ياسر العظمة والدولة التركية
تذكّرت، في اسطنبول، صباح السبت الماضي، 23 إبريل/ نيسان 2016، ياسر العظمة. الحارةُ الساحلية التي أمرُّ بها كل يوم هادئة وراقية، كعادتها. إلى يمين الشارع الصغير موقفٌ للحافلات الصغيرة (دولمُش)، وفي الزاوية اليسرى ثمّة مدرسة ابتدائية.
خلال اللوحة التي قدمها ياسر العظمة، ذات مرة، في مراياه، يسأل المعلمُ التلاميذ: ماذا تحبون أن تكونوا في المستقبل؟ فتكون الإجابات في معظمها: أحب أن أكون طبيباً، مهندساً، طياراً، ضابطاً، عنصرَ مخابرات،... عدا تلميذ واحد كتب: سأكون رئيساً للجمهورية.
في هذه المدرسة، كما في كل مدارس اسطنبول والمدارس التركية، يوم 23 نيسان، يوجد احتفال. دفعني الفضول لتفحص المكان. شاهدتُ أعلامَ الجمهورية التركية (البيارق) تملأ الباحة، وصور مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وأما الجدران، فعليها، من قبلُ، رسومٌ تعبر عن الطفولة، والعلم، والثقافة، واللعب. في أثناء عودتي إلى البيت، اكتشفتُ أن أعلام الجمهورية تُعلق هذا اليوم، في معظم شوارع المدينة، وواجهات محلاتها التجارية.
المهم: كان التلاميذ والتلميذات متجمعين في الباحة. في العمق، رجلٌ يبدو أنه مسؤول حكومي تربوي، يلقي عليهم كلمة موجزة. من خلال اللغة التركية القليلة التي تعلمتُها في السنوات التي عشتُها هنا، فهمتُ أنه يتحدث عن المستقبل، وأهمية هذا العيد بالنسبة للأطفال، ولتركيا. لكنه لفظ اسم العيد (ulusal egemenlik ve çocuk bayrami) وهذا ما لم أفهمه. استنجدتُ، هاتفياً، بصديقي عبد القادر عبدللي، فأوضح لي إنه يُدْعى "عيد السيادة الوطنية والطفل".
غريبة جداً هذه التسمية. في سورية يسمي النظامُ الأطفالَ: طلائعَ البعث، وجيلَ الثورة، وأبناءَ القائد الرمز. ويقول بعضُهم عن الأطفال: صبيان، وأولاد، وعجيان، ويزجرونهم ويوبخونهم ويستخفون بكلامهم وهواياتهم وتطلعاتهم، ويخاطبون الصبي منهم بكلمة (ولاك)، والبنت: (وليك).
أردتُ أن أعرف عن هذا الموضوع أكثر فاتصلت بصديقي الدكتور محمد حقي الذي يُدَرِّس الأدب العربي في جامعة أنقرة. سألتُه عن أصل الحكاية، فقال لي إن مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، عَقَدَ، في الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان 1920، أولَ جلسة له، وقرّر، بناء على اقتراح مؤسس الدولة، مصطفى كمال أتاتورك، اعتبارَ هذا اليوم عيداً للسيادة الوطنية والطفولة. لأن مَنْ سينعم بثمرة الاستقلال، ويبني الدولة، ويحافظ عليها، هم الأطفال.
أوقعت إجابةُ الطفل السوري الذي حلم بأن يكون رئيساً للجمهورية معلمَ الصف، والمدير، والموجّه، والوزارة، في حيص بيص، فهو يتطاول، ولو من خلال الحُلُم، على فكرة الأبدية التي لخصتها أنيسة مخلوف بقولها "سورية لبيت الأسد، من الوالد للولد". وقد عولج الولد الطموح بطريقة مخابراتية تعليمية متميزة، جعلته يجيب عن السؤال التقليدي نفسه بقوله: بدي أصير في المستقبل ماش. (يعني: لا شيء).
يعرف حزب العدالة والتنمية الذي تُوصله الانتخاباتُ إلى موقع إدارة شؤون البلاد التركية منذ 2002، أن أية حكومة لا تحترم الدولة، وسيادتها، وتقاليدها الوطنية، غير قابلة للاستمرار. وبناءً على هذا، تقول الصحف إن رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس البرلمان، ووزير التربية والتعليم، يشاركون جميعاً في هذا الاحتفال.
لا داعي لأن أحكي لكم عما فعله المجرم عاطف نجيب بأطفال درعا الذين كتبوا على الجدران "أجاك الدور يا دكتور". ولكن، لا بد من الإشارة إلى أن أحد الأطفال الأتراك يتولى منصب رئيس الجمهورية يوم 23 نيسان، والسيد أردوغان سلم مهام منصبه، يوماً واحداً، للطفلة باشاق طاهان (11 سنة)
وحضر إلى المقر الرئاسي أطفالٌ من 29 دولة. سقى أردوغان وزوجته والأطفال الشجرة التي زرعوها من المياه التي جلبها الأطفال معهم من سبعة أنهار مختلفة على الأرض! بينما قتل الأسد من الأطفال، حتى تاريخه، 20 ألفاً، واعتقل ستة آلاف، وهَجَّرَ 4ر2 مليوناً، وهو يحاصر 200 ألف، ويحرم مليونين من الغذاء، و8ر2 مليوناً من التعليم.