هل ما زالت صفقات السلام واردة؟
تقول الإدارة الأميركية إن إنهاء حالة الحرب الدائرة في قطاع غزّة تتطلب خطة سلام تشمل كل الفلسطينيين، وليس سكان القطاع فقط، مع بعض العرب المتردّدين أو المنتظرين، ويمكن لخطّة ما أن تثبت وقف إطلاق النار وتنهي حالة العداء القائمة بين بعض الأطراف العربية وإسرائيل. وقد صرّحت الإدارة الأميركية بوضوح أن أساس خطّة كهذه هو حلّ الدولتين، وتعزّزت فرصة هذا الحلّ بحضوره في قائمة الشروط القصيرة التي تطلبها الرياض للاعتراف بإسرائيل، وقد كانت هذه الأفكار جزءا أساسيا من حوارات وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، في السعودية. يقاوم نتنياهو، بالطبع، هذا الحلّ بضراوة شديدة وصلت إلى حد وقوفه في وجه الولايات المتحدة بعناد وصلف، فقد وجّه إليها انتقادات شديدة بعد امتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار، رغم أن صياغته شديدة الغموض، تُقرّر وقفا مؤقتا لإطلاق النار، ولم يؤثر القرار فعليّاً على عمليات اسرائيل التي تجهز نفسها لما تظن أنه الهجوم على رفح الذي تقول إنه سيؤدّي إلى الخلاص من حركة حماس نهائياً.
بعد كل اهتزاز سياسي كبير في الشرق الأوسط يجري التنادي إلى إقرار حلٍّ نهائي للتخلص من الصداع المزمن الذي يعصف بالمنطقة، والذي يتكرّر منذ قيام دولة إسرائيل، من دون إقرار هذا الحل حتى اللحظة، ولكن الجدير بالاهتمام أن الحلول المطروحة تأخذ في اعتبارها الظروف الراهنة وظروف المرحلة التي انقضت ما بين الأزمة والتي تليها، وليست كل هذه الظروف في مصلحة العرب ولا الفلسطينيين بأي حال، وقد بدأت الحلول بقرار التقسيم الذي اقتطع أكثر من 55% من الأراضي ومنحها للإسرائيليين. والمشكلة الكبرى حدثت في الحرب التي أعقبت القرار بعد أن شن العرب هجوما على المناطق الممنوحة لإسرائيل، فكانت النتيجة فقدان نصف الأراضي التي منحها القرار للفلسطينيين، وسيطرة الأردن ومصر على كل من الضفة الغربية وقطاع غزّة على التوالي٬ وتحويل الفلسطينيين إلى لاجئين.
أصدر مجلس الأمن بعد هزيمة 1967 قراراً رقمه 242 لحل القضية، آخذا في الاعتبار نتائج الحرب نفسها، ويتألف الحل من بندين رئيسيين: انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير، وإقرار حالة من السلام بين بلدان المنطقة بمعاهداتٍ، فيما عرف حينها بمقايضة الأرض بالسلام. قبلت بعض الدول العربية القرار ورفضته دول أخرى، وكان يجب أن تقوم حرب أخرى في عام 1973، ليُقبل من العرب بعد أن عزّز "242" قرارٌ آخر أخذ رقم 338 نصَّ على وقف الحرب والبدء فورا بمحادثات سلام، عُقد مؤتمر جنيف للسلام في ديسمبر/ كانون الأول 1973 ولم تحضره سورية، وكان مقدمة لاتفاقيات عقدت بين مصر وإسرائيل بعد خمس سنوات. عقد المؤتمر التالي في مدريد في 1991 بعد حرب الخليج الثانية، حضرته سورية هذه المرّة وحضره الفلسطينيون (في وفد مشترك مع الأردن)، وتكرّرت معظم الوجوه، وكان هذا المؤتمر بذرةً نجمت عنها اتفاقيات المبادئ أو اتفاق أوسلو الموقّع عام 1993، وتبعه في 1994 توقيع اتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، وميّز هذا الاتفاق إعلان رئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي "انتهاء عصر الحروب"، ورد شمعون بيريز عليه بأن وقت السلام قد حان.
لم ينته عصر الحروب، وكان الحديث عن السلام مشوّشا، فاليوم بعد مرور 28 سنة على مقولة المجالي، تدخل "حماس" المعركة وتردّ عليها إسرائيل بهجوم معاكس تجتاح فيه قطاع غزّة. ويتم التنادي الآن، كما في كل مرّة، إلى حلّ جديد. أعقب كل معركة مؤتمر، وبعض اتفاقيات سلام، بين بعض العرب وإسرائيل، ولن تشذّ هذه الأزمة عن السياق المعروف، فهي تشارك الأزمات التي سبقتها في عناوين كثيرة، ومن المرجّح أن حلّا نهائيا لن يجري إقراره، ولكن الأكيد أن ثمّة اتفاقيات جديدة سيجري توقيعها.