منبوذو الهند ومنبوذو سورية: الأشباه والنظائر
وجدت أنّ منبوذي الهند أكرم من منبوذي سورية في السجون، مع فروق الدين والحضارة. وفي مشهد أول في فيلم "جاي بهيم" يجري تصنيف للمتهمين حسب الطائفة، تبرّئ فيه الشرطة أبناء طائفة، وتدين أبناء طائفة، ولا بد أن كل سوري شهد شيئًا مثل هذا في الجيش، أو في العمل الحكومي، ولا تظهر الطبقية إلا في دوائر الحكم، وليس في الجيش قيادات "داليت" سوري، والداليت بعض منبوذي الهند، وإن وجدت فهي للزينة والخدعة، ويحرم الحديث عنه مطلقاً، والتهمة الجاهزة توهين روح الأمة وإضعاف الشعور القومي، ومعناها في شرح الزوزني: توهين روح أبناء الطائفة الحاكمة، وإضعاف شعورهم القومي، وهي قومية غير عربية، فارسية أو روسية، وما يضعف شعور أبناء طائفة يقوّي شعور أبناء طائفة أخرى. وتحتكر الدولة المجال العام.
لكنّ الإذلال لا يظهر في وسائل الإعلام السعيد، لأنّ "الطبقة" الحاكمة الجديدة باطنية، ولأنّ الداليت السوريين هم الأكثرية، ويبلغون ثلثي الشعب السوري. والموظفون المهرة هم من "الداليت" أما الوظائف السيادية، وهي المخابرات والخارجية والجيش فهي للطائفة الغازية للمدن من الأرياف، وإن تولاها شكلياً أمثال مصطفى طلاس وفاروق الشرع فترة، وكان طلاس يلقب بالبقرة الضاحكة.
البراهمة السورية الحاكمة لا تبرز أنيابها "الطبقية" إلّا إذا شمّت رائحة السياسة من المنبوذين السوريين، السياسة منجاة للمنبوذين الهنود، ومقتلة للمنبوذين السوريين. تتجنب الشرطة الهندية قتل المتهمين، فالروح ثمينة قانوناً، أما روح المتهم السياسي السوري، فهي أرخص من عقب السيجارة.
يقع تعذيب في معظم القضايا الجنائية السورية للإقرار بالجرائم المنسوبة للمتهمين، والتعذيب طريق معروف في أكثر الدول العربية، أما التهم السياسية فلا دفاع فيها، ولا محامين، والمتهم فيها محكوم بالإعدام تحت التعذيب والاغتصاب والمصادرة المالية واسترهان الأهل.
تبيح الهند عموماً التظاهر والتجمع خلا في عهد مودي، والمرافعة أمام القضاء، وهو محرّم مطلقاً في سورية، تحوّلت قضية "راجا كنوا" في الفيلم إلى قضية سياسية غيّرت القوانين، وعوّضت المتهمين مالياً ومعنوياً، ولم تقع قضية واحدة مثلها في سورية طوال مدة حكم الأسد. السياسة خيانة وطنية في سورية الأسد.
التعفيش ظاهرة مشتركة بين طبقتي الهند الحاكمتين، في الفيلم الروائي تقوم الشرطة بتعفيش المنبوذين وسرقة أموالهم، وهم فقراء معوزون، على النقيض من منبوذي سورية الموسرين، وكان مقتحمو البيوت السورية في الجرد الأمني الذي وقع في الثورة يتعجّبون كيف يثور قوم لديهم برّادات وتلفزيونات!
منبوذو الهند مكتومو القيد، ويقيمون في الريف والشوارع والغابات ومحرومون من التصويت الانتخابي. أما منبوذو سورية، فلهم قيود، ولكن بلا أصوات، فصناديق الانتخابات مزوّرة، والتزوير شبه علني للنكاية والاستفساد والاستذئاب.
قد تقبل طبقة البراهمة السوريين الوافدة بمنبوذ في صفوفهم، بعد أن يُثبت ولاءه بتجاوز جميع فضائل الأخلاق، والبراهمة الوافدة يؤاكلون المنبوذين ويشاربونهم، وقد تقع مصاهرات بينهم، وليس النبذ السوري مثل نبذ الهند، فالنبذ السوري طارئٌ عمره أربعة عقود، وحديث، أما النبذ الهندي فقديم.
لا قانون في سورية سوى لأحكام جنائية أكثرها فاسد، ومع ذلك لا يسمح بالنشر الصحافي فيها حرصاً على الصورة النقية للمجتمع السعيد، ولا صحافة في سورية، حتى أنَّ صحافة سورية كانت تستورد قصصاً جنائية مسليّة من مصر لتسلية الناس بغرائب الجرائم، رويت بعض الجرائم في برنامج حكم العدالة الشهير الذي كان يستوفي الاعترافات بكولومبو سورية، المساعد جميل، إنّه ملك جمال العدل.
منبوذو سورية مذلّون بعد عزة، أما اغتناء البراهمة السورية الوافدين فمثل النار لا تشبع من حطب.
التوقيف مؤدب ولطيف في سورية غالباً، وكان هذا قبل الثورة، سيشرب المتهم فنجان قهوة ويعود، وهو ليس كذلك في الهند. لونا الطبقتين في الهند متقاربان، وكذلك في سورية، لكنّ الهوية الطائفية السورية تظهر في اللهجة والعبارة ومحل القيد. عموماً النبذ أصلي في الهند ومستقرّ وديني، وقديم، ويرفع التعذيب فور إقرار المتهم بالجرم، أما النبذ السوري، فهو طارئ، وديني أيضاً، وقد (حرف اضطراب) يبرد بإقرار المتهم بكلمة التوحيد: لا إله إلّا بشار الأسد.
يمكن أن نذكر أنّ الهند تتصارع سياسياً وحزبياً، وللفقراء حق تحصيل بعض المكاسب الصغيرة من الصراع، أما أحزاب سورية السياسية، فهي برامج ومسلسلات تلفزيونية مثل مرايا وبقعة ضوء.