مفارقات مصرية في "المؤشّر العربي"
يتصدّر المصريون شعوب 13 بلدا عربيا في تأييد القول إنه ليس من حقّ أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى أديانٍ أخرى، فالمؤشّر العربي، في نسخته السابعة المعلنة نتائجُه الأسبوع الماضي، يوضح أن 32% في العيّنة المصرية يوافقون على هذا، و55% يوافقون بشدّة. كما أن المصريين هم الأعلى في تأييد القول إنه لا يحقّ للحكومة استخدام الدين لتأييد الناس سياساتها، بنسبة 35%، و55% بشدّة. ولمّا كان أهل البحث في الإجتماع هم الأكثر تأهيلا لتفسير أمرٍ كهذا، فذلك لا يُلغي ترخيصا لنا، نحن أصحاب التعاليق في الصحافة، في قول الذي نريد في هذا الشأن (وغيره)، والقول هنا إن المجتمع المصري ما زال يُحافظ على سِمته الغالبة فيه، الدالّة على منسوبٍ عالٍ فيه من السماحة والإعتدال والبعد عن الغلو والتشدّد، فلا يجيز رمي الأقباط فيه، وهم أهل قرى ونجوع وبلداتٍ بلا عدد في الصعيد وغيره، بألفاظ التكفير وما شابهها. وصدورا عن هذا الوعي العام المتوطّن فيه (إلى حد كبير)، لا تروق للقطاع الأعرض في الشعب المصري أن تعمَد السلطة إلى استخدام الدعاة والمشايخ (ورجال الكنيسة) لتسويق خياراتها وقراراتها. وفي هذا، لا يستطيب ما يفعله الحكم الراهن لجوءَه إلى الدّعائية إياها التي تستثمر في هؤلاء، عندما تعييه الحيلة. وله دلالته الكاشفة أيضا أن يتصدّر المصريون (وإنْ بعد السودانيين أو معهم) شعوب الدول العربية الـ 13 في المؤشّر العربي في تأييد القول إن تنظيم الدولة الإسلامية هو نتاج وجود التطرّف والتعصّب الديني في مجتمعات المنطقة، بنسبة 53% (كما السودانيون)، فيما يرى 34% التنظيم المذكور نتاج سياسات الأنظمة العربية، و9% يرفضون المقولتين و4% يرفضون الإجابة أو لا يعرفونها.
في الوسع إذن أن يقرأ واحدُنا هذه الأرقام المصرية، وصدارتَها عربيا في استطلاعٍ وازن القيمة والعلمية والمهنية، يُنجزه سنويا المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنها تعني أن ثقافة نبذ التطرّف هي الأقوى بين جموع المصريين. على أن التسليم بهذه الحقيقة لا يُجيز إغماض الأبصار عن نزوعات التكفير والتشدّد والعنف (الجهادي؟) التي تجد مواطنَ لها في بيئاتٍ مصريةٍ ذات ظروف وأوضاع اجتماعية ضاغطة ربما. سيما وأن الدولة المصرية لم تأخذ بغير المسلك الأمني المتشدّد، والثأري، في معالجة هذا الحال. ولم تعمل، مثلا، على استنفار الطاقة المجتمعية التي توضحها المعطيات الثقافية والإجتماعية التي يفيد بها استطلاع المؤشّر العربي، وإنما ذهبت إلى التخويف، والتضييق على قنوات تعبير المواطن المصري عن آرائه وتطلعاته، فثمّة دلالةٌ ظاهرةٌ في أن يكون المقياس الرقمي لقدرة هذا المواطن على انتقاد الحكومة 5,6 (من 10)، في المنزلة 11 (بعدها فلسطين والسعودية) بين الدول العربية الـ 13 (الدرجة العليا يُحرزها المواطن التونسي بـ 6,9). وهذا فيما مصر هي الدولة الثالثة (بعد العراق والسودان) التي يستخدم مواطنوها وسائل التواصل الإجتماعي من أجل التفاعل مع قضية سياسية، ذلك أن 36% يزاولون هذا عدة مرّات في اليوم أو يوميا، و29% عدة مرّات أو مرّة في الأسبوع، و15% أقل من مرّة في الأسبوع. ولربما يقع المستكشف في "المؤشّر العربي" مفارقةً في أن 10% من المستطلَعين المصريين يرون الوضع الإقتصادي في بلدهم جيدا جدا (نسبة عالية نوعا ما)، و56% يرونه جيدا، فيما 21% فقط يرونه سيئا، و8% يرونه سيئا جدا، ويرفض الإجابة 6%. وهي أرقامٌ تماثل، إلى حد ما، مستوى تقييم الوضع السياسي الذي يراه 11% من المصريين جيدا جدا، و54% يجدونه جيدا، فيما 18% يلحظونه سيئا، و5% يرونه سيئا جدا، ويرفض الإجابة 13% عن السؤال، والأخيرة هذه هي النسبة العليا عربيا، ويجوز ردّها إلى خوفٍ ما، أو شعورٍ بحذرٍ شديد.
ومن عجائب أخرى، إذا أجزنا لأنفسنا تعبيرا كهذا، أن 27% موافقون بشدّة على أن مجلس النواب يؤدّي دوره في الرقابة على الحكومات، و35% يوافقون، ولا يخالف هذه القناعة (؟) سوى 13%، و 16% بشدّة، وإن يرفض الإجابة 9%. .. تُرى، هل من تأثيرٍ ظاهر لوسائل الإعلام الحكومية، ومثيلاتها الكثيرة الملتحقة بها، في هذا على المواطن المصري؟ ربما. السؤال مطروحٌ أيضا في صدد رؤية المصريين، بنسبة 18%، أن تركيا من الدول الأكثر تهديدا لمصر، فيما النسبة التي تسبقها في العراق، وهي 5%، وهي صفر في عدة دول. وفيما إسرائيل هي الأكثر تهديدا بنسبة 25%، ما هي الدول العربية التي تمثّل تهديداتٍ لمصر، على ما أجاب 17%، في نسبةٍ عاليةٌ جدا؟ ما هي القصة بالضبط؟