من حكايات المشاهير
الشخصيات الأدبية والفنية المشهورة في التاريخ نوعان: منعزل واجتماعي. لا نعرف عن النوع الأول سوى معلومات قليلة، تتعلق بمولده، وجنسيته، والبلد الذي عاش فيه، وأسماء مؤلفاته، والجوائز التي حصل عليها، وتاريخ وفاته.. أما الثاني، فسيرته مليئة بالحكايات، والطرائف، إلى درجة أن النوادر المنسوبة للأديب الأيرلندي جورج برنارد شو، مثلاً، تحتل صفحات المنوّعات في الصحف، وأوراق الروزنامة، ولا يزال بعضها يتردّد على ألسنة المتحدثين، مع أنه متوفى منذ ثلاثة أرباع القرن.
حينما قرأتُ رواية "الجندي الطيب شفيك"، للتشيكي الفذ ياروسلاف هاشيك، حفظت كمية كبيرة من المواقف الطريفة فيها، وذات مرّة كنت أروي بعضها في مجلس كان فيه طبيب متخرّج من تشيكوسلوفاكيا، فأخبرنا بأنه يستحيل أن يلتقي ثلاثة أو أربعة أشخاص من أبناء الشعب التشيكي، في سهرة مرح، من دون أن يسردوا بعضاً من طرائف تلك الشخصية العجيبة.
التراث العربي القديم عامر بحكايات طريفة، منقولة عن شخصياتٍ مشهورة، كالمعرّي، والجاحظ، وابن الرومي، وأبي دلامة... ولكنني، محسوبكم، أميل إلى الاعتقاد بأن الكثير منها مفبرك، ومنسوبٌ للشخصيات المذكورة على سبيل المبالغة، كالقول إن المعرّي سمع رجلين يتبادلان حديثاً مطوّلاً بلغة لا يعرفها. ومع ذلك، حفظ الجمل التي سمعها، ونقلها إلى بعض أصحابه، فترجموها، وأن واحداً من الناس وضع ورقة رقيقة في مكان جلوسه، في أثناء وجوده في الخارج، فلمّا عاد وجلس: سأل: هل ارتفعت الأرض، أم انخفضت السماء؟ وأذكر أنني ذهبت، ذات يوم، إلى بلدة دير شرقي، التابعة لمنطقة معرّة النعمان، لأزور ضريح الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وفي أثناء الزيارة، رُويت لي قصة عجيبة: أن أحد الرّعاة اشترى نعجة مباركة، وحلف أن يجعل حليبها وقفاً لروح عمر، فكانت تلك النعجة تأكل أقل بكثير مما تأكلها النعجات الأخريات، وتحلب أضعافَ ما يحلبن.
نقرأ، في التاريخ الحديث، حكاياتٍ أكثر قرباً من عقولنا، تدلّ على ذكاء الشخصيات الفنية، وسرعة بديهيّتها. فمما هو معلوم، أن الزعيم الوطني السوري، فخري البارودي، كان مناضلاً قومياً، وفناناً موسيقياً، وشاعراً، وهو الذي كتب الأغنية "ع الغوطة يللا نروّح عالغوطة" التي غنّاها معن دندشي، ونشيد "بلاد العرب أوطاني" الذي لحنه الأخَوَان فليفل، ويحكى أنه التقى، قبل ذلك، بموسيقار الأجيال، محمد عبد الوهاب، وعرض عليه النشيد ليلحنه، فتوقف الأستاذ عند كلمتي "بَغْدَانِ"، و"تَطْوَانِ"، فأوضح له البارودي أن بغدان هي بغداد نفسها، ومدينة تطوان تقع في أقصى الوطن العربي، المغرب، فضحك، وقال: الله، يعني أنا حَ صيرْ ملحّن جغرافي؟
ربما كان المرح سمة غالبة على معظم مشاهير الفن في مصر، ومما يُروى، في كواليس أغنية "عدوية" التي كتبها عبد الرحمن الأبنودي ولحنها بليغ حمدي، أن محمّد رشدي اعترض على غنائها في البداية، لأنه تعرّض قبل مدّة لحادث أدّى إلى كسر في رِجله، فقال له الأبنودي: بتقول إيه؟ هو أنت حَ تغنّي برجلك؟
وبالمناسبة؛ كان الأبنودي أميلَ إلى تقديم أشعاره بصوت رشدي، لأنه، مثله، قادم من بيئة فلاحية، فلو عُرضت قصيدة عدوية على مطرب كعبد الحليم، أو مطربة مثل نجاة أو ليلى مراد، سيكون صعباً الاحتفاظ بقوله (في إيدي المزامير، وبقلبي المسامير)، أو الإبقاء على كلمة "البَصَّة"، بمعنى النظرة، كما هي في قوله: مين كان يقول البَصَّة دي تصطاد صيّاد؟
في مطلع القرن السابق، لمع نجم سيد درويش، وبدأ صنّاع الفن يبحثون عنه، وبحسب ما يروي نجيب الريحاني في مذكّراته، أن أحد متعهدي الحفلات ذهب إلى الشيخ سيد ليتفق معه على إقامة حفل، فلما رآه استغرب من كون جسمه كبيراً، فقال له: لما سمعت أسطواناتك كنت فاكر جسمك صغير. فقال سيّد: الله. يعني إنتوا بتاخدوا المطربين بالكيلو؟