15 نوفمبر 2024
نقطة نظام إلى زليخة
نشرت الكاتبة الأردنية، زليخة أبو ريشة، قبل عام ونصف، في زاويتها في الزميلة "الغد"، مقالةً طالبت بإصلاح آلافٍ من مراكز تحفيظ القرآن الكريم في الأردن، وبانتقال الإشراف عليها من وزارة الأوقاف إلى وزارة التعليم. لا نتذكّر أن ضجيجاً حدث، وأن احتجاجاً سُمع، وأن أحداً رمى الكاتبة بتكفيرٍ أو تهديد. وعندما كتبت أخيراً، في مقالتها "غسيل الأدمغة"، إن غسيل أدمغةٍ يعشّش في مدارس الأردنيين، لم تُواجَه بشيء. ولكن، ما إن كتبت، في تعليقٍ لها على هذه المقالة، إن مراكز تحفيظ القرآن تغسل الأدمغة، وتقدّم الخطاب الأيدولوجي، والكثير من الخطاب الشوفيني وخطاب الكراهية، وجميع مرتاديها من أطفال الأردن خلايا نائمة، ما إنْ كتبت ذلك، كان طبيعياً أن يستفزّ هذا الكلام كثيرين، ويستنفر ردوداً واسعة، سقط بعض أصحابها في قلة الأدب والتطاول على الكاتبة وتكفيرها، ثم تم الردّ على هؤلاء بانفعالٍ وتوتر. وفي أثناء اشتعال هذا كله، وجدنا أنفسنا أمام "معركةٍ" بين تنويريين وظلاميين، وصرنا مطالَبين بنصرة أبو ريشة التي تراجعت عن تعميمها ذاك، من موقع الانتصار للتنوير ضد الإسلاميين. وتشكّلت مجاميع إلكترونية، وذاعت كتاباتٌ، بدا فيها أن الوقوف مع أبو ريشة هو الحقّ عينه، من دون أن نكون في يقينٍ من أنه وقوفٌ مع حقّ الكاتبة المعروفة في التعبير عن رأيها، أم في مؤازرتها بالمطلق، ما دام خصومُها إسلاميين ظلاميين، أم في وجوب الردّ على أي تهديدٍ لها، أم هو وقوفٌ ملحّ مع التنوير وأصحابه.
لا نقاش، هنا، في رفض أي تهديدٍ أو تجريحٍ لزليخة أبو ريشة. ونعم للانتصار لها، في حقها في التعبير عن وجهات نظرها، مع مطالبة كل صاحب رأي بالتيّقن مما يقول ويكتب. ويحتاج التثبت مما إذا كانت مراكز حفظ القرآن في الأردن (بعضها؟) على النحو الذي أشاعته زليخة إلى جهدٍ صحافي استقصائي، فإنْ كانت تدرّس كراهيةً وشوفينيةً، فهذا لا يجوز التسامح معه، وإذا كان مدّرسون فيها يحوزون قناعاتٍ داعشية، فإن إعادة تأهيلهم تصير ملحةً وعاجلة. كان في الوسع أن ينصرف الجدل إلى هذه الوجهة، بدل أخْذنا إلى "معركة التنوير" التي استجدّ نفيرٌ واسعٌ من أجل خوضها. وهنا نقطة نظام، ذلك أن كثيراً مما كتبه مشاركون في المعركة المذكورة يسوق إلى أن هذا التنوير لا وجهة له إلا رمي الإسلاميين، كلهم، بالعنف والإرهاب والتطرّف، من دون تمييزٍ بين إخوانٍ وداعشيين وسلفيين وقاعديين وجهاديين ومحافظين.
لا مطرح للتنوير في هذا الكلام، لأنه غير علمي، ولا يصدر عن معرفةٍ، وفيه استسهالٌ، خصوصاً عندما يوضع كل أولئك في حزمة "الإسلام السياسي". ولمّا كان التنوير مفهوماً يقوم، أساساً، على الحوار، ويُناهض كل سلطةٍ مستبدة، دينية وسياسية، فإن الانتقائية عند التسلح به تجعله يفقد معناه. وهنا مقتل كل خطاب زليخة أبو ريشة، عندما تتجنّد، وبهمةٍ دؤوبة، في مخاصمة الإسلاميين، ونعتهم بما فيهم وما ليس فيهم، وتصمت، في الوقت نفسه، عن مجرمين حاكمين وأنظمةٍ مستبدةٍ في غير بلد عربي. فمن شديد العجب أنها تضنّ على شعب سورية بمقالةٍ واحدةٍ تتعاطف معه، وهو في أتون حربٍ يشنّها عليه نظامُه، بدأها قبل أن تطرأ في سورية عصاباتُ داعش الإرهابية ونظيراتُها. كما أنها تصمت عن استبدادٍ مريعٍ في مصر بعد إطاحة حكم "الإخوان"، من عناوينه مقتل نحو ثلاثمئة مصري في عامين في سجون عبد الفتاح السيسي، تحت التعذيب والإهمال الطبي، بحسب منظماتٍ حقوقيةٍ مصرية. وبسبب هذين الأمرين (وغيرهما)، يصير التنوير الذي تُعلنه زليخة أبو ريشة موضع تشكيك. ومع تأييد صاحب هذه الكلمات بعض ما تكتبه في شأن الإخوان المسلمين والأصوليين، إلا أن نقطة نظامٍ يجدر تأكيدها، هي أن الكاتب التنويري الحقّ ليس انتقائياً، ضد الإسلاميين فحسب، فيما لسانُه مقطوعٌ بشأن نظمٍ عربيةٍ بعينها، وبشأن عسفٍ وجرائم حربٍ موصوفة، يرتكبها نظاما الأسد والسيسي مثلاً. عندما أصادف لزليخة موقفاً واضحاً ضد هذه الجرائم ومقترفيها، سأعتبر حربها ضد "الإخوان" وعموم الإسلاميين والأصوليين مساهمةً في معركة تنويرٍ، أما الآن، فلا.
لا نقاش، هنا، في رفض أي تهديدٍ أو تجريحٍ لزليخة أبو ريشة. ونعم للانتصار لها، في حقها في التعبير عن وجهات نظرها، مع مطالبة كل صاحب رأي بالتيّقن مما يقول ويكتب. ويحتاج التثبت مما إذا كانت مراكز حفظ القرآن في الأردن (بعضها؟) على النحو الذي أشاعته زليخة إلى جهدٍ صحافي استقصائي، فإنْ كانت تدرّس كراهيةً وشوفينيةً، فهذا لا يجوز التسامح معه، وإذا كان مدّرسون فيها يحوزون قناعاتٍ داعشية، فإن إعادة تأهيلهم تصير ملحةً وعاجلة. كان في الوسع أن ينصرف الجدل إلى هذه الوجهة، بدل أخْذنا إلى "معركة التنوير" التي استجدّ نفيرٌ واسعٌ من أجل خوضها. وهنا نقطة نظام، ذلك أن كثيراً مما كتبه مشاركون في المعركة المذكورة يسوق إلى أن هذا التنوير لا وجهة له إلا رمي الإسلاميين، كلهم، بالعنف والإرهاب والتطرّف، من دون تمييزٍ بين إخوانٍ وداعشيين وسلفيين وقاعديين وجهاديين ومحافظين.
لا مطرح للتنوير في هذا الكلام، لأنه غير علمي، ولا يصدر عن معرفةٍ، وفيه استسهالٌ، خصوصاً عندما يوضع كل أولئك في حزمة "الإسلام السياسي". ولمّا كان التنوير مفهوماً يقوم، أساساً، على الحوار، ويُناهض كل سلطةٍ مستبدة، دينية وسياسية، فإن الانتقائية عند التسلح به تجعله يفقد معناه. وهنا مقتل كل خطاب زليخة أبو ريشة، عندما تتجنّد، وبهمةٍ دؤوبة، في مخاصمة الإسلاميين، ونعتهم بما فيهم وما ليس فيهم، وتصمت، في الوقت نفسه، عن مجرمين حاكمين وأنظمةٍ مستبدةٍ في غير بلد عربي. فمن شديد العجب أنها تضنّ على شعب سورية بمقالةٍ واحدةٍ تتعاطف معه، وهو في أتون حربٍ يشنّها عليه نظامُه، بدأها قبل أن تطرأ في سورية عصاباتُ داعش الإرهابية ونظيراتُها. كما أنها تصمت عن استبدادٍ مريعٍ في مصر بعد إطاحة حكم "الإخوان"، من عناوينه مقتل نحو ثلاثمئة مصري في عامين في سجون عبد الفتاح السيسي، تحت التعذيب والإهمال الطبي، بحسب منظماتٍ حقوقيةٍ مصرية. وبسبب هذين الأمرين (وغيرهما)، يصير التنوير الذي تُعلنه زليخة أبو ريشة موضع تشكيك. ومع تأييد صاحب هذه الكلمات بعض ما تكتبه في شأن الإخوان المسلمين والأصوليين، إلا أن نقطة نظامٍ يجدر تأكيدها، هي أن الكاتب التنويري الحقّ ليس انتقائياً، ضد الإسلاميين فحسب، فيما لسانُه مقطوعٌ بشأن نظمٍ عربيةٍ بعينها، وبشأن عسفٍ وجرائم حربٍ موصوفة، يرتكبها نظاما الأسد والسيسي مثلاً. عندما أصادف لزليخة موقفاً واضحاً ضد هذه الجرائم ومقترفيها، سأعتبر حربها ضد "الإخوان" وعموم الإسلاميين والأصوليين مساهمةً في معركة تنويرٍ، أما الآن، فلا.