من يوميات العم أبي سالم
غضب أبو سالم، وهو يرى العلامات المتدنية المسجّلة في صحيفة ابنه نادر، الذي في الصف الخامس، وبالأخص مادة التعبير. سأله عن السبب. نادر: يا أبي، الأسئلة، في هذه السنة، كانت صعبة للغاية. خرج أبو سالم من البيت منزعجاً. التقى صديقه أبا فريد، سأله عن علامات ابنه أيمن الذي في الصف نفسه، فقال إنها ممتازة، وقد نال علامة كاملة في مادة التعبير. رجع إلى البيت، قال لنادر: تعال إلى هنا. أريدك أن تجيبني عن سؤال واحد: طالما أن الأسئلة صعبة، كيف نال زميلك أيمن علامات تامة؟ نادر: بصراحة أبي؟ معلم الصف يكرهني، ويُنقص من علاماتي التي أستحقها. وأنت السبب! دهش أبو سالم مرّة أخرى: أنا السبب؟ كيف؟ نادر: المعلم من الحارة الشرقية، وهؤلاء لا يحبوننا نحن أهل الحارة الغربية، فلو أنك في الأساس أسكنتنا في حارة أخرى لما تحاملَ عليّ. صح؟
أدار أبو سالم وجهه، لأنه ما عاد قادراً على تحمل المنطق التبريري السخيف. في هذه الأثناء، دخل ابنه الأكبر سالم الذي يلعب في فريق المحافظة لكرة القدم، مكفهر الوجه. سأله عن السبب. سالم: خسرنا مع الفريق صاد بنتيجة "صفر اثنين". أبو سالم: لماذا خسرتم؟ ألستم أحد عشر لاعباً مثلهم؟ سالم: بلى، يا أبي، ولكن المطر هو سبب خسارتنا، تصوّر، طوال الشوطين لم يتوقف المطر عن الهطول، وأرض الملعب تحولت إلى طين. أبو سالم: وهل سمح الحكم لعناصر الفريق صاد بأن يحملوا شماسي في أثناء اللعب؟ أم نقلهم إلى ملعب أرضيته ناشفة؟ زعل سالم، وطلب من والده أن يكفّ عن السخرية: والله يا أبي، نحن ظُلمنا، والحكم نفسه كان متعاطفاً مع الفريق صاد، بل منحازاً لهم. أبو سالم: كيف تعاطف معهم؟ هل ألغى لكم أهدافاً من دون وجه حق؟ سالم: بصراحة أبي؟ نحن لم نتمكّن من إحراز أي هدف، فعناصر صاد تكتلوا في منطقة الجزاء، وحارسهم صدّ كراتنا كلها. أبو سالم: لماذا لم تتكتلوا أنتم في منطقة الدفاع لتمنعوهم من التسجيل؟ سالم: أنت وضعتَ يدك على السبب الحقيقي لما حصل. نحن، يا أبي، لسنا جبناء ولا تافهين حتى نتكتل في منطقتنا، ونترك حارس مرماهم يتفرّج على المباراة كأنه من الجمهور، كنا نحن نهاجم باستمرار، وهم سجّلوا هدفين من هجمتين مرتدتين.
رنّ هاتف أبي سالم. نظر إلى الشاشة، رأى رقم ابنته خديجة اللاجئة في السويد منذ سنتين. استبشر، فتح الخط، ولكنه فوجئ بصوت ولاويلها، بضع ثوانٍ وانقطع الاتصال. كاد قلب أبي سالم أن يقع على الأرض. سرح به تفكيرُه إلى أن زوجها أو أحد أبنائها ربما تعرّض لحادث سيارة ومات. ففي الدول الأوروبية لا يمكن أن يموت أحد بإطلاق نار على مظاهرة، أو تحت التعذيب، أو بمفخّخة، أو بخطأ طبي في مشفى عام. عاودت خديجة الاتصال، قبل أن تقول شيئاً طلب منها أن تتوقّف عن النواح، وتتحدّث بهدوء، حتى يتمكّن من فهم القصة. قالت له: حاضر. وأعلمته أن دائرة "السوسيال" أخذت ابنها سمير. سألها عن السبب، فقالت: الله يغضب عليه هو السبب. تصوّر أبي، كذب على معلم المدرسة، وقال له إن أباه يضربه، والمعلم أبلغ الإدارة، والإدارة أخبرت "السوسيال"، وقبل قليل جاءوا وأخذوه من بين أيدينا. أبو حازم: سمير كذب؟ يعني زوجك المحترم لم يضربه؟ زوجك المحترم معتاد أن يضرب أولاده من قبل أن تهاجروا، حتى إنه كان يضربك أنت. خديجة: والله العظيم، يا أبي، تحسنت أخلاق زوجي. ما عاد يضرب الأولاد. ثم أنت ما بك يا أبي؟ ألا تتابع الأخبار؟ الدولة السويدية تمارس علينا عنصرية لأننا..
لم يستمع أبو سالم لبقية كلامها. أغلق الخط. وزفر زفرة تحرق بيدراً.