مشير العرب.. حبيب الصهاينة
اثنتان وعشرون درّاجة نارية، وإحدى وعشرون طلقة مدفعية، و18 سيارة فاخرة، و41 مقاطعة بالتصفيق، في أثناء كلمة لم تستغرق نصف ساعة، بمعدل وقفة تصفيق كل 45 ثانية تقريباً.
تلك كانت أبرز مكونات الحضور الأول لعبد الفتاح السيسي إلى مكانٍ يكرهه العسكر، وكان أول ما طاولته الآلة العسكرية (الدستورية) بالحل في الطريق إلى الانقلاب على الرئيس المنتخب، من قبل أن يصبح رئيساً بالفعل، ويتسلّم مهام منصبه.
مجلس الشعب، سابقاً، أو مجلس النواب، حالياً، سمّه ما شئت، يظل دوماً موضوعاً لكراهية الدكتاتور وضيقه، حتى وإن كان قد صنعه بيديه، وبعينيه، واختار، هو وولده، أعضاءه، فرداً فرداً، بالطريقة نفسها التي يشكل بها مرتضى منصور وولده فرق نادي الزمالك.
كانت الركاكة والضحالة حاضرتين بقوة في خطبة السيسي التي بدا، من صياغتها وطريقة إلقائه المتسرّعة، المضحكة، لها، أنه لا يعبأ بما يقرأه، ولا يهتم بما يردّده، يقيناً منه أنه لو قال "ريان يا فجل" سيصفّق له الجالسون والجالسات فوق مقاعد التشريع والرقابة، ممّن لا يشغلهم شيء أكثر من الكاميرات والتقاط صور "سيلفي". ولذلك، جاء خطابه أشبه بما تسمعه من أي مندوب تسويق يلقي إليك بالسلعة ويجري.
لا جديد سوى اجترار مجموعة الأكاذيب والأوهام التي أسقطتها وقائع الأيام، قناة سويس وبنية أساسية وكهرباء، وبناء دولة، وكأنه يخطب في شعب من العميان والمغيّبين، واثقاً من أن أحداً لن يرد له كلمة، ولمَ لا وهو ابن الصنم الأكبر في البلاد، ابن المؤسسة العسكرية، كما قدّم نفسه للبرلمان الذي يدّعي أنه جاء لبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
نعم، هو سليل الدولة العسكرية الأمنية. هكذا يرهب من يسمعه، هو ابن "اللات والعزى" أو الجيش والشرطة، في مجتمع جاهلي تم صهره وسبكه حديثاً على نار الخوف والفزع والجهل، فمن يجرؤ على الاعتراض أو السؤال؟
كالعادة، يستدعي فزاعة "المؤامرة والمخطط" لتسويغ الفشل، وتمرير الجريمة التي باتت لا تقتصر على الداخل فقط، إذ صار إجرام النظام دولياً، وها هي فضيحة الشاب الإيطالي جوليو تتسع وتتمدد، وتجود، كل يوم، بأسرار وحقائق، تضع النظام كله في قفص الاتهام بالإجرام العابر للقارات.
قبل أن يتكلم للبرلمان، كان آخر من التقاه السيسي رئيس المنظمات الأميركية اليهودية والوفد المصاحب له، ليعرب لهم، بحسب المراسل السياسي للقناة العاشرة الإسرائيلية، التزامه بالمصالح المشتركة لكل من إسرائيل ومصر، فيما قال المشتركون، في المقابلة، إن السيسي كان صارماً في آرائه.
هو يعرف أن شرعيته من هناك، وضمانة بقائه عندهم، لا يقيم وزناً لأحد سواهم، أما الداخل فيكفي أن يقول له "أنا ابن الجيش والشرطة"، فيخرّوا له ساجدين، أو يهتفون "لبيك يا مشير"، كما فعلت زوجة خالد يوسف النائب ومخرج 30 يونيو السعودية، شاليمار شربتلي، وأغرقته بعبارات من نوعية "وضعتنا فى مأزق، يا مشير، يا فرقاطة الإنسانية والرجولة والقوة، يا كتائب من العظمة والقوة والحنان، يا من علّمتنا معنى العروبة، يا معشوق العرب".
لم يتطرق السيسي إلى حديث الساعة في مصر الآن، وهو ثورة الأطباء ضد جبروت نظامه، لأنه لا يصدق أن أحداً يجرؤ على الغضب، خوفاً من بطشه، وطمعاً في قربه. لذا بدا مصدوماً مشوشاً، وهو يرى سلطته محاصرة بكارثتين، جريمة جوليو وجريمة مستشفى المطرية، فقرّر اتباع تكتيك "الهروب بالإنكار"، غير أن ذلك لم يعد مجدياً تماماً، بعد حدوث متغيّريْن شديدي الأهمية. الأول: أن مشهد الجموع الغفيرة بشارع قصر العيني، أول من أمس، يعني أن قشرة الخوف الغليظة قد تشققت وانشرخت وأوشكت على الكسر، وعاد الناس يثقون في إمكانية التغيير.. أما المتغيّر الثاني والأهم، فهو أن نظام السيسي لا يجد ما يستره، بعد انكشاف جريمة القتل التي نفذتها الدولة المصرية بحق الباحث الإيطالي، مع سبق الإصرار والترصّد.