من الغلاف إلى الجوهر: كيف تختار كتابك
مع افتتاح معرض الكويت الدولي للكتاب، أمس الأربعاء، بدأت رحلة عشّاق الكلمة المكتوبة في استكشاف عوالم جديدة من الفكر والأدب والمعرفة. حيث يعدّ اختيار كتاب للقراءة من بين آلاف العناوين المعروضة في أروقة المعرض قراراً يتطلب مهارة ورؤية واضحة، فهو ليس مجرّد اقتناء عابر أو تسلية وقتية، بل هو استثمار في الذات وفي العلاقة مع الكلمة المكتوبة التي تشكّل أفقنا الفكري وتوسع رؤيتنا إلى الحياة.
كعادتي مع كل معرض للكتب، أتلقّى استفسارات كثيرة عن الكتب الجديدة من قرّاء يطلبون أن أرشّح لهم كتبا يقتنونها من المعرض، بحكم خبرتي وكتاباتي وتجاربي الطويلة مع الكتب والمعارض والمكتبات. ومع أنني أقول للجميع دائما إن التجارب على هذا الصعيد فردية ومتنوّعة، وما يصلح لقارئٍ قد لا يصلح لآخر، إلا أن هناك قواعد ثابتة في عملية الاختيار، فهذه العملية بمثابة تجربة ثقافية تستحقّ التأمل والتأنّي، فهي تبدأ قبل دخول المعرض، ولا تنتهي إلا عندما يصبح الكتاب بين يديك، ينبض بحكاياه وأفكاره، ويأخُذك إلى عوالمه الخاصة.
في البداية، على القارئ أن يحدّد غايته من القراءة. فهل يبحث عن كتابٍ يغذّي روحه بالمعاني الأدبية العميقة، أم يرغب في التعرّف إلى مجال معرفي جديد يعزّز خبرته في الحياة؟ يساعد وضوح الهدف على تضييق الخيارات وتوجيه البوصلة وسط تنوّع العناوين والموضوعات، فالمعرض لا يعرض الكتب فقط، بل يعرض أفكاراً وتجارب وحكاياتٍ من كل بقاع الأرض، وكل كتابٍ هو بوابةٌ لعالم مختلف، يتطلب اختيار المفتاح المناسب للدخول.
بعد تحديد الغاية، يأتي دور البحث والاستقصاء. يمكن للقارئ الاستعانة بوسائل عدّة قبل التوجه إلى المعرض. يمكن أن يكون الاطلاع على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً أو قراءة الترشيحات الأدبية من النقاد والمثقفين بداية موفقة. ومع ذلك، ينبغي أن نتحلى بالوعي بأن الشهرة ليست دائماً معياراً للجودة، فقد تحمل الكتب الأقلّ شهرة كنوزاً فكريةً مخبوءةً تنتظر من يكتشفها. كما يمكننا الاطّلاع على المواقع الإلكترونية والمنصّات الثقافية التي تقدّم ملخّصات للكتب أو مراجعات لها، وهي أدواتٌ مفيدة تمنحه لمحة أولية عن محتوى الكتاب وأسلوب كاتبه.
تحدٍّ آخر نواجهه بين أروقة المعرض، وهو الإغراء الذي تفرضه الأغلفة البرّاقة والعناوين الجذابة. هنا، يجب أن نتذكّر أن جمال الغلاف ليس مؤشّراً إلى عمق المضمون. علينا أن نتجاوز السطح لنغوص في الجوهر؛ قراءة مقدّمة الكتاب أو بعض الفقرات العشوائية منه تساعد في تكوين انطباع أولي عن جودته ومدى توافقه مع اهتماماتنا. كما أن التعرّف إلى الكاتب وسيرته قد يفتح أفقاً لفهم أعمق لأعماله، فكل كاتب يحمل بصمته الخاصة التي تعكس تجاربه وأفكاره، ما يجعل العلاقة بين القارئ والكاتب أكثر ثراءً وعمقاً.
وقد يلفتنا في أثناء التجوّل بين دور النشر وجود ندوات وحوارات أدبية. حضور مثل هذه الفعاليات يمنح فرصة التعرّف إلى مؤلفين جدد وسماع تجاربهم في الكتابة، ما قد يفتح لنا آفاقاً جديدة للاختيار. كما أن الحوار مع ناشرين أو مختصّين في المجال الثقافي وسيلة لتوسيع الخيارات، حيث يمكنهم توجيهنا نحو كتبٍ قد لا تظهر على القوائم الشهيرة، لكنها تحمل قيمة فكرية وأدبية عالية.
ومن المهم أيضاً أن نراعي التوازن في الاختيارات، فالمعرض فرصة ذهبية للتنوّع، حيث يمكننا أن نقتني مزيجاً من الكتب التي تجمع بين الأدب والفكر والعلم والتاريخ. يمنحنا هذا التنوّع فرصة لإثراء تجربتنا القرائية. ولا ينبغي أن نغفل أهمية الاستمتاع بهذه الرحلة. اختيار الكتاب هو جزء من تجربة ممتعة وشخصية للغاية، تعكس ذوق القارئ وفضوله الفكري. ورحلة سعيدة بين الكتب.