09 نوفمبر 2024
مستجدّات تونسية
تؤكّد نوبات نزوح نوابٍ حزبيين في البرلمان التونسي من كتلٍ مكثوا فيها إلى أخرى غادروا إليها، وكذا الانتقالات المتوالية في الأحزاب، واهتراء بعض هذه الأحزاب، واندماج أخرى في أخرى، تؤكّد هذه الوقائع التي تتوالى منذ أسابيع حقائق كان "المؤشّر العربي" الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قد كشف عنها في نسخته السادسة (2017 – 2018)، ومنها أن 72% من التونسيين لا يثقون بالأحزاب في بلدهم مطلقا. ويستشعر زائر تونس، عندما يدردش مع من يصادفهم من أهل البلد، هذا الإحساس النافذ لديهم، عندما يسألهم عمّا يروْنه بشأن الحادث قدّام عيونهم من ممارسات الأحزاب، وبشأن الأداء الحكومي أيضا. تلحظ شعورا ناقما وبوضوح، وحالةً فادحةً من عدم الرضى، بل ومقادير باديةً من الإحباط، وتذمّرا من الغلاء المضطرد، وارتفاع الأسعار، ونقصان القدرة الشرائية. وبكثيرٍ من اليُسر، وقع صاحب هذه الكلمات، في قضائه أسبوعا في هذا البلد الباهي، على كثيرٍ من هذا كله، وهو ما كان "المؤشّر العربي" قد أوضحه تماما، ومن ذلك أن 48% من المستطلعة آراؤهم من التونسيين يعتبرون الوضع السياسي في البلاد سيئا جدا، و32% يعدّونه سيئا. ولكن هذا الأمر لا يعني أبدا أي حنينٍ منهم إلى عهد النظام الذي خلعته الثورة المجيدة في عام 2011، وإنْ يتبدّى أن الحماس للثورة لم يعد بالإيقاع نفسه، سيما وأن قوى النظام القديم تشيع ثقافَتَه، وتستقوي بما في جوانح أغلبية التونسيين من سخطٍ على أحوالٍ غير قليلة، سيما نقصان الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة، ونخب المعارضة، وفي البال مثلا أن 67% من التونسيين، بحسب "المؤشّر العربي"، لا يثقون بالمجلس التشريعي.
يتوازى هذا الحال الذي لا يخفى عن أعين زائر العاصمة التونسية الأنيقة، والجوّال في أسواقها وضواحيها، مع تمتّع الناس بحرية القول والاحتجاج والنقد والانتقاد، من دون شعورٍ بأي خوف. ولما حدّثت صديقا عن سؤالي سائق سيارةٍ عن الأحوال، واسترسال الرجل في التعبير عن حنقه من الحكومة، أخبرني أن سؤالي ذاك، وكذا إجابة السائق، لم يكونا ممكنيْن في زمن العهد البائد، بفعل الريبة والتوجّس والشعور برقابةٍ ثقيلةٍ على ما في الصدور وما قد تنطق به الألسن. بدا حديث السائق عن عدم إنجاز حكومات ما بعد الثورة مبالغا فيه، ولكن 55% من المستطلعين التونسيين في "المؤشر العربي" يذهبون إلى أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم توفّر مرافق متطوّرة وخدمات جيدة للمواطنين، وأن 56% يجدون أن السياسات الاقتصادية لا تستجيب لحاجات التونسيين. ومما لاحظه صاحب هذه السطور أن مشاريع وطرقا ومرافق كبرى اكتمل إنجازها أخيرا إنما تم البدء بها في زمن المخلوع بن علي.
عواصفُ غير هيّنة تستهدف الحكومة التونسية الراهنة، برئاسة يوسف الشاهد، من المفارقات بشأنها أن حزب نداء تونس الذي جاء بالرجل إلى موقعه هذا، وله أكثر من عشرة وزراء في الحكومة، يعمل على إسقاط هذه الحكومة. ولولا حساباتٌ ورهاناتٌ موزونة، وكذا إسنادٌ ظاهرٌ لها من حركة النهضة، لما كان ممكنا على الأرجح استمرار هذه الحكومة التي تخوض مفاوضاتٍ عسيرةً مع التكتل النقابي الأبرز في البلاد، الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي يحشُد من أجل إنجاح إضرابٍ عام من المقرّر أن ينتظم بعد غد الأربعاء، وإنْ يبدو أن من المرجّح العدول عنه. ولا يملك الناظر في المطالب التي يلحّ عليها الاتحاد إلا أن يتفهمها تماما، سيما وأنها تركّز على الحالة المعيشية العامة للتونسيين، غير أن التجربة أكّدت، غير مرّة، أن توسّل الإضراب عن العمل، وتعطيل قطاعات الإنتاج في الدولة، وسيلةً للاحتجاج ورفع الصوت أمام الحكومة، لم يُثمر غالبا عن نتائج مرجوّة. بل ثمّة من يفيد بأن تواتر الإضرابات في قطاعاتٍ متعدّدةٍ في السنوات الست الماضية كان من أسباب الحالة الاقتصادية الصعبة التي تُغالبها الدولة، فضلا عن أسبابٍ أخرى طبعا، ساهمت في عدم إفراز الاقتصاد نموّا يعتدّ به. وهذه الموازنة العامة تؤشّر إلى فجوةٍ ظاهرةٍ بمقدار 357 مليون دولار، عدا عن ارتفاع الدين الخارجي إلى 73% من الناتج المحلي، بعد أن كان 40%، وهذه من مؤشّراتٍ غير قليلة تفيد بأن عُسر أحوال الدولة التونسية أشد حدّة من أوضاع المواطنين الذين يفرح زائرُهم ببشاشتهم.. وكظمهم الغيظ ولو إلى حين.
يتوازى هذا الحال الذي لا يخفى عن أعين زائر العاصمة التونسية الأنيقة، والجوّال في أسواقها وضواحيها، مع تمتّع الناس بحرية القول والاحتجاج والنقد والانتقاد، من دون شعورٍ بأي خوف. ولما حدّثت صديقا عن سؤالي سائق سيارةٍ عن الأحوال، واسترسال الرجل في التعبير عن حنقه من الحكومة، أخبرني أن سؤالي ذاك، وكذا إجابة السائق، لم يكونا ممكنيْن في زمن العهد البائد، بفعل الريبة والتوجّس والشعور برقابةٍ ثقيلةٍ على ما في الصدور وما قد تنطق به الألسن. بدا حديث السائق عن عدم إنجاز حكومات ما بعد الثورة مبالغا فيه، ولكن 55% من المستطلعين التونسيين في "المؤشر العربي" يذهبون إلى أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم توفّر مرافق متطوّرة وخدمات جيدة للمواطنين، وأن 56% يجدون أن السياسات الاقتصادية لا تستجيب لحاجات التونسيين. ومما لاحظه صاحب هذه السطور أن مشاريع وطرقا ومرافق كبرى اكتمل إنجازها أخيرا إنما تم البدء بها في زمن المخلوع بن علي.
عواصفُ غير هيّنة تستهدف الحكومة التونسية الراهنة، برئاسة يوسف الشاهد، من المفارقات بشأنها أن حزب نداء تونس الذي جاء بالرجل إلى موقعه هذا، وله أكثر من عشرة وزراء في الحكومة، يعمل على إسقاط هذه الحكومة. ولولا حساباتٌ ورهاناتٌ موزونة، وكذا إسنادٌ ظاهرٌ لها من حركة النهضة، لما كان ممكنا على الأرجح استمرار هذه الحكومة التي تخوض مفاوضاتٍ عسيرةً مع التكتل النقابي الأبرز في البلاد، الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي يحشُد من أجل إنجاح إضرابٍ عام من المقرّر أن ينتظم بعد غد الأربعاء، وإنْ يبدو أن من المرجّح العدول عنه. ولا يملك الناظر في المطالب التي يلحّ عليها الاتحاد إلا أن يتفهمها تماما، سيما وأنها تركّز على الحالة المعيشية العامة للتونسيين، غير أن التجربة أكّدت، غير مرّة، أن توسّل الإضراب عن العمل، وتعطيل قطاعات الإنتاج في الدولة، وسيلةً للاحتجاج ورفع الصوت أمام الحكومة، لم يُثمر غالبا عن نتائج مرجوّة. بل ثمّة من يفيد بأن تواتر الإضرابات في قطاعاتٍ متعدّدةٍ في السنوات الست الماضية كان من أسباب الحالة الاقتصادية الصعبة التي تُغالبها الدولة، فضلا عن أسبابٍ أخرى طبعا، ساهمت في عدم إفراز الاقتصاد نموّا يعتدّ به. وهذه الموازنة العامة تؤشّر إلى فجوةٍ ظاهرةٍ بمقدار 357 مليون دولار، عدا عن ارتفاع الدين الخارجي إلى 73% من الناتج المحلي، بعد أن كان 40%، وهذه من مؤشّراتٍ غير قليلة تفيد بأن عُسر أحوال الدولة التونسية أشد حدّة من أوضاع المواطنين الذين يفرح زائرُهم ببشاشتهم.. وكظمهم الغيظ ولو إلى حين.