ميلوني الوجه الآخر لقيس سعيّد
أدّت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، في 6 يونيو/ حزيران الجاري، زيارة إلى تونس، تلبية لدعوة الرئيس التونسي قيس سعيّد. كانت زيارة خاطفة مهدت لها اتصالات سابقة بين مسؤولي البلدين ولقاءات مع وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي في مارس/ آذار الماضي، كانت أهم محاورها تعزيز التعاون في عدة ملفّات ذات بعد أمني ومكافحة الهجرة غير النظامية.
كان اللقاء تتويجا للمحادثات السابقة المتعلقة بتأمين الحدود البحرية الأوروبية، وإيقاف نزيف قوارب المهاجرين في مقابل حملة الدعم التي تقوم بها إيطاليا لصالح تونس داخل الفضاء الغربي، بغية حصولها على الموارد المالية الضرورية في شكل القروض والمساعدات، لتحقيق موازناتها المالية وتسديد ديونها والحفاظ على استقرارها السياسي، الذي تعدّه حكومة روما اليمينية المتطرّفة مسألة حيوية لتنفيذ وعودها الانتخابية حيال ملفّ الهجرة. وفي هذا السياق، تتنزّل مبادرة قيس سعيّد لعقد مؤتمر رفيع المستوى لدول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء ودول شمال البحر الأبيض المتوسط لمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية، المرجّح أن تكون إحدى أهم أوراق سعيّد في طاولة الحوار والتعاون الايطالي.
رحّب الرئيس التونسي بضيفته الإيطالية قائلا: "يُسعدني أن أتحدّث إليكم عن مشكلاتنا. أقولها بصوت عالٍ، إنك امرأة تقول بصوت عال ما يفكّر فيه الآخرون في صمت". وفي هذا الترحيب الخاص، عبّر سعيد عن حجم تقديره وإعجابه بميلوني وأفكارها، كما لم يعبّر من قبل لمسؤول غيرها، لِم لا وقد وجد منها الدفاع الشرس عن نظامه الفاشي المهدّد بعودة الإسلام المتطرّف إلى الحكم حسب زعمها، ما جعلها تؤكّد في حوار تلفزي قبل يوم من زيارتها قيس سعيّد إن "تونس في وضعية دقيقة للغاية، فهي تخاطر بالتخلّف عن السداد المالي، "إذا سقطت الحكومة التونسية، يمكن أن نعيش سيناريو مقلقا نعمل على تجنبه..".
أصدرت 24 منظمة حقوقية في تونس وإيطاليا بياناً ندّد بزيارة ميلوني، كما استنكر "التقارب الأيديولوجي بين الحكومتين التونسية والإيطالية الذي يتسم بالتصريحات العنصرية والمعادية للأجانب"
لن يجد رئيس تونس أفضل من ميلوني لتبييض جرائمه السياسية والتجنّد للضغط الدولي لتسهيل شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي يعتبر التزام السلطة التونسية ببعض الإصلاحات شرطا لإقراضها، في حين يرفضها سعيّد ويضعها في خانة الإملاءات غير المتطابقة مع واقع الحال، والالتزام بها منذر بتفجرات اجتماعية، على غرار ما حدث في ثورة الخبز سنة 1984.
إصرار الرئيس التونسي على رفض الإصلاحات المطلوبة، واعتبارها تدخّلا في الشأن الداخلي، ووصفة طبية مسقطة من دون تشخيص دقيق، في غياب خططٍ مالية بديلة تلبي حاجيات الموازنة المالية الموضوعة من حكومة الرئيس والمقدّرة بأكثر من 23 مليار دينار ( 7.6 مليارات دولار)، يصعّب هذا كله مهمة جورجيا ميلوني التي تسعى إلى إنقاذ تونس من شبح الإفلاس وأخطاره الاجتماعية، لما يسبّبه ذلك من ارتباكات أمنية وخلط أوراق سياسية وتوسّع لتدفقات الهجرة على بلادها وأوروبا عموما.
ورغم فشل جزء من أهداف الزيارة أو تعثر الاتفاق بين الطرفين بشأن مفاوضات صندوق النقد الدولي، يجد التقارب بين هذه اليمينية المتطرّفة التي تجد أصولها في موسوليني، والتي تنبأ محللون غربيون أن تكون حصان طروادة الذي يهدم الاتحاد الأوروبي من داخله، صاحبة التصريحات العنصرية تجاه العرب والمسلمين، وشعبوي متطرّف كان سكّينا في خصر الديمقراطية التونسية وانتكاسة لتجربة استثنائية كادت أن تجعل من بعض شعوب جنوب المتوسط أصحاب حقوق مواطنيه وواجباتهم كغيرهم من بني جنسهم في الشمال، يجد مسوّغاته ومسبّباته، وأهمها الاشتراك في العنصرية تجاه المهاجرين وانتهاك حقوق الإنسان والكرامة البشرية.
لن يجد رئيس تونس أفضل من ميلوني لتبييض جرائمه السياسية
هذا ما جعل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبحضور نشطاء وحقوقيين وعائلات لمحتجزين في سجون إيطاليا، ينظمون وقفة احتجاجية رفضا لهذه الزيارة تحت عنوان "جورجيا ميلوني غير مرحّب بها في تونس". ونشرت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في صفحتها الرسمية في "فيسيوك": "ميلوني العنصرية، أنت شخص غير مرغوب به في تونس، أنت مسؤولة عن قتل وتعذيب المهاجرين التونسيين في السجون الإيطالية. وجودك في تونس إهانة لنا ولذاكرة الضحايا". وأصدرت 24 منظمة حقوقية في تونس وإيطاليا بياناً مشتركاً، ندّدت فيه بزيارة ميلوني، كما استنكرت "التقارب الأيديولوجي بين الحكومتين التونسية والإيطالية الذي يتسم بالتصريحات العنصرية والمعادية للأجانب". واعتبرت أن السياسات التي تتبعها تونس وإيطاليا تسبّبت بفقدان آلاف الأشخاص، التونسيين والأجانب، حياتهم، مذكّرة بأن "سياسات التعاون والجوار يجب أن تعزّز مصالح الشعب التونسي، ويجب على الحكومة التونسية الامتناع عن لعب دور الشرطي المتوسطي".
ووجد هذا التقارب صداه في إيطاليا أيضا من خلال تغريدة الرئيسة السابقة للبرلمان الإيطالي لاورا بولدريني، في حسابها في "تويتر"، عن النائب البرلماني بيبي بوفينزانو، ممثل الحزب الديمقراطي الذي قال: التعاطف مع مستبد لا يساعد تونس، سعيّد حلّ البرلمان وسجن الصحافيين وقيادات المعارضة"... من بين الخيارات التي يمكن أن تساعد تونس على الخروج من أزمتها استئنافها العودة إلى المسار الديمقراطي، وإذا تجاهلت ميلوني هذا فهي لا تكرّم إيطاليا.