نتنياهو والزملاء: محور الشرّ وأهله
وصل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن ممتلئاً بالثقة، التي تصل إلى الغرور، بأنّه صار مُتحكّماً في مفاصل السياسة الأميركية، بالقدر ذاته الذي صار معه مُتحكّماً في إيقاع الأحداث في الشرق الأوسط.
مجرم الحرب، الذي قتل نحو أربعين ألف فلسطيني في عشرة أشهر فقط، يوزّع الجوائز وشهادات الصلاحية على المتنافسيَن في سباق الانتخابات الأميركية، وهو مدركٌ أنّ كلّاً منهما يحتاج دعمه ودعم الكيان الصهيوني، كما يعرف جيدّاً أنّ في وسعه أن يفعل ما يشاء في المنطقة من دون أن يتصدّى له أحد، وهو ما تجسّده تلك اللغة الواثقة التي يتحدّث بها، إذ يسلك وكأنّه قائد المعركة ضدّ محور الشرّ في الشرق الأوسط، مُلوّحاً أنّ حُكّام المنطقة يشاركونه الأهداف ذاتها.
محور الشرّ عند نتنياهو وواشنطن واحد، وهو إيران، وما يسمّيه "الإسلام السياسي" مُجسَّداً في حركات المقاومة العربية في غزّة ولبنان واليمن، وهو المعادل الصهيونية لمفهوم "أهل الشرّ"، الذي تستخدمه الحكومات العربية المعادية للتغيير والثورات، وتُطلقه على وجوه الإسلام السياسي كلّها، وتعتبرها العدو والخطر الداهم. وهنا، تلتقي أهداف (ومصالح) دول الاستبداد العربي ومثيلتها عند الاحتلال الصهيوني، فيتكوّن تيّار التطبيع الذي يناصب عملية طوفان الأقصى العداء.
يذهب نتنياهو إلى واشنطن بعد سويّعات من إطاحة جو بايدن خارج حلبة المنافسة، ليخطب في المعسكرَين الأميركيَين، ليصبح أول سياسي من خارج الولايات المتّحدة يُلقي كلمةً أمام اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشيوخ أربع مرّات، متفوّقاً بذلك على زعيم بريطانيا التاريخي ونستون تشرتشل، الذي خاطب الكونغرس ثلاث مرّات.
تُضاعف هذه الوضعية شعور نتنياهو بالثقة، وتُفاقم غروره المتضخّم أصلًا، ولمِ لا وقد صار كلّ شيء متوقّفاً على رغبته، وخصوصاً فيما يرتبط بالصفقة أو الهدنة، التي تسعى إليها واشنطن والوسطاء، إذ يقرّر، كيفما ووقتما شاء، وقف التفاوض واستئنافه، تسريعه وإبطائه، ويُعلن وحده مواقيت نضوج الصفقة وحدودها ومُحدّداتها، من دون أن يتوقّف عن الإعلان أنّ شركاءه العرب يشاطرونه الغاية ذاتها، وهي إنهاء وجود المقاومة في غزّة.
يوقن نتنياهو منذ سنوات عديدة أنّه في مأمنٍ من أيّ ضغوط أو مضايقات دبلوماسية عربية، إن أمام الإدارة الأميركية أو أمام الهيئات الأممية، وخصوصاً من العواصم العربية المُرتبطة معه بمصالح اقتصادية لا تستطيع الاستغناء عنها، كما في حالتي مصر والأردن، وتلك التي بات التطبيع خيارها الاستراتيجي وقضيتها المركزية، كما مع الإمارات والبحرين والمغرب، مع الوضع في الاعتبار أنّ التطبيع السعودي الإسرائيلي كان قاب قوسين أو أدنى لولا أن جاء طوفان الأقصى فجمّد كلّ شيء.
يعرف نتنياهو كيف يداعب طموحات وأحلام شركائه من الحُكّام العرب، وخصوصاً مصر التي يحرص كلّ عام على حضور ذكرى ثورتها المُرتبطة في الوعي المصري بالاستقلال الوطني والتحرّر من الاستعمار، إذ في مدار سنوات لم يفوّت الفرصة لإلقاء كلمة في احتفال سفارة الحكومة المصرية في تلّ أبيب في ذكرى 23 يوليو/تموز 1952، ويُلحّ على استثمار المناسبة في دغدغة مشاعر الجنرال عبد الفتّاح السيسي، كما جرى في 2019 من داخل بيت السفير المصري في تلّ أبيب في 2019، حين أشاد نتنياهو بالعلاقة التي تربطه مع السيسي، واصفاً إيّاه بـ"صديقي وزميلي"، قائلاً: "تكافح دولتانا إلى جانب كثير من الدول الأخرى هذا التطرّف وهذا العنف والإرهاب، وأودّ الإشادة بصديقي وزميلي الرئيس السيسي على وقوفه الحازم أمام هذه الموجة من التطرّف والإرهاب". وأضاف وقتها: "خلال لقاءاتي بالرئيس السيسي أخذتُ انطباعاً رائعاً ليس عن زعامته فحسب، وإنّما عن ذكائه أيضاً، وقد حصلت منه على العديد من الأفكار المُفيدة بشأن نوع التحدّي الذي نواجهه، كما ناقشنا معاً طرق مواجهة تلك التحدّيات على أفضل نحو".
الأمر نفسه فعله نتنياهو في احتفالات السفارة المصرية في الأعوام التي كان فيها في رأس الحكومة الإسرائيلية، كما في 2009، ثمّ في 2016، حين شبك يديه في يدي السفير المصري في إسرائيل، علامة على الشراكة في "الحرب على الإرهاب"، ذلك الشعار الذي قضى على الحرّيات والحقوق السياسية كلّها في مصر، واستُخدِم بذكاء في محاربة صور المقاومة الوطنية الفلسطينية كلّها.