هل اخترق "داعش" الجيش المصري؟
تبعث الحوادث الإرهابية، والتي تورط فيها ضباط وجنود سابقون في الجيش المصري، على القلق، وتفتح باباً كبيراً لأسئلة كثيرة بشأن إمكانية اختراق التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها "داعش" أو المتعاطفين معه، الجيش المصري. وهو أمر كشفت عنه العملية التي تمت، أخيراً، على سواحل البحر المتوسط في مدينة دمياط المصرية. فحسب الرواية الرسمية للدولة، فإن مجموعة إرهابية هاجمت دورية بحرية مصرية، فأصابت خمسة منهم، واختطفت ثمانيةً، لا يعرف أحد مكانهم حتى الآن. وفى ظل حالة التعتيم الرسمي، وانعدام الصراحة والشفافية لدى الأجهزة المصرية، فقد تناثرت روايات وتحليلات كثيرة حول طبيعة العملية ومنفذيها وأهدافها. فحسب تقرير نشره موقع المدن، ونقلته عنه مواقع أخرى، فإن من قاموا بالعملية أفراد من قوات البحرية المصرية، يقودهم الضابط البحري المنشق أحمد عامر، اختطفوا أحد "اللنشات" وقتلوا من على متنه، ثم اشتبكوا مع قوات البحرية المصرية التي قامت بتدمير اللنش ومراكب صيد كانت في المكان، واعتقلت من عليها. ويتطابق تقرير "المدن" مع ما بثته مواقع جهادية قريبة من تنظيم "أنصار بيت المقدس" حول الرواية نفسها، وهو ما يشير إلى مدى نوعية العملية وتعقدها.
وجاء "حادث دمياط" بعد أيام قليلة من مبايعة جماعة "أنصار بيت المقدس" تنظيم "داعش"، وانضمامها إليه، وتغيير اسمها، لكي يصبح "ولاية سيناء"، وهو ما ترافق، أيضاً، مع فيديو جرى نشره، أخيراً، يكشف استيلاء هؤلاء على معدات ثقيلة، وتدمير مدرعة للجيش المصري فى إحدى النقاط الحدودية، في إشارة إلى عملية "كرم القواديس" قبل أسبوعين في مدينة الشيخ زويد، وأسفرت عن مقتل 31 جندياً مصرياً وجرح عشرات. ما يحدث مؤشر خطير، ليس فقط على صعيد التحولات السريعة التي تجري داخل الجماعات الراديكالية في مصر، وإنما أيضاً على صعيد القدرات القتالية والاستعداد اللوجيستي لهذه التنظيمات. وهو ما يجعل السؤال فى عنوان هذا المقال ذات مغزى. فمن جهة أولى، تمت معظم عمليات تنظيم "أنصار بيت المقدس" النوعية إما بتخطيط أحد الضباط المنشقين عن الجيش المصري، أو بقيادته، بدءاً من محاولة اغتيال وزير الداخلية في أكتوبر/تشرين أول 2013، والتي تورط فيها الضابط المنشق وليد بدر، مروراً بالعملية النوعية التي جرت في كردم القواديس، والتي تورط فيها، بحسب جريدة الوطن المصرية القريبة من الأجهزة السيادية المصرية، الرائد السابق هشام عشماوي، والضابط عماد عبد الحليم، وانتهاء بعملية "دمياط، والتي يشير تقرير "المدن" إلى تورط النقيب بحري، أحمد عامر، بها، وهو، بحسب الصحافي النابه، إسماعيل الإسكندراني، نجل أحد القيادات الرفيعة فى الجيش المصري.
ومن جهة ثانية، من الصعب القيام بهذه العمليات النوعية، من دون وجود مساعدة، أو دعم، لهذا التنظيم من داخل الجيش نفسه. وهنا تتحدث تقارير عديدة عن وجود "مخبرين" لتنظيم أنصار بيت المقدس داخل وحداتٍ في الجيش المصري، تساعدهم في معرفة تحركات هذه الوحدات، ومواعيد انتشارها. وهو أمر يبدو جلياً سواء في حادث "الفرافرة" الذي راح ضحيته 21 جندياً فى يوليو/ تموز الماضي، أو فى عمليات الهجوم المتواصل على ناقلات الجنود المصريين بين سيناء ومدن الدلتا المصرية.
ومن جهة ثالثة، من الواضح وجود حالة من التذمر والرفض لممارسات النظام القائم بشكل عام، وقوات الأمن والجيش بوجه خاص، وهو لربما يدفع ضباطاً وجنوداً إلى التعاطف مع المعتقلين وأهاليهم، خصوصاً مع ارتفاع مستويات القمع والبطش الراهنة. وهو ما لا يُستبعد معه أن يتم تجنيد بعض هؤلاء لصالح هذه التنظيمات، سواء كانوا متعاطفين أو معتنقين للفكر العنيف. ولو صحت الروايات التي يجري تداولها حول الهجمات الأخيرة في دمياط، فهذا يعني أن ثمة اختراقاً واضحاً للعناصر المتطرفة لوحدات من الجيش المصري.
ليست مسألة اختراق التيارات المتشددة للجيش المصري أمراً جديداً، فقد حدثت، قبل ذلك، في السبعينات التي شهدت صعود التيارات الإسلامية وانتشارها، بأنواعها السلمية والعنيفة كافة. وهنا، لا يمكن إغفال أن من خططوا ونفذوا عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، كانوا جميعاً ضباطاً في الجيش المصري. فخالد الإسلامبولي، الذي خطط ونفذ عملية الاغتيال، كان ضابط مدفعية، وعبود الزمر كان ضابطاً في المخابرات الحربية، وعبد الحميد عبد السلام كان ضابطاً سابقاً في سلاح الدفاع الجوي، أما عطا طائل فكان ملازماً أول مهندس في الاحتياط.
وهنا تثار أيضاً تساؤلات عديدة: فلماذا لا يتم الإعلان عن تسريح الضباط المتعاطفين، أو المنخرطين في صفوف التنظيمات المتطرفة، وفى مقدمتها تنظيم "ولاية سيناء" (أنصار بيت المقدس سابقاً) إلا بعد وقوع العمليات الإرهابية؟ ومتى ولماذا تحوّل هؤلاء واعتنقوا الفكر العنيف؟ وكم عددهم؟ وإلى أي الوحدات ينتمون؟
من حق المصريين أن يعرفوا كيف تُدار الأمور داخل جيشهم الذي يضم أبناءهم وفلذات أكبادهم. وكيف يجري التعاطي مع من يحملون الفكر المتطرف، وكيف يتم التصدي لهم. فاستمرار التخبط والتعتيم الإعلامي وعدم الكشف عن الحقائق يؤدي إلى إثارة البلبلة وتضارب الروايات، وهو ما قد ينال من وحدة الجيش وتماسكه، وهو ما لا يتمناه أي مواطن حر وشريف حريص على أمن وطنه، وسلامة أبنائه.