موقعة ذات الفيسبوك
بعد توقفها أزيد من ست ساعات ليل الاثنين الماضي، عادت مواقع فيسبوك وإنستغرام وواتساب إلى العمل، فعادت معها الروح لمستخدميها البالغ عددهم 3.5 مليارات. لا أحد حتى اللحظة يعرف ما حدث بالضبط، فمنذ الدقائق الأولى لتوقف أشهر منصّات التواصل الاجتماعي بهذا الحجم غير المسبوق تاريخياً، راجت شائعاتٌ وأخبارٌ كثيرة تتعلّق بأسباب التوقف.
في سياق تلك الشائعات، ظهرت أسباب كثيرة جداً لتوقف تلك المنصّات المفاجئ عن العمل، فتارة ينسب الأمر إلى طفل صيني لم يتجاوز عمره الثالثة عشرة، شنّ غارة إلكترونية على مواقع الشركة التي تضمّ كل هذه المنصّات، فسيطر عليها بعد أن عطّلها عن العمل تماماً، وتارة أخرى يُعزى الأمر إلى قدراتٍ استخباراتيةٍ عالمية، كان من مصلحتها تعطيل العالم كله ساعات، بل هناك من توقّع أن إدارة الشركة نفسها هي المسؤولة عن هذا العطل الضخم، للتغطية على اتهاماتٍ لها تتعلق بطبيعة عملها، بعد تصريحاتٍ خطيرةٍ أدلت بها موظفة مستقيلة من منصّة فيسبوك، تتعلق بطبيعة عمل تلك المنصّة، حيث رأت أنها تشجع على الكراهية، وأنها فشلت في حماية المستخدمين، مفضّلة جني مزيدٍ من الأرباح الخيالية على حساب مسؤوليتها الاجتماعية والأخلاقية.
قال بيان شركة فيسبوك الذي أصدرته ردّاً على تلك الشائعات الكثيرة ليلة التعطّل الكبير إن "خللاً تقنياً داخلياً سبّب تعطيل عمل المنصّة"، وأنه "لا يوجد دليل على اختراق بيانات المستخدمين بسبب العطل التقني". وهذا يعني أننا ما زلنا أمام لغزٍ كبيرٍ تشظّى في أكثر من ناحية، لا لتفسير ما حدث وحسب، ولكن أيضاً لتفسير نتائج ما حدث على الاقتصاد العالمي كله وتداعياته، وقبلها على الحياة النفسية والاجتماعية لكل مستخدمي هذه المنصّات.
في تلك الليلة، كانت "تويتر" المنصّة الكبيرة الوحيدة التي نجت من الواقعة، فكانت بيئةً مثاليةً لرصد ردود أفعال الجميع.
لا أستخدم فيسبوك إلا نادراً جداً، ومثله أنستغرام. أما واتساب، فكثيرا ما فكّرت في إلغائه من حساباتي نهائياً، لولا حاجتي لاستخدامه في العمل. وبالتالي، لم تزعجني تلك الساعات الست التي صمتت فيها تلك التطبيقات كثيراً، وربما لم أكن لأكتشف ذلك العطل فيها، لولا الضجّة الكبرى التي أحدثها مستخدموها في تويتر. وهذا يعني أننا أسرى لاهتماماتنا، وبقدر حاجتنا إليها تتحدّد مساحة الأسر التي نخضع له بسببها. كذلك يعني أن تلك المنصّات وغيرها أصبحت لمستخدميها حاجةً حقيقية، وليست مجرد إدمان سلوكي، فأعمالٌ كثيرة تعتمد عليها اعتماداً كلياً، وهو ما لم نكن نتصوّره قبل عشرين عاماً مثلاً. ويعني أيضاً أن العودة إلى الوراء مستحيلة في بيئة الاكتشافات الإنسانية، حتى لو توهمنا ذلك، نتيجة استياء أو ضيق من تلك المكتشفات. والأهم من ذلك كله، أنه يعني أن العالم لم يعد قرية صغيرة كما وُصف في بدايات ظاهرة العولمة، بل أصبح كائناً حيّاً يتنفس من أنف واحد، ومن السهل، نظرياً على الأقل، قطع الهواء عنه جماعياً في اللحظة الحاسمة.
موقعة ذات الفيسبوك التي خرج الجميع منها بعد ساعات قليلة منهك القوى، حتى وهو مجرّد مراقب للحدث بلا حول ولا قوة، تُثبت، مرة أخرى، كم أن الإنسان ضعيف جداً في معادلة الحسابات الكونية، وكم أنه قوي جداً في فهم السر الإلهي لخلقه على هذه الأرض.
في خضمّ ما حدث، قال فيسبوك على تويتر في تغريدة له: "نحن نعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن". وعلينا نحن جمهور كل هذه التطبيقات أن نفهم أي طبيعةٍ ممكنةٍ علينا أن نعيد إليها أمورنا!