06 نوفمبر 2024
لماذا المفاجأة؟
لا أعرف بالضبط لماذا مثّل قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من شمال شرق سورية مفاجأة، فالرجل كان قد أعرب عن رغبته في الانسحاب أكثر من مرة خلال العام الماضي، ففي خطابٍ أمام جمهور له في ولاية أوهايو في 29 مارس/ آذار الفائت، قال ترامب إن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بات وشيكا، وإنه يريد الانسحاب من سورية بسرعة، لكن تدخل بعض مستشاريه وحلفائه الإقليميين دعاه إلى التراجع مرحليا. وفي الثالث من إبريل/ نيسان الماضي، قال ترامب إنه أعطى وزارتي الخارجية والدفاع مهلة ستة أشهر، للقضاء نهائيا على تنظيم الدولة الإسلامية، ما يعني أن قراره البقاء كان لمدة محددة فقط.
لكن، من جهة ثانية، كانت هناك معطيات مهمة تشير إلى العكس، إذ سرى اعتقاد أن إحاطة ترامب نفسه في السنة الثانية من حكمه بمجموعةٍ من المساعدين الأشد عداءً لإيران، منذ إدارة جورج بوش الابن الأولى (2001-2005)، قد يكون أثّر في تفكيره، لجهة الاحتفاظ بقواتٍ في سورية، خصوصا بعد أن قرّر في الثامن من مايو/ أيار الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران، فمستشار الأمن القومي، جون بولتون، ووزير الخارجية، مايك بومبيو، والمبعوث الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، يعدّون صقورا عندما يتعلق الأمر بإيران. وقد درجوا، على مدى الشهور الماضية، على التأكيد أن هدف واشنطن الرئيس من الاحتفاظ بوجود عسكري في سورية، بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، هو منع إيران من تحقيق تواصل جغرافي بين مناطق نفوذها في العراق وسورية ولبنان. وفي مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، بدا بولتون واثقا بقوله "إن واشنطن باقية في سورية، طالما بقيت إيران خارج حدودها".
كان البنتاغون (وزارة الدفاع) يضغط باتجاه البقاء، وإن لأهداف مختلفة، بدليل الاستمرار في إنشاء قواعد عسكرية أميركية في المنطقة، كان آخرها في عين العرب، فيما غدت قاعدة التنف في الجنوب الشرقي عين أميركا على إيران وأذنها. وكان وزير الدفاع المستقيل، جيمس ماتيس، يرى أن تنظيم الدولة الإسلامية لم ينته بعد، وأن الانسحاب في هذه المرحلة قد يؤدي إلى عودته، وربما بأشكال أخرى، وهو كلام كان قد ردّده وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، عندما وضع ما اعتقد حينه أسس سياسة جديدة في سورية، قوامها عدم تكرار خطأ الانسحاب من العراق، عندما هيمنت إيران، وعادت القاعدة بحلة جديدة (تنظيم الدولة الإسلامية)، كما أشار تيلرسون، في خطابه أمام معهد هوفر في جامعة ستانفورد في يناير/ كانون الثاني 2018. من جهة ثانية، بدا "البنتاغون" أقل استعدادا للتخلي عن الحلفاء الكرد الذين أثبتوا فائدة كبيرة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، فضلا عن إمكانية استخدامهم أداة ضغط فعالة، عند الحاجة مع تركيا.
فوق ذلك، ساد اعتقاد أن بقاء القوات الأميركية بالنسبة لترامب من عدمه قضية مالية، فوجه اعتراضه الرئيس على الاحتفاظ بوجود عسكري في سورية يتمثل في التكلفة، لكن السعودية، التي يعنيها أكثر من غيرها بقاء الأميركيين في سورية لمواجهة النفوذيْن، الإيراني والتركي، تعهدت في الصيف الماضي بتحمل كامل نفقات بقاء هذه القوات، ومقدارها 300 مليون دولار، سدّدت الدفعة الأولى منها (100 مليون دولار) في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
لكن هذا كله لم يسهم، على ما يبدو، في تغيير موقف ترامب، فعندما لاحت له فرصة لتنفيذ رغبته بالانسحاب، أخذ المال السعودي، تخلّى عن الحليف الكردي، أخرج وزير دفاعه المعترض، وترك الآخرين، خصوما وحلفاء، في حالةٍ من الذهول والحيرة. ولا تنتهي القصة هنا طبعا، فبقراره الخروج من سورية، يوجّه ترامب دعوة إلى كل القوى المتحفزة لوراثة التركة الأميركية للتنافس والتناحر، وهو يضع خصوصا شركاء أستانة (روسيا وإيران وتركيا) أمام امتحانٍ عسير، فالروس والإيرانيون والأتراك كانوا متفقين على ضرورة إخراج القوات الأميركية من سورية، أما الآن وقد خرجوا، فماذا هم فاعلون؟ هل يتجهون نحو صدامٍ يقضي على كل تفاهمات أستانة، أم إلى اتفاقٍ لتقاسم النفوذ، وما مصير اتفاق إدلب في كلتا الحالتين؟
لكن، من جهة ثانية، كانت هناك معطيات مهمة تشير إلى العكس، إذ سرى اعتقاد أن إحاطة ترامب نفسه في السنة الثانية من حكمه بمجموعةٍ من المساعدين الأشد عداءً لإيران، منذ إدارة جورج بوش الابن الأولى (2001-2005)، قد يكون أثّر في تفكيره، لجهة الاحتفاظ بقواتٍ في سورية، خصوصا بعد أن قرّر في الثامن من مايو/ أيار الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران، فمستشار الأمن القومي، جون بولتون، ووزير الخارجية، مايك بومبيو، والمبعوث الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، يعدّون صقورا عندما يتعلق الأمر بإيران. وقد درجوا، على مدى الشهور الماضية، على التأكيد أن هدف واشنطن الرئيس من الاحتفاظ بوجود عسكري في سورية، بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، هو منع إيران من تحقيق تواصل جغرافي بين مناطق نفوذها في العراق وسورية ولبنان. وفي مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، بدا بولتون واثقا بقوله "إن واشنطن باقية في سورية، طالما بقيت إيران خارج حدودها".
كان البنتاغون (وزارة الدفاع) يضغط باتجاه البقاء، وإن لأهداف مختلفة، بدليل الاستمرار في إنشاء قواعد عسكرية أميركية في المنطقة، كان آخرها في عين العرب، فيما غدت قاعدة التنف في الجنوب الشرقي عين أميركا على إيران وأذنها. وكان وزير الدفاع المستقيل، جيمس ماتيس، يرى أن تنظيم الدولة الإسلامية لم ينته بعد، وأن الانسحاب في هذه المرحلة قد يؤدي إلى عودته، وربما بأشكال أخرى، وهو كلام كان قد ردّده وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، عندما وضع ما اعتقد حينه أسس سياسة جديدة في سورية، قوامها عدم تكرار خطأ الانسحاب من العراق، عندما هيمنت إيران، وعادت القاعدة بحلة جديدة (تنظيم الدولة الإسلامية)، كما أشار تيلرسون، في خطابه أمام معهد هوفر في جامعة ستانفورد في يناير/ كانون الثاني 2018. من جهة ثانية، بدا "البنتاغون" أقل استعدادا للتخلي عن الحلفاء الكرد الذين أثبتوا فائدة كبيرة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، فضلا عن إمكانية استخدامهم أداة ضغط فعالة، عند الحاجة مع تركيا.
فوق ذلك، ساد اعتقاد أن بقاء القوات الأميركية بالنسبة لترامب من عدمه قضية مالية، فوجه اعتراضه الرئيس على الاحتفاظ بوجود عسكري في سورية يتمثل في التكلفة، لكن السعودية، التي يعنيها أكثر من غيرها بقاء الأميركيين في سورية لمواجهة النفوذيْن، الإيراني والتركي، تعهدت في الصيف الماضي بتحمل كامل نفقات بقاء هذه القوات، ومقدارها 300 مليون دولار، سدّدت الدفعة الأولى منها (100 مليون دولار) في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
لكن هذا كله لم يسهم، على ما يبدو، في تغيير موقف ترامب، فعندما لاحت له فرصة لتنفيذ رغبته بالانسحاب، أخذ المال السعودي، تخلّى عن الحليف الكردي، أخرج وزير دفاعه المعترض، وترك الآخرين، خصوما وحلفاء، في حالةٍ من الذهول والحيرة. ولا تنتهي القصة هنا طبعا، فبقراره الخروج من سورية، يوجّه ترامب دعوة إلى كل القوى المتحفزة لوراثة التركة الأميركية للتنافس والتناحر، وهو يضع خصوصا شركاء أستانة (روسيا وإيران وتركيا) أمام امتحانٍ عسير، فالروس والإيرانيون والأتراك كانوا متفقين على ضرورة إخراج القوات الأميركية من سورية، أما الآن وقد خرجوا، فماذا هم فاعلون؟ هل يتجهون نحو صدامٍ يقضي على كل تفاهمات أستانة، أم إلى اتفاقٍ لتقاسم النفوذ، وما مصير اتفاق إدلب في كلتا الحالتين؟