09 نوفمبر 2024
يحدث بين الخرطوم وواشنطن
لمّا فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، قبل عامين، كان لافتا ترحيبُ الرئيس السوداني، عمر البشير، بهذا الرجل، فقد قال، في مقابلةٍ صحافية، إن "ترامب إنسانٌ واضح، والتعامل معه سيكون أسهل بكثير من التعامل مع الآخرين، وإنه يركّز على مصالح المواطنين الأميركيين، كونه رجل أعمال، عكس الذين كانوا يتحدّثون عن برامج الديمقراطية وحقوق الإنسان". والظاهر أن الأمر كذلك، فأن ترفع إدارة ترامب، قبل عام بالضبط، حزمة عقوباتٍ اقتصاديةٍ وحظرا تجاريا عن السودان، أمرٌ يجوز حسبانُه دليلا على أن ترامب أحسنُ للحكم في الخرطوم من سابقيه، كما اعتقد البشير مبكّرا. وإنْ في البال، ولإعطاء كل ذي حقٍّ حقه، أن إدارة باراك أوباما هي من استهلت رفع العقوبات، بإلغاء حزمةٍ أولى قليلةٍ منها، في سياق مبادرات إيجابية توجّهت بها أيضا إلى إيران وكوبا. ولكن، ليس منسيّا أن شروطا وضعتها واشنطن، في تلك الغضون، طالبت الخرطوم بتنفيذها، للمضي في مسار تطبيع للعلاقات، وللوصول إلى رفع نهائيٍّ للعقوبات التي كانت إدارة بيل كلينتون قد قرّرتها، وهي الإدارة التي وضعت السودان، في العام 1993، في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. كان لافتا أن الخرطوم تحسّست من شروط أوباما، ولم تتحمّس لتلبيتها، وهي مطابقةٌ، إلى حد كبير، للشروط التي سمعها وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، في زيارته واشنطن، قبل أيام، في مباحثاتِه مع مسؤولين رفيعين في الخارجية الأميركية برئاسة نائب الوزير مايك بومبيو. والظاهر من البيانيْن اللذيْن أصدرتهما الخارجيتان، الأربعاء الماضي، أن هناك استعدادا واضحا لدى الولايات المتحدة لإلغاء تصنيف السودان من الدول الداعمة للإرهاب، في مقابل استعداد الخرطوم لتلبية الشروط الستة المطروحة، وبعضها موروثٌ من طواقم أوباما.
بكثيرٍ من المرونة، وبشيءٍ من تسامحٍ أميركي متوقع، سيما بعد تقديم الخرطوم معلوماتٍ أمنيةً واستخبارية، قيل إن لها أهميتها، للولايات المتحدة، في سياق تعاونٍ قائمٍ في "الحرب على الإرهاب"، وبالنظر إلى أن شروط واشنطن المُعلنة ليست تعجيزيةً، وفي وسع الخرطوم تنفيذها بكيفياتٍ، غير جدّيةٍ إذا أمكن ذلك في بعض المواطِن، فإن من غير المستبعد أن يُسرع قطار تطبيع العلاقات بين نظام عمر البشير والولايات المتحدة، في العام المقبل، سيما وأن الحديث الأميركي يحدّد ما بين أربعة شهور وست سنوات للانتهاء من هذا الملف، وسيما أيضا أن أموالا أميركيةً تترقّب هذه النهاية، لتفتتح حضورا لها في السودان، البلد المثير، والذي تتوفر فيه فرص استثمارية ومجالات عمل كبرى، كان من الأخطاء الأميركية السابقة أنها تركته للصين، بذرائع يتبدّى الآن أنها كانت انفعالية، وكان في الوسع التعامل، بكيفيةٍ أخرى، مع خيارات الخرطوم السابقة، بعد إيواء أسامة بن لادن في العام 1993، ثم الطلب منه مغادرة البلاد.
يرحّب بيان الخارجية الأميركية بالتزام السودان بتوسيع التعاون في مكافحة الإرهاب، وبتعزيز حماية حقوق الإنسان، وتحسين وصول المساعدات الإغاثية إلى مناطق نزاعات وقتال، وبوقف الأعمال العدائية الداخلية، وكذلك بالالتزام بتحقيق تقدّم في الحوار السياسي الداخلي. وفي وسع قارئ هذه الشروط أن يقع فيها على مقادير ظاهرة من الدجل الأميركي التقليدي، إذا صحّ التعبير (وأظنّه يصح). ولأن ذهنية المنفعة ومصالح رجال الأعمال وأولوية الاستثمار والبحث عن وظائف للأميركيين هي الحاكمة في البيت الأبيض، وفي دواليب صناعة القرار بشأن السياسة الخارجية، فإن أيّا منا لا يزيد في الطنبور وترا إذا ما رجّح أن العلاقات الأميركية السودانية ستشهد، في الشهور المقبلة، انعطافةً مهمة. ويزيد من وجاهة هذا الكلام أن مقادير ظاهرةً من الخيبة تتملك أهل السودان الحاكمين من السعودية والإمارات، بسبب البُخل غير الخافي على بلدهم الذي شارك ميدانيا، بجنودٍ فقدَ كثيرين منهم، في الحرب في اليمن، فيما الكرم كله على مصر عبد الفتاح السيسي التي لم تُساند الرياض وأبوظبي في اليمن بغير الكلام الساكت، بتعبير السودانيين البسطاء الذين يراقبون الغزل الطفيف بين حكّام بلدهم وأهل القرار في واشنطن، وينتظرون ما بعده.. باستعجالٍ ربما.