مرويّة بدلاً عن "نوفيلا"
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
يطمح هذا الاقتراح إلى إيجاد مُرادفٍ تجنيسيّ لما عُرف في الغرب بـ"النوفيلا". وقد انتقل إلينا بطرق شتى، ومن دون حتى وجود محاولة تتوق إلى إيجاد مرادفٍ له في لغتنا العربية. و"النوفيلا" نوع أدبي يتموقع بين القصة القصيرة والرواية، فإذا كانت القصة قد استقت مسمّاها من تراثنا العربي، بالنظر إلى مسار القصة والقصاصين، والرواية، بالنظر إلى الراوي وما يقول، فإني هنا أجتهد لاقتراح مسمّى "مرويّة"، بدل "نوفيلا" للكاتب والمترجم.. مع ترك عدد الكلمات مفتوحا، على ألا يقل عن ثلاثة آلاف كلمة، ولا يزيد عن عشرة آلاف، لأنّه من دون العدد الأول من الكلمات، سيقترب النص من البيت الصغير للقصة، وإن زاد عن العدد الثاني سيجنح نحو بيت الرواية الواسع .. بينما بيت "المرويّة" مكانه بين هذين البيتين، هو جارٌ للنوعين، لأنه من جنسهما السّردي.
تظلّ مواضيع "المرويّة" مفتوحة، كما هي عليه القصة والرواية، ولا يميّز بينها سوى اللغة واللعب. ستكون "المرويّة"، إذن، وعاء للكيف والطريقة (كيف وبأية طريقة). وهي في هذا أيضا لا تختلف كثيرا عن القصة، ولكن بيتها محدودٌ مقارنة بالرواية التي يخترقها التاريخ والذاكرة، ويسحبانها بعيدا في عدد الصفحات.
في رواية "المعطف" لنيكولاي غوغول، وهي أعظم مرويّة، ونموذج ظلّ "معلّقا" في المسمّى بين من يصنّفونها "قصة" ومن يجنّسونها "رواية". هي ليست هذه ولا تلك، بل الترجمة الأقرب إليها هي "المرويّة"، انطلاقا من كونها "نوفيلا"، بحسب زاوية النظر التي أطرق منها هذا الموضوع. هذه القصة ليس بطلها الحقيقي صاحب المعطف، وإنما المعطفُ نفسه، بدليل أن صاحب المعطف يختفي أحيانا، ليحتلّ المعطف المشهد، حين يخلعه صاحبه ويتركه للخياطين. المعطف حمل عنوان تلك المروية عن وعيٍ من الكاتب، لأنه "البطل"، ضمن أبطال عديدين، منهم البرد القارس.
القصة موجودة (وجوبا) في المرويّة، كما في الرواية والقصة القصيرة؛ والحبكة، أي الصيرورة الداخلية للسرد، هي الخيط الخفي الساحب، وكذلك مدار اللعب وساحته بين خطية ومتقطعة. واللغة الأدبية الغلاف القشيب الذي من المفترض أن يميز أنواع الأدب قاطبة، بما فيها الشذرات والتأملات. وأعني أن القصة موجودة (وجوبا) في الرواية، هو أنك حين تقرأ رواية، فإنك في العمق تقرأ قصة، تقصر صفحاتها فتظل عند حدود القصة، وتطول فتتحوّل إلى رواية. مع وجود روايات تحمل صوتا واحدا كروايات ألبير كامو مثلا، وروايات عرضت على القارئ بأصوات متعدّدة كروايات تولستوي ودوستويفسكي على سبيل المثال، فأنت حين تقرأ رواية "الحرب والسلام" فإنك، في الحقيقة، تقرأ قصة روسيا أيام حملة نابليون على موسكو. بل هناك رواياتٌ تكون كلمة "قصة" ضمن عناوينها، مثلا رواية "قصة حصار لشبونة" للبرتغالي الحائز جائزة نوبل، جوزيه ساراماغو، ورواية "قصة مايتا" للبيروفي الحاصل على "نوبل" ماريو فارغاس يوسّا، ما يدلل على ما أسلفت، أن القصة موجودة (وجوبا) في الرواية إضمارا وعلانية. أما في القصة القصيرة فهي موجودة بالطبع والاسم.
في وسع أفكار المرويّة أن تكون خارقة. وهذا ما يمكن أن يقرّبها من القصة والرواية، ويميزها، في الآن نفسه، عنهما. ولكن قدرة المرويّة على حل مشكلات القصر في القصة والإطالة في الرواية ستكون أكبر. لذلك سيكون تميّزها بهذا "الخارق" أوفر كذلك. ولكنْ ما الخارق؟ ربما هو شيء يجعلك، كما قال يوسف حقي يوما، "تقرأ وكأنك لا تقرأ" .. شيء يُنسيك أنك تقرأ، ربما هذا ما قصدَه يحيى حقي، صاحب "قنديل أمّ هاشم" التي يمكن تجنيسها، هي الأخرى، "مرويّة" عريبة نموذجية في هذا السياق الطموح..
أرجو أن يجد هذا المشروع اعترافا، وإن كان انتظار هذا الأمر قد يطول، ربما، أو يُنسى تماما. لكن إيقاع الزّمن وضرباته السريعة، ومخاتلاته أيضا، يمكن أن تجعل التجربة تلقى بعض الاهتمام وتوجِد لها مُتبنّين ورعاة وكتابا. وربّما أوجدت لها مستهجنين أيضا؛ في ظلّ هيمنة نوع أدبيّ دون غيره، ليس من المفيد أن يوقفنا، على الرغم من أهميته، عن البحث عن التعبير بطرق وقوالبَ مغايرة، عن المحاولة على الأقلّ.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية