09 نوفمبر 2024
يحدث في مصر
لم يكن نهار أمس عيد أحد الشعانين لأهلنا المسيحيين في مصر، وفي المشرق العربي عموما، لأن دماءنا التي سالت فيه، في كنيستين في طنطا والإسكندرية، جرّتنا إلى حقيقةٍ يحسن أن نكون شجعاناً في إعلانها من دون لعثمةٍ، وهي أنه يحقّ للعربي المسيحي أن لا يشعر بالأمان في وطنه. وإذا كان الإرهابيون في "داعش" يواظبون على تقديم أدلة مستمرة على هذه البديهية، فإنهم يواصلون ما سبقهم إليه أسلافٌ لهم، فلم تكن دولة خلافتهم قد أعلنت من الموصل لمّا استُهدفت كنائس وكاتدرائيات، في سوهاج (1998) وقنا (2010) والإسكندرية وأسوان (2011)، وفي مدنٍ ونواحٍ مصرية أخرى، عدا عن وقائع لها مطرحها في أرشيفٍ غزير، قتل فيها أقباطٌ لا لشيء إلا لأنهم أقباط. وبذلك، كانت جريمة يوم عيد المولد النبوي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في كاتدرائيةٍ في القاهرة، وساحت فيها دماء 25 متبتلاً قبطيا، كانت موصولةً بسوابق وفيرة. وغداتَها، كتبنا، وكتب غيرُنا، ما وجب أن ينكتب من إداناتٍ لحقارتها المرذولة، وما وجب أن تسمعه السلطة الحاكمة في مصر بشأن مسؤوليتها المنظورة في إنتاج مظاهر العنف الطائفي في المجتمع، وبشأن إخفاقها المكشوف في حماية رعاياها من خفافيش الإرهاب.
مضت جريمة يوم عيد المولد النبوي إلى أرشيفٍ مزدحم بمثيلاتٍ لها، وذهبت مشاغلنا إلى بطاحٍ عربية، يحتاج فيها المسلم الشيعيّ إلى ما يضمن أمنه، في حسينيّاته مثلا، من سنّيين مأفونين مسلحين بمعجمٍ ثقيلٍ عن النواصب والروافض. ويحتاج مسلمون مصلّون من أهل السنة والجماعة في مساجدهم إلى ما يحميهم من مسلمين شيعة تقيم في مداركهم غرائز طائفية عمياء. وفي الأثناء، شاهدنا نسوةً سورياتٍ علوياتٍ في أقفاص "جيش الإسلام" في غوطة دمشق، وذُبح وخُطف رهبانٌ وقساوسةٌ في سورية. أما تهجير مسيحيي الموصل، بعد رفضهم دفع الجزية لأبي بكر البغدادي، فواقعةٌ تعصى على الإغفال في تتبع بيارق الطائفية الشائنة التي ترتفع في مطارح عربيةٍ مشهودة. وتتبعٌ مثل هذا لن يتغافل عن ضجيجٍ سرى في وسائل التواصل الاجتماعي عمّا إذا كان يجوز الترحم على شاب أردني مسيحي قضى في حادث سير أم لا.
ليس صاحب هذه الكلمات باحثا في السوسيولوجيا، حتى يبسط اجتهاداته في تفسير هذا القاع العربي الراهن. ولكنه كان يظن أن في مصر تحديدا مقاديرَ كافيةً من الوطنية الجامعة، تحصّنها من الانضمام إلى النادي الطائفي العربي العتيد، والذي بيّنت شواهدُ أن النسخة اللبنانية منه أرحمُ من السورية والعراقية الماثلتيْن. ويدفع ما تؤشر إليه جريمتا أحد الشعانين أمس، في كنيستين في طنطا والإسكندرية، (46 قتيلا و100 جريح) ذلك الظن إلى اهتزازٍ كثير. ولا يغيّر إعلانٌ من أشباح "داعش" الإرهابية مسؤوليتها عن الجريمتين في الأمر شيئا، لأن ما شوهد على شاشات التلفزات نهار أمس يأخذنا إلى فداحة أزمةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ حادّة في مصر، من عناوينها شطارة محبّي عبد الفتاح السيسي في تنزيه الأمن المصري عن أي تقصير، لا لشيء إلا لأن استوكهولم ولندن وباريس عرفت وقائع إرهابية، ويريحهم إعلان "داعش" مسؤوليته. يثرثر هؤلاء بكلامهم هذا فيما الأوضح، يوما بعد يوم، أن السلطة الحاكمة في القاهرة لم تُنجز، منذ وثبتها الانقلابية، غير الفشل، الأمني والاقتصادي. .. لا تعرف باريس كل يوم قتل ضباط وجنود وضرب كنائس ومراكز شرطة، كما في سيناء التي تم تهجير مسيحيين من أهاليها، تحت أنظار السلطة الخائبة، وكما الحادث في العريش والصعيد. من الخطير إلى حد الجزع توصيفُ مقتلة الكنيستين، وما يجري كل يوم تقريبا، من اعتداءاتٍ إرهابيةٍ على عساكر من الشرطة والجيش، بأنه من عاديّ الأمور، ومن المفزع إحداث مشابهةٍ بين هذه الوقائع (التقليدية!) وصراع الدولة التركية مع حزب العمال الكردستاني.
فشلت جمهورية عبد الفتاح السيسي البوليسية في حماية مصر والمصريين. والتصعيد في التأزيم الطائفي الذي حمل أمس نذرا شديدة الخطورة (أكبر عدد ضحايا في تفجير في عهد السيسي) برهانٌ مستجدٌّ على أوضح مظاهر الفشل المريع.. وبذلك، بات تحرّر المصريين من هذا النظام حاجةً لضمان أمنهم وأمانهم، صحّت مسؤولية "داعش" عن الجريمتين الوضيعتين في كنيستي طنطا والإسكندرية أو لم تصحّْ.
مضت جريمة يوم عيد المولد النبوي إلى أرشيفٍ مزدحم بمثيلاتٍ لها، وذهبت مشاغلنا إلى بطاحٍ عربية، يحتاج فيها المسلم الشيعيّ إلى ما يضمن أمنه، في حسينيّاته مثلا، من سنّيين مأفونين مسلحين بمعجمٍ ثقيلٍ عن النواصب والروافض. ويحتاج مسلمون مصلّون من أهل السنة والجماعة في مساجدهم إلى ما يحميهم من مسلمين شيعة تقيم في مداركهم غرائز طائفية عمياء. وفي الأثناء، شاهدنا نسوةً سورياتٍ علوياتٍ في أقفاص "جيش الإسلام" في غوطة دمشق، وذُبح وخُطف رهبانٌ وقساوسةٌ في سورية. أما تهجير مسيحيي الموصل، بعد رفضهم دفع الجزية لأبي بكر البغدادي، فواقعةٌ تعصى على الإغفال في تتبع بيارق الطائفية الشائنة التي ترتفع في مطارح عربيةٍ مشهودة. وتتبعٌ مثل هذا لن يتغافل عن ضجيجٍ سرى في وسائل التواصل الاجتماعي عمّا إذا كان يجوز الترحم على شاب أردني مسيحي قضى في حادث سير أم لا.
ليس صاحب هذه الكلمات باحثا في السوسيولوجيا، حتى يبسط اجتهاداته في تفسير هذا القاع العربي الراهن. ولكنه كان يظن أن في مصر تحديدا مقاديرَ كافيةً من الوطنية الجامعة، تحصّنها من الانضمام إلى النادي الطائفي العربي العتيد، والذي بيّنت شواهدُ أن النسخة اللبنانية منه أرحمُ من السورية والعراقية الماثلتيْن. ويدفع ما تؤشر إليه جريمتا أحد الشعانين أمس، في كنيستين في طنطا والإسكندرية، (46 قتيلا و100 جريح) ذلك الظن إلى اهتزازٍ كثير. ولا يغيّر إعلانٌ من أشباح "داعش" الإرهابية مسؤوليتها عن الجريمتين في الأمر شيئا، لأن ما شوهد على شاشات التلفزات نهار أمس يأخذنا إلى فداحة أزمةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ حادّة في مصر، من عناوينها شطارة محبّي عبد الفتاح السيسي في تنزيه الأمن المصري عن أي تقصير، لا لشيء إلا لأن استوكهولم ولندن وباريس عرفت وقائع إرهابية، ويريحهم إعلان "داعش" مسؤوليته. يثرثر هؤلاء بكلامهم هذا فيما الأوضح، يوما بعد يوم، أن السلطة الحاكمة في القاهرة لم تُنجز، منذ وثبتها الانقلابية، غير الفشل، الأمني والاقتصادي. .. لا تعرف باريس كل يوم قتل ضباط وجنود وضرب كنائس ومراكز شرطة، كما في سيناء التي تم تهجير مسيحيين من أهاليها، تحت أنظار السلطة الخائبة، وكما الحادث في العريش والصعيد. من الخطير إلى حد الجزع توصيفُ مقتلة الكنيستين، وما يجري كل يوم تقريبا، من اعتداءاتٍ إرهابيةٍ على عساكر من الشرطة والجيش، بأنه من عاديّ الأمور، ومن المفزع إحداث مشابهةٍ بين هذه الوقائع (التقليدية!) وصراع الدولة التركية مع حزب العمال الكردستاني.
فشلت جمهورية عبد الفتاح السيسي البوليسية في حماية مصر والمصريين. والتصعيد في التأزيم الطائفي الذي حمل أمس نذرا شديدة الخطورة (أكبر عدد ضحايا في تفجير في عهد السيسي) برهانٌ مستجدٌّ على أوضح مظاهر الفشل المريع.. وبذلك، بات تحرّر المصريين من هذا النظام حاجةً لضمان أمنهم وأمانهم، صحّت مسؤولية "داعش" عن الجريمتين الوضيعتين في كنيستي طنطا والإسكندرية أو لم تصحّْ.