مسيرة الأعلام بالقدس ومسيرة الأحكام بالقاهرة
ماذا فعلت الحكومات العربية والإسلامية استباقًا لمسيرة المستعمرين الصهاينة نحو المسجد الأقصى لاحتلاله؟ هل طردوا سفيرًا صهيونيًا على أراضيهم، أو استدعوه للتحذير من أن هذه الوقاحة الاستعمارية ستؤثر سلبًا على علاقاتهم الثنائية الدافئة؟ هل سحبوا سفيرًا لهم عند الاحتلال احتجاجًا؟ هل أوقفوا مشروعاتٍ سياسية واقتصادية مشتركة مع الكيان المحتل؟ هل تداعوا إلى قمة عربية، أو إسلامية للبحث عن آلياتٍ، تمثل الحد الأدنى من الموقف الأخلاقي، بمواجهة عربدة حكومة الاحتلال التي يقودها المستوطنون نحو تدمير المسجد الأقصى؟ .. فعل العرب والمسلمون، المتمسحون في قضية فلسطين والأقصى، ما يلي:
في مصر، الدولة العربية الأكبر، والتي تحتضن المقرّ الدائم لجامعة الدول العربية، انفتحت المعابر البرية والأجواء لاستقبال مسيرات طويلة للصهاينة للاحتفال بيوم إنشاء إسرائيل، والذي هو يوم ضياع فلسطين، في سيناء، بإقامة حفلات غنائية صاخبة، وفي الجيزة، تحت سفح الهرم، وعلى نيل القاهرة، ابتهاجًا بيوم إسرائيل الكبير.
في مصر، أيضًا، وبالتزامن مع مسيرة الأعلام الصهيونية التي انطلقت لاحتلال المسجد الأقصى، محمّلة بأحلام صهيونية متوارثة بهدم الأقصى وإزالته من الوجود، كانت مسيرة الأحكام القضائية الجائرة تواصل اندفاعها بسرعتها الجنونية، وقوّتها الباطشة لتأخذ في طريقها الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق، رئيس حزب مصر القوية، الأمين العام السابق لاتحاد الأطباء العرب، وتقرر سجنه 15 عامًا لأنه أدلى برأيه، عبر حواراتٍ وتصريحاتٍ علنية، في المأزق السياسي المصري، فدين بتهمة نشر أخبار كاذبة، وسجن نائبه في الحزب محمد القصاص عشر سنوات، والدكتور محمود عزت بالسجن المشدّد 15 سنة.
بالتزامن مع مسيرة الأعلام الصهيونية، كذلك، تعلن وسائل الإعلام الإسرائيلية أن بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال السابق، والذي كان يقود مسيرة المستعمرين مرتديًا الطاقية اليهودية، زار السعودية سرًا، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
الصحافة الإسرائيلية تؤكد أن نتنياهو ليس وحده الذي زار السعودية، بل فعلها رئيس الموساد، يوسي كوهين، ووزير الأمن الداخلي الحالي، رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، بني غانتس.
فيما يخص الإمارات، من العبث البحث عن شواهد عن إسهام حكام أبوظبي في المشهد المهين للكرامة العربية بالأمس. ولو تركت الإطار العربي، وانتقلت إلى الإطار الأوسع، الإسلامي، تجد أن آخر من زار الكيان الصهيوني، قبل أيام، وربما ساعاتٍ من انطلاق مسيرة الأعلام، كان وزير الخارجية التركي الذي ذهب من أجل "تشكيل وتوسيع التعاون الاقتصادي والمدني بين البلدين .. ورفع الميزات التي يملكها البلدان إقليمياً وعالمياً حتى خلال الجائحة وحتى في أوقات التوتر السياسي"، بحسب البيان المشترك مع نظيره الإسرائيلي.
الشاهد أن مسيرة الأعلام لم تبدأ بالأمس فقط، ولم تنطلق من داخل القدس المحتلة فحسب، بل هي تتويج سنوات من رفع الأعلام الصهيونية في عواصم عربية وإسلامية عدّة، تزعم كلها إنها تصادق الصهاينة وتلاطفهم وتتحالف معهم، من أجل عيون الفلسطينيين، وحماية للمسجد الأقصى المبارك، كما فعل الرئيس التركي، أردوغان، حين استضاف رئيس الكيان الصهيوني، في مراسم استقبال أسطورية، حملت فيه الخيول التركية علم الكيان المحتل، وتحرّكت برشاقةٍ على دقات طبول التطبيع.
بدأ حمل الأعلام الصهيونية مع مسيرات الهرولة العربية، الرسمية، طلبًا للسلطة، أو تأمين البقاء فيها، لدى الكيان الصهيوني، الذي جرى اعتماده، رسميًا، القائد الفعلي للمنطقة، بذهاب وزراء خارجية دول عربية للاجتماع برئاسته في النقب المحتلة.
مسيرة الأعلام شاهدتها مبكرًا في تلك اللقطات الحميمية لمحمد البرادعي مع إيهود باراك، القاتل الأول في إسرائيل وصاحب أكبر سجل من القتلى العرب، كما رأيتها في النظرات والابتسامات الملتاعة بين السيسي ونتنياهو، وفي زيارات سعوديين وبحرينيين وإماراتيين إلى الأراضي المحتلة، وظهورهم مع ساسة وعسكريين صهاينة، يتكلمون عن روعة الاحتلال وتحضره .. رأيتها ورآها العالم حين صار عاديًا أن يتواصل نتنياهو مع خلاياه الليكودية في السعودية عبر تقنية البث المباشر.
كانت مسيرة الأعلام تتحرّك على وجه يوسف زيدان وهو يدشّن نضاله، المكلف به من عبد الفتاح السيسي، لنزع القدسية عن المسجد الأقصى وإنكار وجوده في القدس المحتلة، كما كانت حاضرة في ملامح إبراهيم عيسى، وهو يجاهد من أجل نفي معجزة الإسراء والمعراج.