ميرفت أمين وذنب الشيخوخة الذي لا يغتفر
عندما غنّى لها عبد الحليم حافظ، في فيلم "أبي فوق الشجرة" في نهاية الستينيات، أغنية "يا خليّ القلب" (لحن محمد عبد الوهاب)، اكتسحت الممثلة ميرفت أمين العالم العربي رمزاً للجمال والأنوثة والرقة والعذوبة. علق الشبان آنذاك صورها على جدران حجراتهم، واعتبرتها الفتيات نموذجاً ومبعثاً للغيرة والحسد. وخشيت من ظهورها ممثلات مكرّسات، رأين فيها منافسةً تشكّل خطراً على شعبيتهن، وتلقفتها شركات الإنتاج نجمة شباكٍ محبوبة. شاركت كبار نجوم مصر بطولة أفلام حقّقت نجاحاً كبيراً، واستضافتها المحطات التلفزيونية وجهاً سينمائياً صاعداً أثبت حضوره في زمن قياسي.
اشتغلت ميرفت أمين على فنها وحضورها بدأب وروية، ففرضت نفسها ممثلة جادّة متمكّنة من أدواتها، ولا سيما في فيلم "ثرثرة فوق النيل" (1971) عن رواية نجيب محفوظ، بجانب عمالقة السينما المصرية آنذاك، مثل عماد حمدي، عادل أدهم، سهير رمزي وغيرهم. لعبت ميرفت فيه، باقتدار كبير دور شابة تائهة عبثية حزينة مصابة بخيبة الأمل. وفي فيلم "زوجة رجل مهم" (1988)، مع أحمد زكي، أبدعت في تأدية دور المرأة المقهورة المقموعة من زوج سلطوي سادي، وعبّرت ببراعة عن معاناة المرأة في مجتمع ذكوري متسلط. وشاركت أيضاً في مسلسلات تلفزيونية عديدة، منها: "لا تطفئ الشمس"، "أحزان مريم".
عُرفت ميرفت أمين في الوسط الفني بطيبتها ومحبّتها الجميع وانضباطها واحترامها نفسها وتصالحها مع حقيقة مرور الزمن، وذلك من خلال اختيارها الذكي لأدوار تناسب مراحل عمرها، من دون ابتذال أو تصابٍ أو خفةٍ لا تليق بمكانتها ممثلة ذات خبرة طويلة ومنجز كبير. ولأنها سيدة راقية لبقة تفهم في الأصول، فهي حريصة على مشاركة زملائها وأصدقائها مناسباتهم السعيدة والحزينة.
أثار نشر صورة ميرفت أمين، أخيراً، بوجه حزين متعب، خال من المساحيق، في عزاء صديقها المخرج علي عبد الخالق، موجة عريضةً من التعليقات السخيفة التي تعبّر عن شماتةٍ وتشفٍّ بجمالٍ يعتقدون أنه ذوى وتلاشى، وكأن أصحاب تلك التعليقات المشينة محصّنون من التقدّم في السن، وكأن وصول النجمة المصرية إلى عمر الـ74 عاماً سبّة وعار وذنب غير مغفور، وليس مجرّد استجابة لشرط الطبيعة الذي يحكُم الكائنات الحية جمعاء. وللأسف، هذه النظرة الدونية القاسية القاصرة إلى مرحلة الشيخوخة من علامات فارقة لمجتمعاتنا الذكورية الغارقة في السطحية المنساقة وراء المظاهر الكاذبة، والتي لا ترى في المرأة سوى شكل جميل تنتهي صلاحيته للحياة، ويفقد أهليته للعطاء والمشاركة والإنجاز، حال تجاوزها سنّ الأربعين، ما يؤكّد ضحالة هؤلاء وقصر نظرهم. وقد سبق لهم إبداء العداء والكراهية لنوال السعداوي، مطلقين عليها لقب العجوز القبيحة الشمطاء، ولم يُخف أولئك شماتتهم وتشفّيهم بها حين توفيت. ولم تنج الكاتبة الأردنية، زليخة أبو ريشة، في مناسبات عديدة، من شتائم صفيقة مؤسفة شاركت فيها نساء! تركّزت على عمرها حصراً.
هذا سلوكٌ قلما يحدُث في مواجهة رجال بلغوا من العمر عتيّا، إذ يبدي المجموع تسامحاً أكثر مع الكهول المهيوبين! لا أحد يعيّرهم بذلك مهما اختلفوا معهم، ما يؤكد عدائية هذه المجتمعات المتأصلة للمرأة في جميع حالاتها. تشتد مظاهر العدائية لكبيرات السن على وجه الخصوص. وما نُشر من ردود أفعال مريضة تجاه صورة ميرفت أمين أخيراً دليل واضح على قلة فهم كثيرين وانعدام حساسيتهم، وهم ممن شربوا من ينبوع الشباب الدائم كما يبدو! وسمحوا لأنفسهم بالسخرية الفجّة والشماتة القبيحة من نساء حققن الشهرة والنجاح، وما زلن، رغم ذلك كله، حاضرات على قيد الحب والعطاء، عاشقات للحياة منخرطات فيها، متجاوزات أحكاماً سطحية، لن تنال من منجزهن وحضورهن المؤثر الراسخ، ولو كره الكارهون.