ما الذي حسم الانتخابات التركية؟
كانت نتيجة مرشح المعارضة في انتخابات الرئاسة التركية، كلجدار أوغلو، في الانتخابات التمهيدية مخيّبة لآماله. وكان واضحاً أنه لن يصمد في المرحلة التالية، فقد بيّنت نتائج الانتخابات الأولية أنه يبتعد عن أردوغان بخمس نقاط كاملة، فضلاً عن خمس نقاط أخرى، أتت من نصيب المرشّح الثالث، وما عزّز موقف أردوغان أن تحالف حزبه قد فاز في انتخابات البرلمان، وأصبح وصوله إلى كرسي الرئاسة لخمس سنوات تالية مسألة وقت، وهو ما تحقّق بالفعل في جولة الإعادة، فحقّق أردوغان فوزاً بنسبة تفوق 52%، وحافظ على فارق النقاط الخمس عن منافسه كلجدار. كانت العناوين الرئيسية للحملة التي خاضها الرجل اقتصادية بشكل كبير، ولكنها حظيت بعنوان فرعي عام، برز في الحملات الدعائية للمرشّحين، حيث كان للاجئين السوريين حصة كبيرة فيها، باعتبارهم الجالية المهاجرة الكبرى في تركيا، فتوجّه المرشّحون بخطاباتهم نحوها مباشرة وبشكل صريح، ما يعني أن نتيجة الانتخابات هي في المحصلة الموقف التركي من اللاجئين.
تبنّى أوغلو خطاباً متطرّفاً ومعادياً للمهاجرين، وأعاد، في خطاباته الانتخابية، أنه سيعيد اللاجئين السوريين خلال سنتين، من دون أن يفصح تماماً عن مفردات خطته، فبنى بذلك لنفسه موقفاً معاكساً لموقف أردوغان، واتّهمه بأنه جلب إلى تركيا عشرة ملايين مهاجر، وهي أرقام مضخّمة عن قصد، يتوجّه بها كلجدار إلى الناخب العادي، ليوضح له أيّ خطر يحمله المهاجرون، وأي قنبلة موقوتة زرعها خصمُه داخل الشوارع التركية. تصاعدت حملة كلجدار قبل جولة الإعادة، وكادت تنحصر في التعبير عن موقفه المعادي للمهاجرين. ونشر ذلك صراحةً في الإعلانات الطرقية بجانب صورته، ووزّع داعموه ملصقاتٍ صغيرة كتب عليها: "سيعود المهاجرون إلى ديارهم"، مع صورةٍ لشخص يتسلق جداراً، وهي صورة أراد كلجدار إبرازها عن المهاجرين بوصفهم نوعاً محدّداً من البشر، يكاد لا يعرف إلا تسلّق الجدران مهنةً له. اعتقد كلجدار أن هذا الخطاب يشكّل المنفذ الأقوى لكسب اللعبة، وأن تشديد الخطاب ضد اللاجئين سيُكسبه دعماً جارفاً يذيب فارق النقاط الخمس، ثم تبيّن أن الأمر ليس كذلك، ولا توجد في الشوارع التركية كل تلك الكراهية للاجئين التي وجّه كلجدار الضوء إليها للوصول إلى كرسي الرئاسة.
لم تكن حملة أردوغان خاليةً من خطاب الهجرة، وهو الرجل الذي فتح الباب بالفعل لقدوم كثيرين من السوريين بسهولة إلى تركيا، وجعل تركيا البلد الأول في استقبال اللاجئين السوريين، فلم يتبنَّ خطاباً متطرّفاً وقاسياً، ولم تكن نظرة حملته أخيراً نحو اللاجئ كالتي رعتها حملة منافسيه، بل حافظ على خطابٍ رصينٍ لا يحمل إهانة طوال فترة الحملة، وزادت تصريحاته هدوءاً خلال فترة الإعادة، فشدّد على أن عودتهم إلى سورية يجب أن تكون آمنة، وحصل بعد هذا الخطاب على أغلبيةٍ مريحةٍ ترفع عنه ضغوط التطرّف الذي يطالب بخروج فوري لكل اللاجئين، بغضّ النظر عن النتائج التي قد تحدُث لهم بسبب إعادتهم عشوائياً لمجرّد التخلص منهم.
من غير الواقعي أن تُحلّ مشكلة السوريين في تركيا بطريقة كلجدار أوغلو، وكأنه لم يقرأ وقائع الحرب السورية المستمرّة منذ 12 سنة، ولم يعرف ظروف وصول هذا العدد الكبير إلى تركيا، فالأمر يحتاج إلى نظرة أوسع تشمل المشهد بكامله، وتأخذ في اعتبارها ملايين الضحايا الذين سقطوا خلال الحرب ودور النظام في هذه المذبحة، وإعادتهم، كما يرغب كلجدار، تضعهم بين يدي الجلاد الذي فرّوا منه في البداية، وقد لجأ كلجدار إلى الحل السهل الذي يرحّل المشكلة إلى سواه، بغضّ النظر عن النتيجة. لم يكن كلجدار سبباً في مجيء اللاجئين، ولكنه نسي أن تركيا دولة كبرى في وسط الإقليم، ولديها القدرة بما تحمله من تاريخ ووجود جغرافي عريض للمساهمة بحلٍ يحمل سماتٍ إنسانية أكثر من التي يتبنّاها، ولأنه لم يحمل هذه الأفكار، وروّج عكسها، خسر جولته وبفارق واضح.