منى الكرد وعهد التميمي و ..
يبدي سوريون عجبهم مما يجري في القدس أو حتى في غزّة، ويرونه لعباً ولهواً إذا ما قورن بحالهم، ويذكرون رفق جند الاحتلال بالمصلّين، بل إنَّ المحتلين يخافون من المصلّين العزّل. ويتعجّبون من قناة الجزيرة التي لها مكاتب في فلسطين المحتلة، وليس لها مكاتب في سورية، دُمّر أحدها في غزّة، ويتعجبون من مراسلتها جيفارا البديري، التي ترابط، ليلَ نهارَ، على باب حي الشيخ جرّاح، واعتقلت ساعة، وأخلي سبيلها بعد مشاهدة سبع ثوانٍ من شريط مصوّر، فملأت أخبارها وكالات الأنباء. أما الصحافيون الذين اختفت آثارهم في معتقلات النظام السوري فبالمئات، وبينهم فرنسيون وبريطانيون وأميركيون.
ويتعجّبون من حال المرابطة منى الكرد التي احتُجزت ساعة من بيتها، والكاميرا تصوّرها وهي تطلب المحامي، فأخذ والدها كرسياً، وقعد على باب المخفر الإسرائيلي، ناذراً ألّا يبرح الأرض حتى يكون حرضاً أو يكون من الهالكين، فخرجا واستقبلهما المنتظرون بالهتاف والزغاريد، ورُفع محمد الكرد على الأكتاف، وعادوا إلى البيت مسرورين. ويتذكّرون أنّ النظام السوري أعلن، عبر مكبرات المساجد، قبل أيام أنّه سيُفرج عن معتقلين في دوما، فخرج أهلها بأسرهم، فوجدوا أنَّ النظام صنع مقلب كاميرا خفية بهم، وأفرج عن مشاغبي ما قبل الانتخابات الجنائيين، وليس عن معتقلي الثورة، إن بقي منهم أحياء!
ويشتبه بعض الناقدين أنَّ إسرائيل تريد تذكير العرب بحنانها بهذه الاعتقالات الناعمة. وتذكّرَ بعضهم عهد التميمي بشعرها الغجري المجنون يسافر في كلّ الدنيا، وثمّة من يرتاب في أنّ إسرائيل ترفق بالقوارير، وكانت قد أفرجت عن مريم العفيفي بعد ساعات. والمقارنة غير جائزة، فمنى محجّبة، وليس لها شعر غجري مجنون يسافر في كلّ الدنيا، وهذه بعض الفروق بين إسرائيل وشقيقاتها العربيات:
الأول: أنَّ الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد، القدس المحتلة مركز، ودمشق والقاهرة وعمّان وبيروت أطراف، بها تمشي تل أبيب، وتبصر وتشمُّ أيضاً، والقلب ليس كالقدمين.
الثاني: أنَّ التعليل يتعدّى المركز والأطراف إلى علّة أخرى هي صراع الشرق والغرب، فإسرائيل غرب في الشرق، واحة الديمقراطية وسط دول دكتاتورية، فيها "شعب الله المختار". يغصُّ هذا المركز كلّ استعصاء سياسي بفرط الديمقراطية بأرجحية بسيطة، بينما يفوز حكام العواصم العربية الدكتاتورية الجمهورية كلّ دورة بنسبة 99% أو أقل بقليل، بنقص المناعة الديمقراطي المكتسب.
الثالث: أنَّ إسرائيل دولة احتلال، لغتهم مختلفة، ودينهم مختلف، بينما الدول العربية يحكمها عرب مسلمون، أو يدّعون ذلك، فما يقع بين طائفة الملك العربي وشعبه من خصومةٍ مثل ما يقع بين الأب الذي يؤدِّب أولاده، أو هي حربٌ أهلية، ينأى الغرب بنفسه عنها، وليست كذلك في إسرائيل، فهي دولة استعمارية، يسري عليها أو على بعضها قوانين الاحتلال. والرقابة في العصر الرقمي قد زادت، والصورة تفضح، ولا يريد الغرب الإساءة إلى صورة دولة اللبن والعسل والصناديق الديمقراطية والقنابل النووية من أجل بيت في الشيخ جرّاح.
الرابع: القدس مركز ديني عالمي للمسلمين، وليس للعرب وحدهم، وللمسيحيين واليهود، وإسرائيل لا تستطيع أنَّ تغافل الكاميرات والصحافة دائماً، فهي تضرب وتهرب.
الخامس: أنَّ الاستعمار يختلف عن الاستبداد، فرعايا إسرائيل الفلسطينيون يعيشون في درجة الصفر الاستعماري، بينما يعيش الرعايا العرب في عواصمهم في نقطة الغليان الاستبدادي، أو قريباً منها أو فوقها، وإن توهموا أنَّهم يعيشون في دولة وطنية مستقلة ذات سيادة، فبلادهم فيها حواجز وجدران عازلة وفصل عنصري ومدن إدارية. والصفر الاستعماري منية المتّمني العربي.
السادس: أنَّ إسرائيل تحتكر صناديق الانتخابات في الشرق الأوسط، إلى درجة إلغاء نتائج الانتخابات التي فازت فيها "حماس" أو منعها. الديمقراطية ممنوعة علينا لأنَّ مراكز البحث الغربي عرِفتْ اعتقاد الأكثرية التي لم تؤثر فيه دراجة روبي و"واوا" هيفاء وهبي وحصان ذكرى.
السابع: أنَّ إسرائيل لن يجري عليها سوء إن خسرت بيتاً في "الشيخ جرّاح" أو الحيّ كلّه، فسيعود الأمر إلى سالف عهده وأوانه، بينما لا يتحمّل الدكتاتور العربي في دولته اعتراضاً أو تظاهرة مثل تظاهرات المسجد الأقصى، فإن سكت عنها سقط.
الثامن: العلّة السابعة مردّها أنَّ الطغيان استبداد هرمي، يسقط بخطأ، بينما الاحتلال أفقي، لا يتأثر بجرح هنا أو هناك.