11 نوفمبر 2024
موجز عن بشّار إبراهيم
هنا، في هذا المطرح من زوايا "العربي الجديد"، جئتُ على اسم بشّار إبراهيم في غير مقالةٍ، ليس لأنه صديقٌ عزيز، فالأعزّاء من أصدقائي كثيرون، وإنما لأنه ليس في وسعك أن تكتب في موضوعٍ في السينما أو الدراما، ولبشّار رأيٌ بشأنه، من دون أن تستأنس بهذا الرأي، فبشّار من أصحاب الكار العليمين، ومن أهل هذه الصنعة التي إذا ما دسّ صاحب هذه الكلمات أنفه فيها، فإنه يُؤثر أن يتسلح برأي واحدٍ من العارفين الثقاة، وبشّار إبراهيم جدّي ومجدّ، متابعٌ ومثابرٌ، كاتبٌ ودارسٌ وباحث، قارئٌ ومشاهد. وإلى هذا كله، منصفٌ وأخلاقيٌّ، وصريحٌ بأدب وفير، فمن لي، إذن، أنسبُ منه إذا ما فعلتُها، ومررت، ذات مقالةٍ على فيلم سينمائي أو عمل درامي هنا أو هناك، بل وحتى على برنامج تلفزيوني، وكان لصديقي بشّار قولٌ فيه، وهو صاحب انتباهات ذكية، في كتاباته وتعليقاته الصحافية النشطة.
... ولكن، كانت آخر مرة، عبر اسم بشّار إبراهيم، هنا في هذا المطرح، لمّا خصّصتُ واحدةً من زواياي لتعليقٍ على "يوميات المستشفى" التي كان صديقنا المشترك الراحل، جهاد هديب، قد كتبها في غضون محنة مرضه وتلقيه العلاج، ونُشرت في "ضفة ثالثة". كتبتُ أن بشّار أصاب في تدوينته عنها إنها نصوصٌ "تحكي يوميات المرض بلغة الشاعر في قوّته، والإنسان في ضعفه، والمريض في أمله"، وإنها "ينبغي أن تُقرأ وتناقش.. ويُبنى عليها". استحسنتُ كثيرا إشارات بشّار هذه، احتفيتُ بها، قرّظتها. لا أدري إن كنت، في دواخلي، خائفا على بشّار، وأنا أفعل هذا، أم أن المسألة لا تعدو "حركشةً" محبّةً من صديقٍ بصديقٍ عن صديقٍ. .. تُراني، كنت أكتم تعاطفا مع بشّار، أو أخفي ارتجافةً فيّ بشأنه؟.. لا أدري.
توفّي جهاد هديب، قبل نحو عام ونصف العام في عمّان، بعد شهور من علاج قاسٍ من سرطان الحنجرة. وتوفي، أمس الخميس، بشّار إبراهيم، في دبي، بعد شفاءٍ ظننتُه تاماً من سرطان الحنجرة الذي ضربه قبل نحو أزيدَ من عام. جاءه الموت من جلطةٍ على صلةٍ بهذا المرض المقيت. سألتُه غير مرةٍ عن صحته، كان يطمئنني، لكن حضوره اليومي المرح والموفور العافية والتألق في "فيسبوك" كان يطمئنني أكثر.. يعلق على أفلامٍ ومهرجاناتٍ وبرامج تلفزيون، ويكتب عن أصدقاء بمحبّة، وعن كل شيء... أمرّ عليه ويمرّ علي في الفضاء الأزرق، أجدني مسرورا به، بانتشائه بالحياة، بالاندفاعة القويّة فيه نحوها. نسيت أنه كان مريضا، أو أنه ربما ما زال، فلا إيحاء بذلك، حتى باغتنا الأصدقاء بنعيِه، بفقده، بالخسارة المهولة التي صرنا فيها، وقد أصبحنا من دون بشّار. وقناعتي أن الحياة لا تستقيم من دون أصدقاء جميلين، وبشّار أحدهم. .. على الرغم من ظروفٍ غير طيبة تماما كان يغالبها، وهو الفلسطيني السوري (والعكس صحيح)، إلا أنه ظلّ دائم الابتسام، والحضور اللطيف.
ليس حديثي هنا عن صديقٍ شخصيٍّ فحسب، وإنما عن واحدٍ من أهم من كتبوا عن السينما الفلسطينية، وأظنه الباحث الأنشط فيها بين جيله (1962)، كما أنه من أبرز الذين أنجزوا تأريخا وتوثيقا مهمين لها وللسينما السورية. ولأن أهل مكّة أدرى بشعابها، ففي وسع أصدقائنا، من نقاد السينما في الصحافة الثقافية العربية، أن يفصّلوا في هذا الأمر. ومن كثيرٍ مما قرأته في دراساته ومقالاته، وفي بعض كتبه، أزعم أن بشّار إبراهيم صاحب إسهامٍ طيب في درس السينما الفلسطينية، وهو الذي أنجز بيبلوغرافيا جيدة، تشتمل على بطاقاتٍ فنيةٍ للأفلام الفلسطينية ومخرجيها، وله كتابٌ عن المخيم في السينما الفلسطينية، وآخر عن علامات بارزة فيها، وثالثٌ تناول الانتفاضات الفلسطينية في السينما، وكتاب رابع عن فلسطين في السينما العربية، فضلا عن كتبٍ أخرى في السينما السورية والعربية، وله مجموعات شعرية وكتب في الرواية أيضا.
كنّا نذهب إلى مهرجاني دبي وأبوظبي السينمائيين، وتزداد غبطتنا بملاقاة بشّار الذي حظيت أيضا بأننا كنّا معا في مهرجان وهران مرّة.. ما من فيلمٍ كنت أتباهى بمشاهدتي له إلا ويبسط تحليلا عنه قدّامي. الخسارة ثقيلةٌ للسينما الفلسطينية والسورية والعربية، من لها مثل بشّار بعده.. أعزّي أصدقاءنا، زياد وناجح وإبراهيم ونديم وعلا وعلي مثلا. أعزّي أسرته. أعزّيني، عساي أتعافى من حجر ثقيلٍ ضربني، لما صادفت نعي بشّار إبراهيم.