مرّ على جمهورية مصر
مرّ على حكم مصر منذ سقوط الملكية في العام 1952 عشرة وجوه، تباينت فترات حكم كل منها، حيث تراوحت ما بين يومين وثلاثين عاما، بدأها محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر، تبنّاه الضباط الأحرار الذين خلعوا الملك فاروق ووضعوه في سدة الحكم 18 شهرا مقسومة على فترتين، كل منهما تسعة أشهر، فصل بينهما يومان، حل فيهما جمال عبد الناصر رئيسا، ثم أقصى الضباط الأحرار نجيب، وحددوا مكان إقامته حتى اختفى عن المسرح السياسي، وخلا المجال لعبد الناصر الذي استمرّ رئيسا بعدها 16 عاما. بنى كاريزما عروبية ما زالت آثارها باقية، وتخلّل فترة حكمه يومان، حل فيهما الرئيس زكريا محي الدين، بعد نكسة حزيران، حيث قدّم عبد الناصر استقالته إذاعيا، ثم عاد إلى الرئاسة بعد يومين، بناء على تظاهرات شعبية طالبت بعدم مغادرته القصر الجمهوري. خَلَف عبد الناصر مباشرة الرئيسُ أنور السادات، وتسلم كل سلطاته، عدا الكاريزما العروبية التي انحسرت عنه بعد عقده اتفاقيات سيناء مع إسرائيل، وكان توقيعه اتفاقية سلام سببا في اغتياله عام 1982، خلَفه صوفي أبو طالب ثمانية أيام، قبل أن يثبت حسني مبارك في الحكم 30 عاما، ولم يخرج من القصر الرئاسي إلا بتظاهرات شملت مصر بأكملها استمرّت 18 يوما. خلَف مبارك قائدُ الجيش المشير محمد طنطاوي سنة وأربعة أشهر، غادر بعدها، ليأتي محمد مرسي أول رئيس منتخب بكيفية ديمقراطية. استمرّ حكم مرسي عاما واحدا قبل أن يقصيه قائد الجيش عبد الفتاح السيسي، الذي وضع مؤقتا في سدّة الحكم عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية، واستمر الأخير 11 شهرا كانت كافيه ليخلع السيسي البزّة العسكرية ويجلس على كرسي الحكم منذ العام 2014، حيث ستعلن الهيئة الانتخابية فوزه في الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة بعد أن قضى تسع سنوات ونصف رئيسا لمصر ويستعد ليستمر ست سنوات تالية تنتهي في العام 2030.
خلال مدة تقارب ثلاثة أرباع القرن، حُكمت مصر من عسكريين لا أفق لمدة حكمهم، وليست هناك حدود لسلطاتهم، حيث مارسوا الحكم بأقل عدد من المستشارين أو الخبراء، وطبقوا على البلاد سياسة اقتصادية وتنموية ارتجالية بعضها عاطفي وبعضها شعاراتي، وسارت ما بين نموذج اشتراكي أمَّمَ قطاعات واسعة من الأملاك الخاصة، وتدخَّل بشكل كبير في تحديد الأسعار، والسيطرة على السوق، ثم انتقلت إلى نموذج منفتح أكثر سعى إلى استقطاب رؤوس أموال خليجية وعربية بقوانين ساعدت على قدوم جزء منها، وتراوح النمو خلال تلك الفترة ما بين 4% و6%، مع قابلية حدوث طفرات في الزيادة (أو النقصان) لم تأتِ بفضل خطة اقتصادية بقدر ما كانت نتيجة ظروف الإقليم السياسية.
شهدت فترة حكم الرئيس السيسي تركيزا على مشاريع كبرى ذات سمعة عالمية، كقناةِ سويس ثانية (ذهابا وإيابا) جرى حفرها بزمن قياسي، ومشاريع طاقة نووية وشمسية، وسلسلة من المدن الجديدة ذات المعايير الحديثة على طوال مساحة مصر، لكن تلك المشاريع لم تفلح في زحزحة معدل النموّ الاقتصادي المصري ليتجاوز المعدّل الذي تحرّك ضمنه منذ سقوط الملَكية، ولم تكن تلك المشاريع ناجعة لتحقيق كفاية اقتصادية وأمان مجتمعي.
طوال الخمسة والسبعين عاما الماضية، بقي النظام السياسي المصري غير قادر على تحقيق إدارة اقتصادية ناجحة، وتشير أحدث الأرقام إلى هبوط معدل النمو من 6% إلى 4%، مع توقع بمزيد من الخلخلة الاقتصادية للعام المقبل، يرفع من احتمالاتها الوضع الدولي. وفي هذا العام، جرى تكرارٌ آخر لما حصل سابقا، بما يعني أن أكثر دول الإقليم زخما وأهمية ما زالت تراوح في مكانها، وستعلن غدا بالتأكيد عن فوز الرئيس للمرّة الثالثة بنسبة تفوق 90% "فقط".