من بقايا صُوَر فلسطينية
يزاول رئيس فلسطين فعلا سياديا محضا، عندما يمنح الممثلة السورية، سلاف فواخرجي، جواز سفر فلسطينيا. .. تضجّ بإحالاتٍ وفيرةٍ صورةُ السيدة تتسلّمه من شخصٍ اسمُه أنور عبد الهادي، تعرّفنا جذاذاتٌ إخباريةٌ بأنه "مدير عام دائرة العلاقات العربية في منظمة التحرير الفلسطينية"، منها أنك صادفتَ صورا مثلها، سابقا، كما التي للمغنّي اللبناني راغب علامة، يتسلّم الجواز من عبّاس نفسه في بيروت قبل 11 عاما، فاحتجّت عائلاتٌ فلسطينيةٌ في لبنان على انشغال الرئيس بهذا الأمر، فيما تجاهلَ طلبات "لمّ شملٍ" تقدّمت بها. كما أنك شاهدتَ المغنّي التونسي، لطفي بوشناق، منحَه عبّاس، في رام الله، جواز سفرٍ كهذا. ومرّ عليك الخبر أن الزميل اللبناني، زاهي وهبي، طلَب بنفسِه هذا الجواز، فاستقبله عبّاس في عمّان، وأعطاه إياه دبلوماسيا.
والبادي من هذا الأرشيف أن ثمّة فائضا من السيادة في دولة فلسطين لدى الرئيس عبّاس، فيُنفق منه بمنح جوازات السفر (والجنسية الفلسطينية) بسخاء، الأمر الذي لا نلقاه عند رؤساءَ وملوكٍ وأمراءَ في دولٍ كبرى وصغرى، ناجزة الاستقلال والسيادة... ومما تحيل إليه تلك الصورة أنك لمّا تتمّلى فيها تجدك تسأل عما بادرَت إليه سلاف فواخرجي من أجل فلسطين والفلسطينيين حتى تستحقّ هذا التكريم الذي دلّنا على وجود دائرة للعلاقات العربية في منظمة التحرير. لا تُحرز السيدة سمعةً خاصةً في نصرة شعب فلسطين، فلم تُصادَف في نشاط عام لإسناده أو التبرّع له، وإنما تحوز سمعةً بالغة السوء في مباركة أفعال القتل السوداء التي يرتكبها جيش الأسد في سورية، ما لا يجعل غلوّا في نعتها واحدةً من المُعادين لشعبها وحقّه في الحرية والحياة. ولمّا كانت في خلفية صورة فواخرجي مع الموظف الفلسطيني الرفيع صورةٌ لمحمود عبّاس وبشار الأسد معا ذات لقاء بينهما، فإننا نُصبح أمام فعلٍ بالغ الرسميّة في امتهانه العقل الفلسطيني، وفي التأشير إلى ركاكةٍ فادحةٍ تقيم عليها الرئاسة الفلسطينية، عندما تُشغل نفسَها في منح جواز سفرٍ لممثلةٍ تزاول تشبيحَها لنظام الأسد بسفورٍ بائس.
صورة ثانية، ليست بعيدة الصلة عن المتحدّث عنها أعلاه، لخليل الحيّة وزياد نخالة وطلال ناجي (وآخرين) مع الأسد في قصره في دمشق تُظهرهم ضاحكين، ينطق محيّا كل منهم بغبطةٍ وسرورٍ غزيريْن. ولئن استوقفَ وسائطَ الإعلام حضورُ الحيّة في وفد الفصائل الفلسطيني العريض (بينها حركة فتح)، بصفته ممثلا عن حركة حماس، فهو نائبُ رئيسها في قطاع غزّة، فذلك للانعطافة الظاهرة من الحركة الإسلامية تجاه نظام الفتك الحاكم في دمشق، بعد القطيعة المعلومة. ولئن تعدّدت اجتهاداتٌ في تفسير أسباب هذه الفعلة، (وتفهّمهما أحيانا؟)، فإنك لن تلقى ما يُسعِف بحثَك عن سبب الغبطة باللقاء مع الأسد، فقد تعدّت هذه مألوفَ المجاملات التقليدية إلى ما ينطق بأن اشتهاءً كان لأن ينعقد هذا اللقاء، فلما لبّاه بشار الأسد باستقبال الحيّة (مع الوفد العرمرم!)، لم يستطع الأخير إلا أن يفرَح، بل أن يُري الناس فرحتَه بالذي تأتّى له. وعندما يُبلغ القيادي الآخر في الحركة الإسلامية، أسامة حمدان، قناة الميادين، أن زميلَه نقل إلى الأسد تحيات المقاومين والمجاهدين في كتائب عز الدين القسام، فإن الصورة التي رأينا لن تُخبرنا فقط بذلك الفرح الوفير في الضيف الإسلامي لمّا استقبله مضيفُه، وإنما أيضا أن حركة المقاومة الإسلامية مُقدِمةٌ على أكثر من انعطافة، إلى انضواءٍ في المنظور الأسدي إيّاه، الذي لا يرى في الشعب الفلسطيني سوى أن عليه أن يلتحق بالنظام الذي يستعين بغاز السارين والبراميل المتفجّرة لذبح كل من يراه أهلا للذبح. ولمّا كان فلسطينيون في لبنان استهجنوا انشغال محمود عبّاس بتجنيس راغب علامة، وعدم اكتراثه بشملِهم، فإن لواحدِنا أن يسأل ما إذا تذكّر خليل الحيّة ورفاقه آلافا من الفلسطينيين في سجون الأسد، فطلبوا منه أن يشملهم بعطفه، وعمّا إذا تذكّروا دماء فلسطينيين أجهز عليهم نظام الأسد في غضون السنوات العشر الماضية، حتى لا نقول أكثر.
الصورة الثالثة التي تنطق بالكثير الكثير، تلك التي لم نرَها، فلم تنشغل بها أي كاميرا، لمّا فتح العشريني، الشهيد تاليا، عدي التميمي، النار على مجنّدين إسرائيليين في حاجز عسكري في شعفاط. نتخيّلها هذه الصورة، نرسمها، نتمثلّها، نكوّنها، لأنها هي الصورة فعلا، فيما تلكما لخليل الحيّة ولسلاف فواخرجي ستكونان من بقايا صُوَر، أو ربما يلزم أن تكونا كذلك.