من دفاتر الموساد
لكن إنسان عربي اسم وكنية ولقب. هكذا كانت الحال في الجاهلية وفي العصور اللاحقة. فالجاحظ، على سبيل المثال، اسمه عمرو بن بحر، وكنيته أبو عثمان، ولقبه الجاحظ لجحوظ عينيه. وكل إسماعيل هو أبو الفداء، وكل محمد هو شمس الدين أو أبو القاسم. والمعروف أن شعراء وأدباء وصحافيين كثيرين كانوا يوقِّعون مقالاتهم، أحياناً، بأسماء مستعارة لاعتبارات معينة. واكتشاف الأسماء المستعارة للأدباء والشعراء أمر ضروري للدارسين ومؤرخي الأدب والنقاد.
وفي هذا الحقل، اكتشفنا أن غسان كنفاني كان يوقع بعض مقالاته باسم "ربيع مطر" تارة، وباسم "فارس فارس" تارة أخرى. وأن "خزامى صبري" هي نفسها الكاتبة والناقدة السورية الكبيرة خالدة سعيد. وان "إيزيس كوبيا" كان اسمها مي زيادة. وعزيز الحاج اسمه الأصلي عزيز حاجي قُلَّي، وعرفان شهيد هو عرفان عارف قعوار، وأحمد صادق سعد اسمه اليهودي الأصلي إيزادور سلفاتور بن روفائيل، وأنسي الحاج هو سراب العارف، والاسم الحقيقي للشاعر جورج حنين هو جان داميان، واسم الرسام آدم حنين هو صموئيل هنري. وأكثر من يلجأ إلى الأسماء المستعارة هم المغنون والممثلون والكُتّاب، لأسباب كثيرة، منها إخفاء الاسم الذي يدل على الدين. فالممثلة المصرية المشهورة كاميليا اسمها ليليان كوهين، والمطربة راقية إبراهيم اسمها راشيل إبراهيم ليفي، والموسيقار داود حسني اسمه دافيد حاييم ليفي، والمطربة ياسمين الخيام اسمها ياسمين الحصري ووالدها هو المقرئ المشهور محمود خليل الحصري، وعمر الشريف اسمه ميشال شلهوب وهو ابن تاجر دمشقي مهاجر إلى مصر، خلافاً للخرافة اللبنانية الشائعة عن أنه يتحدر من مدينة زحلة.
مع المقاومة الفلسطينية، ومع ظهور المجموعات الماركسية ذات الطراز الغيفاري، انتشرت الأسماء الحركية بقوة، وصار الاسم الحركي ضرورياً لأي مناضل، مع أن الاسماء الحقيقية كانت معروفة إلى حد بعيد، في الدوائر الضيقة المحيطة بالمناضل. واختلطت الاسماء الحركية بالأسماء الحقيقية وبالألقاب معاً حتى صارت المنفعة قليلة جداً، خصوصاً مع ظهور الأسماء المشفّرة في المكالمات الهاتفية. ففي أثناء مفاوضات أوسلو كان الاسم المشفّر لمحمود عباس (أبو مازن) هو "الروح القدس"، واسم مكتبه في تونس "الوكالة اليهودية". أما اسم أبو علاء فهو "أحمد" (أحمد قريع)، وحسن عصفور "الطيار"، وتيري رود لارسن "أبو عجقة"، وأوري سافير "أبو جعفر" لأنه يوازي موقع عبد اللطيف أبو حجلة (أبو جعفر) في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
كنا نعرف، أيضاً، أن الإسرائيليين، كالأميركيين، مولعون بأسماء الدلع، ولبعض القادة العسكريين أسماء مستعارة، مثل بنيامين بن أليعزر (فؤاد) ومناحيم نافوت (مندي)، وكذلك رحبعام زئيفي (غاندي). وعلى غرار الإسرائيليين، راح قادة "القوات اللبنانية" يتشبهون بمعلميهم، فصار نازار نازاريان (نازو) وجان نادر (جينو) وأنطوان بريدي (توتو) وأسعد سعيد (هابي) وأسعد الشفتري (آسو) وفادي فرام (هورس) وإيلي حبيقة (HK) وإيلي وازن (عباس)... وهكذا. ولكن، ما لم نكن نعرفه، آنذاك، هو الأسماء التي اختارها الموساد للمتعاونين معه إبان الحرب اللبنانية، والتي افتُضحت في ما بعد. وعلى سبيل المثال، فإن اسم زاهي البستاني لدى الموساد كان "مارلون"، وسليم الجاهل "ميشال سان أندريه" (وهو مزيج لفظي من ميشال وأندريه، وهما ابنا سليم الجاهل)، وأسعد الشفتري "غي"، ووليد فارس "وودي" (وكان ضابط ارتباط "القوات اللبنانية" بالموساد)، وميشال عون "جبرايل" (وهو غير العماد ميشال عون)، وأنطوان نجم "نبتون"، وكان يوقع بعض كتاباته باسم "أمين ناجي".
إذا كانت معرفة الأسماء المستعارة للكُتّاب مهمة لدراسة شخصية الكاتب وآثاره، فإن معرفة الأسماء المستعارة للعملاء، ولا سيما اليوم، مهمة جداً، لاكتشاف الأضرار التي ألحقوها بشعوبهم وبلدانهم، علاوة على كشف الانحطاط الخلقي لهؤلاء.