نجلاء فتحي... سلامات
وجهٌ طافحٌ بأنوثةٍ حانية، وموهبةٌ ظاهرة، كانت نجلاء فتحي عليهما، إبّان سنوات نجوميتها في السينما المصرية، في السبعينيات خصوصاً. وإذا كانت صورتها اقترنت بالرومانسيات والميلودراميات في عديدٍ من أفلامها، إلا أنها نجحت في تنويع حضورها، بأدائها، أحياناً، أدوار المرأة الشريرة والانتهازية. وبعد نحو عقدين من قلة أخبارها، بسبب شيء من العزلة اختارتها، وقد قالت، مرة، إن "مؤامرة" استهدفت مسلسلاً تلفزيونيا كانت البطلة الرئيسية فيه، فتوقف إنجازه. بعد هذا الغياب، يستجد ظهور قوي لاسم نجلاء فتحي (64 عاماً)، أخيراً، لا لاستعادة نفسها في عمل سينمائي، ولا لتصويرها مسلسلاً يعرض في رمضان المقبل، بل لتلقيها علاجاً مكلفاً في سويسرا، بعد إصابتها المزمنة بمرض الصدفية، من نوع شرسٍ، كما قرأنا. وهنا، دعوة إلى العلي القدير أن يُنعم عليها بالشفاء التام.
استحقت فاطمة الزهراء حسين أحمد، أي نجلاء فتحي، بإخلاصها في فنها، محبّة جمهورها العربي العريض. ولكن، لا يقلل من مكانتها ممثلةً موهوبةً أن تُرى أقلَّ كعباً من بعض نجمات السينما المصرية، من زميلات مرحلتها، وهي التي ظهرت على الشاشة أول مرة في 1966، بتشجيعٍ من عبد الحليم حافظ واكتشافه، غير أن بداية مشوارها الفني (عذراً للتقليدية المفرطة هنا) في 1968. وبعيداً عن أن الناس فيما يحبون مذاهب، وأن لكلٍّ حقه في موضعة نجلاء فتحي أينما شاء، ثمّة ما قد يُحسب إجماعاً، إلى حد ما، على أن شهرة نجمتنا في أدوار الحب والرومانسية حشرتها في صورةٍ قللت من إبراز إمكاناتها، عدا عن أن الأفلام التي شاركت فيها، وكانت لها قيمة جمالية متقدمة في السينما العربية، قليلة، ما قد يعني أن المخرجين والمنتجين آثروا نجلاء فتحي في البكائيات ومشاهد التفجع والتذكّر (مثلا فيلم اذكريني، عن رواية يوسف السباعي، 1978)، فكانت أفلاماً عابرة، لم تعلّم كثيراً، يكفيها موقعها في أرشيف السينما المصرية دلالةً على وفرة الإنتاج في هذه السينما التي كانت، في مرحلة معينة، من مصادر الدخل القومي لمصر.
لا مجازفة في الزعم أن الأدوار التي خرجت فيها نجلاء فتحي عن هذه الصورة كانت الأهم في التدليل على طاقتها فنانةً قديرة، فقد كان أداؤها استثنائياً في دور خادمةٍ، تغالب حياةً تعيسة، ووضعاً اجتماعياً بائساً، في (أحلام هند وكاميليا، 1988)، أحد أبدع الأفلام العربية، بأداء أحمد زكي وإخراج محمد خان. ولمجتهدٍ أن يرى أن أداءها أدوار حبٍّ في أفلام خرجت عن النمطية الحكائية إياها، جاء نابهاً، ومتميزاً أحياناً. ومبكراً لها دور لافت في ذلك، في فيلم لافت، (الظلال في الجانب الآخر، 1974)، مع محمود ياسين، وإخراج الفلسطيني، غالب شعث (ما أخباره؟)، ولا يغيب من الذاكرة فيلم (سونيا والمجنون، 1977)، مع محمود ياسين (طبعاً؟)، وإخراج حسام الدين مصطفى. وثمّة غير هذه الأعمال، أدرى بها زملاؤنا من أهل النقد السينمائي، كانت فيها نجلاء فتحي أكثر اقتداراً في تظهير موهبتها التي أرى أن الفرص التي أتيحت لتطويرها، واختبار ممكناتها، كانت قليلة، على الرغم من وفرة أفلامها التسعين التي أُنتج سبعون منها في السبعينيات.
مع كل الاحترام لمواهب ممثلاتٍ، ظهرن في نتاجات السينما المصرية في العقدين الماضيين، (بشرى ومنى زكي ومي عز الدين مثلاً)، يبدو أن كساد هذه السينما وتراجعها، صناعة وقيمة جمالية، سبب ظاهر في استعصاء بروز نجماتٍ قديرات، لكأنه إيقاعٌ ميتٌ راهنٌ يحول دون ذلك، على غير ما كان من ضجيج خاص في زمن سعاد حسني ونبيلة عبيد ونادية لطفي، ثم يسرا، وقبلهن فاتن حمامة، (أمثلة لا غير). .. هو دعاء موصولٌ بشفاء نجلاء فتحي، يسّر الإتيان، هنا، على هذا الأمر، وكيفما اتفق ربما.