ما رأيك بجمال عبد الناصر؟
مرّت، الأربعاء الماضي، الذكرى الـ42 لوفاة الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، الشخصية الإشكالية التي لعبت دوراً دراماتيكياً، ليس في حياة مصر وحدها، بل في تاريخ المنطقة كلها، ومن ضمنها إسرائيل... اشترك مع زملائه الضباط في قلب نظام الحكم الملكي إلى جمهوري، وانقلب على الديمقراطية التي استمرّت منذ أواسط العشرينيات حتى سنة 1954، فأمّم الصحافة، وحلّ الأحزاب، وأرسل قائد الانقلاب محمد نجيب إلى الإقامة الجبرية، وانقلب على الإخوان المسلمين، بعدما كان له معهم في شبه تحالف، أو تفاهم، وأمّم قناة السويس قبل انتهاء الـ 99 سنة على استثمارها، وضيّق الخناق على عبور البواخر الإسرائيلية في خليج العقبة، ما سبّب العدوان الثلاثي 1956، وهناك آراء كثيرة تقول إنّه سبّب هزيمة الـ1967، بعدما طلب من القوات الدولية المغادرة.
إذا قمتَ، عزيزي القارئ، بجولة عبر صفحات "غوغل" ستعثر على "فيديو" رائع، عنوانه "رأي فناني مصر في الرئيس جمال عبد الناصر"، وستخرُج منه بخلاصات مهمة. الأولى أنّ تقييم أيّ زعيم عربي لا يمكن أن يكون محايداً قبل مضيّ نصف قرن على رحيله، فقد كان تقييم عبد الناصر بصدقٍ وحياديةٍ شبهَ مستحيل في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، لأنّ محبيه كانوا، في تلك العقود، أغلبية ساحقة، وضاربة، ليس في مصر وحدها، بل حيث يوجد أناسٌ يتكلمون العربية... في سورية، مثلاً، طَغى حبُّ ناصر إلى درجة تشكيل أحزاب "ناصرية". أما منتقدوه، فكانوا فئة قليلة، منبوذة، إذا انتقده أحدُهم بحرف، يصبح حالُه كطفلٍ عابثٍ يَضرب "حصاة نقيفة" على عش دبابير، صيفاً، في ساعة القيلولة.
الخلاصة الثانية أنّ ظاهرة عبد الناصر في الأساس عاطفية أكثر منها سياسية، وفي الفيديو فنانون كبار يستخدمون في مديحه عباراتٍ من قبيل أنّه "زعيم حقيقي"، وأنّ المرء كان يرى صورته على الصفحة الأولى من مجلة أميركية كبرى مثل "ذا تايم" فيشعر بالفخر، ويتأكّد من أنّ مصر أصبحت دولة مهمة! تحدّث محمد صبحي، في الفيديو، قائلاً إنّ جمال عبد الناصر بطل قومي، له أخطاؤه، لكن له انتصاراته، وقال إنّ ثمة أناساً سجنهم عبد الناصر، وخرجوا من السجن وهم يعشقونه، منهم الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، الذي بكى عليه حينما مات، وإذا أنت سألته عن سبب بكائه عليه، يقول لك: أصلو ما سَرَقْشِ .. فكأنّ القاعدة الأساسية أن يكون رئيس الجمهورية لصاً، ومَن يشذّ عنها شريف.
من هذه الآراء العاطفية أنّه كان ينهى أولاده عن اللعب بالكراسي، لأنّها "بتاعة الحكومة"... ووصف محمود حميدة الجنازة الحقيقية لعبد الناصر بأنّها أكبر من الجنازة التي نقلها التلفزيون. ويقول عمر الشريف إنّه أعجب بثورة 23 يوليو في حينها، لكنّ الثورة فرضت على مَن يريد أن يسافر تقديم "تصريح سفر" وللحصول عليه يجب أن تقف في طابور طويل، وعندما تصل يسألك رجلٌ جاهل، بصوت أجشّ: رايح فين؟ تقول له: رايح أشتغل بالتمثيل، فيسألك: تمثل إييييه؟ وتحدّثت فاتن حمامة عن الخوف الذي كان يسيطر على الناس أيام عبد الناصر، وعن زوّار الليل أو الفجر (الاعتقالات) .. وقال يوسف شعبان إنّه لا يحبّ عبد الناصر، لأنّه أغرقنا بالحروب، كان الجنيه المصري، قبله، أغلى من الذهب... وأما حسين فهمي فاعتبر ثورة 1952 انقلاباً، وذكر آلاف المصريين الذين قتلوا في حرب اليمن، وبعد هزيمة 1967 آلمته رؤية مندوب مصر في مجلس الأمن يقبل بوقف النار من دون قيد أو شرط...
الحقيقة، بعد كلّ ما قيل ويقال، لا يستطيع المرء أن يكره شخصية عبد الناصر بسهولة، لكنّ أسوأ ما فيه كان التأسيس للدولة المخابراتية، ومبدأ عبادة الفرد الذي يُبعد تفكير الناس عن ضرورة بناء دولة مؤسساتٍ ديمقراطيةٍ حديثة.