطلاعات الرأي (75%)، في حين أن شعبية ماكرون كانت بلغت قبل الإعلان عن هذه الحركة 25%، وهي أدنى نسبة بلغها رئيسٌ في تاريخ الجمهورية الخامسة التي تأسست قبل 60 عاما، بعد سنة ونصف السنة من وجوده في الإليزيه.
تكمن مفاجأة ماكرون في عدد من الأسباب، أهمها حالة الغرور التي ركبته، بعد أن وصل إلى الرئاسة بطرق غير تقليدية، فهو لم يترشح عن طريق أحد الحزبين الكبيرين اللذين يعبّران عن اتجاهي اليمين واليسار، بل صعد على ظهر الحزب الاشتراكي، ووظف مشكلات الحزب وتناقضاته ليصل إلى الإليزيه، ومن ثم خانه وتخلى عنه. وعلى الرغم من أن الشارع العام لم ينخدع بماكرون، وكان ينظر إليه رئيسا للأغنياء، فإن الرئيس لم يحاول حتى تغيير هذه الصورة، وصار يدير الدولة كأنها مزرعة مشتركة يتنعم بخيراتها الأصدقاء، على شاكلة ساركوزي الذي أدخل الفساد إلى جهاز الدولة ورعاه وحماه.
جاءت حركة السترات الصفراء من وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك لم تجد الحكومة حتى يوم السبت من تحاوره من أجل الحصول على قرارٍ بالتهدئة، واللافت أن معالجة الدولة بقيت في نطاق تقليدي، من خلال التلويح بإعلان حالة الطوارئ التي تعني الإخفاق الأمني والسياسي، وأنه ليس لدى الدولة ما ترد به غير هذا الحل الذي يمكن أن يؤجل المشكلات، لكنه لا يحلها.
في هذا الوقت، الرسالة التي حملتها الأحداث هي أن هناك تغيرا في ملامح السياسة الداخلية الفرنسية يحصل منذ فترة، لكنه بدأ يتبلور الآن، ويعبر عن نفسه من خلال نهاية النظام السياسي الذي قام على ثنائية اليمين واليسار، وتفريغ الحركة النقابية من محتواها وتحطيمها، وهي التي كانت تشكل صماما اجتماعيا، وبروز قوي للتطرفيْن، اليميني واليساري، الذي ظهر بقوة على مسرح الأحداث في الشانزليزيه.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024