من طرائف النظام السوري
يمكن اعتبار نظام الأسد من أكثر أنظمة العالم انسجاماً مع نفسه، وإيماناً بمقدرته على الاستجابة لمتطلّبات الشعب السوري، ومراعاة التطورات والمتغيرات على الساحة الدولية. وهذا، على ما يبدو، سرّ بقائه، وتطوّره، ومقدرته على التوريث؛ بدليل الأخبار التي تؤكّد أن عملية توريث حافظ بن بشّار قد بدأت. الأدلة على قابلية النظام للاستمرار أكثر من أن تُحصى، ففي مطلع سنة 2011، حينما كانت شوارع الدول العربية، تونس وليبيا ومصر واليمن، تمتلئ بالمتظاهرين رافعي شعارات الحرّية والديمقراطية، وقف بشار الأسد وقفتَه الشهيرة، وصرح إن شعبنا السوري غير مهيأ للديمقراطية، فلعله كان يخجل من التصريح إن النظام الذي أسّسه والده، وأورثه إياه، كان يرى أن الديمقراطية ليست مناسبةً لهذا القطر العربي الصامد المعطاء، فمسح بها الأرض، ونكّل بسنسفيل بمن يأتي بسيرتها على لسانه .. وحينما انتفض قسم كبير من الشعب السوري (غير المهيأ للديمقراطية، بحسب رأيه)، لم ينكر بشّار ذلك، بل قال إنه سيعالج هذا الأمر على عدّة صعد: الأول محاربة الإرهاب، والثاني تطبيق القوانين على مَن تسوّل له نفسه المساس بكرامة الشعب، والثالث الإعلان عن "رزمة" من الإصلاحات التي ستأخذ سورية إلى وضع ديمقراطي، وصفه وزيرُ خارجيته، وليد المعلم، بأنه غير مسبوق .. وعندما كتب أحد المعارضين، على "فيسبوك" إن كلمة "مسبوق"، في لغة أهل حلب، تعني الشخص الحاقن، المزنوق الذي يوشك أن يفعلها في ثيابه، خرج إعلاميون مناصرون للأسد، وقالوا: عظيم، هذا يعني أن رئيسنا مرتاحٌ نفسياً، بإمكانه أن يخطّط للمستقبل، ويقود عملية التغيير بنفسه، لأنه غير مسبوق، والمثل العربي القديم يقول: لا رأي لحاقن.
ومعلومٌ أن استجابة نظام الأسد للمتغيّرات وعمله الدؤوب في سبيل تأهيل الشعب للديمقراطية لم يتوقفا، فقد ألغى قانون الطوارئ، باعتبار أنه أصبح دقّة قديمة، وأوجد مكانه قانون محاكمة الإرهاب، وعدّل إحدى مواد قانون العقوبات، فصار الوضع أكثر شدّة وصرامةً من أيام الطوارئ، وصارت الحالة الديمقراطية غير المسبوقة أقوى من ذي قبل بكثير. وصار لدينا، منذئذ، وضع جديد، يتلخّص في أننا نمتلك الحقّ في انتقاد ديمقراطيات الآخرين، نقداً بنّاء بالطبع، فالأسد ووزيرُ إعلامه، ووزيرُ خارجيته انتقدوا، أكثر من مرّة، الحكومة التركية الحالية، عندما كانت تمرّ باستحقاق انتخابي، ويصفها بأنها غير ديمقراطية. وانتقد بشار، كذلك، الدول الأوروبية، لأنها لم تُحسن معاملة اللاجئين السوريين. وأوضح أن هؤلاء السوريين الطيبين المساكين لم يغادروا البلاد من تلقاء أنفسهم، بل هجّرتهم العصابات الإجرامية المسلحة التي كانت تلقي عليهم البراميل من الطائرات، وتقصفهم بالطيران الحربي. ومع ذلك، لم تتمكّن من تهجيره هو، ولذلك على الحكومات الأوروبية أن تطبّق عليهم قوانينها الديمقراطية العريقة، وتؤمّن لهم متطلباتهم التي عجز نظامه عن تأمينها، بسبب العصابات طبعاً. وفي مؤتمر القمّة العربية أخيرا، أشار بشّار الأسد إلى أن هناك دولاً تعادي الديمقراطية الحقّة بشكل عام. ولذلك أظهرت العداء لنظامه الذي تدمقرط خلال العقد الأخير، ولا أدلّ على عدوانيتها من أنها تطالب بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مع أن بشّار شخصياً، صرح أخيراً إن الهدف الأساسي للحكومة السورية اليوم إعادة اللاجئين. ولكن؛ إذا كانت هذه الدول جادّة في مطالبتها فَلْـ (تَتَحَكْوَكْ)، أي تفتح الكيس، وتدفع للدولة الديمقراطية السورية مالاً، ليؤمّن لهم بيوتاً، ومرافق عامة، أم تريدوننا أن نأتي بهم، ونُجلسهم في العراء، بين السماء والطارق؟
مناسبة هذه الكتابة بيان وزارة الخارجية السورية، أخيرا، أن سورية تابعت، بقلق بالغ، جريمة قتل الشاب نائل، في إحدى ضواحي باريس، بدم بارد، ومتعمّد من الشرطة الفرنسية، الأمر الذي دفع الملايين إلى التظاهر، احتجاجاً على هذا التصرّف الأرعن، ممن يُفترض بهم الحفاظ على أمن الناس وحياتهم!