هل يجوز الإفطار على تمورٍ إسرائيلية؟
لم يستوضح المغاربة الذين وصل إليهم السؤال أعلاه من مدوّنين وناشطين مشايخَ للفُتيا ليجيبوا عليه، وإنما سارعوا إلى استفظاع السؤال نفسِه، وإبداء النفور المُعلن منه، ثم الإجابة عنه بالرفض المؤكّد، وذلك أياماً قبل حلول شهر رمضان الذي تسبقُه، حالياً، في المغرب حملةٌ واسعةٌ في منصّات السوشيال ميديا، تُنبئ عن وصول تمورٍ إسرائيلية إلى الأسواق المغربية، أخيراً، بحسب مدوّنٍ حدّد أسماء هذه التمور التي تحذّر الحملة من تناولها، سيّما في غضون حرب الإبادة التي تشنّها دولة العدوان على الشعب الفلسطيني في غزّة، ما يعطي هذا النشاط الشعبي والمدني شيئاً من الخصوصية، تجعلُه أشدَّ إلحاحاً عمّا كان عليه قبيْل شهر رمضان في السنوات السابقة، فقد صارت ما يمكن تسميتُها حرباً إلكترونيةً واجتماعيةً وشعبيةً ضد التمور الإسرائيلية في المغرب (وغيرها) نشاطاً سنويّاً، يستحقّ التثمين، سيّما أن التجاوب معها كبير، من دلائل وفيرة عليه قولُ مواطنين مغاربة إنهم لن يتناولوا التمور في رمضان إذا بقيت الإسرائيلية وحدَها في السوق. وإذ تنشط حملات مقاطعة السلع والمنتجات الإسرائيلية في العموم في المغرب اتّساقاً مع رفض المغاربة التطبيع الذي يُقيمه الحكمُ في بلدهم مع دولة الاحتلال، فإن تقديراً خاصّاً وكبيراً يلزم أن نبقى عليه تجاه الناشطين الذين يوظّفون جيداً الإمكانات الهائلة التي يوفّرها التشبيك الرقمي مع مواقع التواصل وحسابات الفاعلين، وذلك بابتكار شعاراتٍ محدّدةٍ ومباشرة، وببثّ مضامين موجزة، وإشهار صور تلك المنتجات وعلاماتها التجارية، فيتحقّق بهذا كله (وغيره) مردودٌ ناجعٌ للحملة التي تشدّد على الأبعاد الوطنية والأخلاقية والدينية والإنسانية في الالتزام بمقاطعة كل منتج إسرائيلي، سيّما في ظروف العدوان الجاري في غزّة، ومن ذلك كان السؤال الذي ذاع في غضون الحملة: هل يجوزُ الإفطار على تمورٍ إسرائيلية؟
ومع اتّساعٍ ملحوظٍ لمقاطعة إسرائيل ومنتجاتها في دولٍ عديدة، نصادف تصريحاً لرئيس قسم التمور في مجلس النبات الإسرائيلي (هذا منصبُه)، أمنون غرينبيرغ، إن حملةً نشطةً في أوروبا وأميركا وكندا وغيرها لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية تشمل التمور، من وسائلها أن منظمّاتٍ تدخُل محلات السوبرماكت في أوروبا، وتضع على المنتجات الإسرائيلية ملصقاتٍ تُخبر الراغبين بشرائهم بأنهم إذا فعلوا يساهمون في الإبادة الجماعية في غزّة. وبحسب هذا المجلس، تصدّر إسرائيل سنوياً ما بين 30 ألف طن و35 ألف طن من التمور إلى الخارج (نحو 10% منها إلى تركيا). وفي سياق هذه الحملة، يُدعى المسلمون إلى مقاطعة التمور المستورَدة من إسرائيل. وأفاد تقرير في موقع "بكرا" بأن منظّمة "مسلمون أميركيون من أجل فلسطين" تطلُب من المشترين في المتاجر أن يسألوا، إذا أرادوا شراء تمور، ما إذا كانت مزروعةً على أرض فلسطينية مُصادَرة أو باستخدام موارد المياه المحرومة من الفلسطينيين.
لا توفّر حكوماتُ الدول العربية التي تقيم علاقات تطبيعٍ كاملة ومعلنة مع إسرائيل للجمهور العام بياناتٍ وافيةً ومتجدّدةً عن السلع المستورَدة من إسرائيل والمصدّرة إليها. ولا يحسُن بنا الثقة المطلقة بالمعلومات المرتجلة في بعض الصحافات الإسرائيلية عن زيادة مطّردة في هذا التبادل التجاري (الشائن بداهةً أيّاً كان مستواه) في أثناء الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. ومع شحٍّ شديدٍ في معلوماتٍ كهذه، ومع شعور بعض هذه الحكومات (وليس كلّها) بشيءٍ من الحرج في هذا الملفّ، فإن الوعي الشعبي العربي الواسع الذي استهدف منتجات شركات أميركية وأوروبية داعمة لدولة الاحتلال، بل منتجاتٍ من دولٍ عديدة لم تخجَل في وقوفها مع العدوان، بات مجسّداً ومنظوراً في رفض تجّار ومورّدين ومصدّرين التعامل بأي شكلٍ مع إسرائيل، فمن رابع المستحيلات، مثلاً، أن تُصادف سلعة إسرائيلية في السوق الأردني معروضةً بوضوح.
يسّرت الحملة النشطة في المغرب ضد تمورٍ إسرائيلية دخلت البلاد أخيراً المناسبة هنا للتذكير بوجوب تقدير جهود كل الفاعلين والناشطين، ونفَسِهم الطويل ومثابرتِهم في رفض كل منتج إسرائيلي في بلدهم، وفي التوعية والتعبئة والحشد والتعريف والتوضيح بشأن هذا كلّه، ومن ذلك، هذا السؤال الذي يُقابل، قبيْل رمضان المرتقب، بالرفض المؤكّد من دون فُتيا: هل يجوزُ الإفطار على تمور إسرائيلية؟