09 نوفمبر 2024
مع مارسيل غانم.. ولكن
هل تندرج القضية المنظورة أمام القضاء اللبناني، والمتعلقة بحلقةٍ من برنامج الإعلامي، مارسيل غانم، "كلام الناس"، في فضائية لبنانية، شوهدت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ضمن ما نسمّيها، نحن المشتغلون في الإعلام والصحافة، قضايا الحريات العامة. أم هي ذات بعدٍ سياسيٍّ، متّصل بالاستقطاب الحادث في لبنان، بين فئةٍ عريضةٍ في المجتمع تصطفّ مع خيارات حزب الله، وممثّلةٍ في الحكم، وفئةٍ أخرى، عريضةٍ أيضا في المجتمع، تناهض هذه الخيارات، وممثّلة في الحكم أيضا؟
مبعث السؤال أن من العسير عليك في لبنان أن لا تلحظ الاستنسابية (مفردة ذائعة هناك، وتعني الانتقائية القصدية ربما) السياسية، في حُزَمٍ بلا عددٍ من القضايا والنقاشات، ولو ارتدت أثوابا قضائيةً ومجتمعيةً واقتصادية. وواضحٌ تماما أن ثمّة مقادير عاليةً من السياسة ماثلةٌ في القضية التي تُعقد لها جلسةٌ تالية في الثاني من فبراير/ شباط المقبل، ليس فقط لأن المدّعي هو وزير العدل، سليم جريصاتي، والذي ينتسب في الحكومة إلى حصة التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله، وأن المدّعى عليهما متحدّثان سعوديان، شاركا في تلك الحلقة التلفزيونية التي كانت مخصّصةً باستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة، من الرياض. وإليهما، الدعوى مقامة ضمنا على مارسيل غانم. ليس هذان السببان وحدهما يجعلان رائحة السياسة في المنازلة القضائية هذه نفّاذة إلى أنوف من لا يريدون رؤيتها كذلك، وإنما أيضا أن القول إن مبعث الدّعوى أن المتحدّثين السعوديين تطاولا على رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ووزير الخارجية اللبنانيين، باتهامهما بنصرة الإرهاب، قوبل فورا بالقول إن الدّعاوى لا تقوم عندما تتجرّأ صحف ومنابر إعلامية لبنانية على العربية السعودية، وعلى رموز آخرين في الدولة اللبنانية.
لم يعترض مارسيل غانم على أن يقاضيه وزير العدل في محكمة، وإنما اعتبر كيفية استدعائه للحضور أمام قاضي التحقيق اشتملت على تجاوزٍ بحقه، أي بصفته إعلاميا، غير أن الاعتراضات التي ناصرته، من أوساطٍ حقوقيةٍ وإعلاميةٍ وسياسيةٍ واسعةٍ في لبنان، اتصلت بمخاوف في الجسم الإعلامي على الحريات العامة، سيما وأن ما تكلم عنه السعوديان أتيح لضيفٍ في الحلقة التلفزيونية أن يردّ عليه، هو النائب السابق لرئيس مجلس النواب، إيلي الفرزلي، وإن مارسيل غانم كان مديرا للحوار بين ضيوف الحلقة التلفزيونية، ولم يوافق على الشاشة على ما نطق به المتحدثان السعوديان. ولكن، في الوسع أن يمضي واحدنا إلى أخذ النقاش المهني إلى مساحةٍ أوسع، صدورا عن سؤالٍ عمّا إذا كان يجوز لمُستضافٍ في برنامج تلفزيوني أن يتمرجل على الناس كيفما اتفق، وأن يُتاح له هذا الأمر من باب التوازن أو حرية التعبير. إذا صحّ ذلك، لا مدعاة لأن تنجز المؤسسات التشريعية قوانين بشأن جرائم الشتم والتشهير والسب والقدح والقذف، والتي لا يعالجها ضمانُ حق الرد المكفول قانونا.
الإعلامي العتيد مارسيل غانم محام وخريج جامعي في الحقوق، وهو أعرفُ من غيره بأن حرية التعبير لا تحمل اسمها هذا عندما تشتمل على إيذاء الآخرين وتتزيّد عليهم بما هو جارح ومسيء، وأن احترام هذه البديهية هي من لوازم الأخذ بالديمقراطية، وهذه منقوصةٌ في المحتوى المؤسساتي اللبناني العام. ولا يُشار هنا إلى هذا الأمر، تعالما أو تذكيرا لصحافي مميز بأصول شغله. لا، وإنما للقول إن مزيدا من التحرّز كان شديد الضرورة في التعامل مع "الحالة السعودية" المستعصية، والتي باتت ذائعةً على الشاشات وفي كل المنابر المكتوبة والمسموعة والمرئية والرقمية. .. لتمض دعوى جريصاتي ضد المتحدّثيْن السعوديين اللذيْن أجازا لنفسيهما الكلام المسترسل كيفما اتفق، عن الإرهاب والرئيسين ميشيل عون ونبيه بري والوزير جبران باسيل. وهما ما اقترفا سماجتهما تلك إلا صدورا عن استضعاف لبنان في أفهامهما ومداركهما. لتمض الدعوى في هذا المسار، من دون توريط مارسيل غانم فيها، لأنه زاول إدارة حلقته التلفزيونية بالمقتضى المهنى، أو بالمقادير الوازنة منه. ننتصر له زميلا، وحمايةً لحقه في مزاولته مهنته بحرية، ولكن يحسُن أن يعرف من يطيل لسانَه أن ثمّة قوانين في العالم معنية بقص الألسنة الطويلة.