محمود درويش مع عبد الصمد بن شريف
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
يجمع الإعلامي المغربي عبد الصمد بن شريف، في كتابه الصادر حديثا "الشاعر محمود درويش... أنا حيث أنا... مشروع حضور مقابل العدم" (دار إديسيون بلوس، الدار البيضاء، 2023)، أربعة لقاءاتٍ أجراها مع الشاعر محمود درويش. وبذلك يشكّل الكتاب وثيقة مهمّة، خصوصا وأن هذه اللقاءات أجريت في أزمنة متقطّعة من حياة الشاعر الكبير، بين عامي 1995 و2005، وجاءت على محطّات من حياته ومن تجربته الشعرية، وجالت في رغباته ونظراته إلى الشعر والحياة والقضية الفلسطينية الخالدة.
جاء في تذييل الأستاذ الجامعي والسفير حسن طارق، الكتاب على ظهر الغلاف، أن هذا الكتاب "ليس فقط مادة صحافية وحوارات بين سائل ومجيب. إنه كذلك دليل تواطؤ شعري وثقافي معلن بين الصحافي والشاعر للانتصار على الغياب". وقد استلّ عبد الصمد عنوان كتابه من قول درويش في إحدى المحاورات: "أنا مهتمّ أكثر بصياغة النصّ الشعري، وتطوير علاقته بالواقع. لكن ليس بالمعنى السياسي اليومي المباشر، فأنا حيث أنا، أكتب شعرا، ولا أستطيع أن أتحرّر من نتائج ضغط الواقع عليّ، وأهم أشكال هذا الواقع وصوره، هو الشكل والصورة السياسية". ونجد في حوار آخر، عبارة درويش التي تمنّى أن يتخلّص فيها من كثير من شعره: "الكتابة الشعرية تحتاج إلى تأمّل كثير، وإلى كسل وضجر وقلق. أحيانا أقول: إنه لم يكن عليّ أن أنشر الكثير من شعري، إذا أتيحت لي العودة إلى الوراء".
وتحدّث عبد الصمد بن شريف عن أول لقاء له بدرويش في تونس، حيث تصادف أنهما أقاما في الفندق نفسه، لكنه لم يحادثه. ولتواضعه وبُعده عن الأضواء، يحدُث أن يختار الشاعر الفلسطيني الشهير زوايا بعيدة ومنزوية في الفعاليات والمسارح، ويعتذر بلباقة عن أي لقاء صحافي وتلفزيوني. وقد اعتذر أيضا من عبد الصمد عن إجراء أي لقاء صحافي معه، إلا أنه رحب بلقائه في بهو الفندق "حيث ظهر درويش بكامل أناقته وحيويته". وفي ذلك اللقاء الشخصي، يرى الإعلامي المغربي أنه حقّق حلما طالما داعبه منذ كان في السادسة عشرة من عمره "حيث كان الشاعر محمود درويش يمثّل في لحظات الوعي الأولى بخصوصية القضية الفلسطينية واستثنائيّتها، أيقونة جمالية ونضالية وإبداعية".
نكتشف مع التقدّم في قراءة الكتاب أن العلاقة الروحية بين بن شريف ودرويش عميقة، وإن لم يلتقيا فيزيقيا، فقد كان شعر درويش رفيقا لسجناء الثمانينيات في المغرب، وكان منهم بن شريف، حيث يسرد صفحة من الظروف القاسية للمعتقل، وكان في شعر درويش ما يشبه نافذة تهوية روحية، خصوصا ديوان "مديح الظلّ العالي" الذي كان المساجين يحفظون منه مقاطع في السجن، وقد اعتبره واضع الكتاب ملحمة شعرية. ويكتب إن "شعر محمود درويش طوق نجاة في وجه الإحباط واليأس".
يقول درويش، في ردّ على سؤالٍ من محاوره، وكأنه يتحدث عن اللحظة الدموية التي تعيشها حاليا غزّة "المجتمع الإسرائيلي غير مهيأ على قبول الآخر، وإسرائيل تدير السلام بعقلية احتلالية". ويرى درويش كذلك أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قام بمجازفة تاريخية كبرى بتوقيع اتفاقية أوسلو. ويرجع درويش سبب كل الهفوات والمناورات إلى نصّ هذا الاتفاق المليء بالغموض الذي يخدم الأقوى. ويقول إن الأميركان لا يظهرون في الأزمات إلا بأنهم من يعلنون الحرب، في إشارة إلى ضلوع أميركا المباشر في أي تصعيد بين المحتلّ والفلسطينيين. ويرى الشاعر الكبير أن الكتابة هي بمثابة عودة فاشلة إلى الطفولة "إلى المكان الأول، إلى فلسطين، نعم إلى فلسطين".
الكتاب، الصادر أخيرا في طبعة ثانية، مليء بكثير مما يصعُب عرضه واختصاره في مقال، ما يدل على ثقافة الشاعر الكبير وموسوعيته وعمق رؤيته الشعرية. وقد قدّم عبد الصمد بن شريف كل حوار من الحوارات الأربعة بعبارة بليغة، جاءت بمثابة عنوان مختصر لما سيأتي من حديث عميق وشائق. وكانت قد صدرت له كتب أخرى، "رهانات مشتركة"، و"أناشيد الذاكرة"، و"الرهان والرهينة”، و"أسماء في الذاكرة.. أسئلة الإبداع والفكر والواقع”.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية