09 نوفمبر 2024
فلسطيني ممنوع من المقاومة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
في كل مرةٍ، تحصل فيها عملية عسكرية فلسطينية، ويسقط من جرائها إسرائيليون مدنيون، تبرز ردود فعل، ويجري نقاش حول مشروعية هذه الأعمال. ولا يقتصر الأمر على السياسيين ووسائل الإعلام العربية، بل يبدو الأمر أكثر حدة في الغرب، نظراً لتأثير إسرائيل وموقعها من الرأي العام الغربي.
وما يخصنا، نحن العرب، أننا نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، ونردد الكلمات نفسها التي استهلكناها. ويلجأ بعضنا إلى الحجج نفسها التي تستنكر التعرض لمدنيين. ومن هنا، حظيت عملية القدس الأخيرة بنقاش واسع في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإعلامية، وانبرت أصوات لتدين مهاجمة شابين فلسطينيين مصلين يهوداً في كنيس قرب القدس.
الملاحظة الرئيسية التي تستحق الوقوف أمامها هي أن كثيرين ممن استنكروا العملية قدموا حججاً تحت مبررات أخلاقية صرفة تستفظع مهاجمة مكان عبادة ومتعبدين. وهذا أمر لا يمكن أن يختلف معه المرء من الناحية النظرية، وفي ظروف عادية تختلف كلياً عن وضع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال من جهة، ومن جهة ثانية ما تعيشه القدس، على وجه الخصوص، منذ توقف المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في نهاية إبريل/نيسان الماضي، وما تلا ذلك من تداعيات وتصعيد إسرائيلي نوعي بعد اختفاء المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة قرب مدينة الخليل، ومن اختطاف مستوطنين الفتى الفلسطيني، محمد أبوخضير، وقتله وحرق جثته، لم يلقوا عقاباً على جريمتهم حتى الآن.
يمكن لأي متابع أن يرصد الوضع الاستثنائي في القدس في عدة عناوين، مثل هجمة التهويد والاستيطان التي أكلت الأخضر واليابس، ووصلت، في الأشهر الأخيرة، إلى المسجد الأقصى الذي بات هدفاً يومياً للمستوطنين، وبقرار رسمي من حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم في صفوفها غلاة المستوطنين. وهنا، يمكن تسجيل أمرين مهمين.
الأول أن المواجهة في القدس باتت لا مفر منها، ولم تعد خاضعة لحسابات المنطق الشكلي، ذلك أن زحف الاستيطان وضع الفلسطيني المقدسي أمام أحد خيارين: الدفاع عن وجوده أو الرحيل. ومن يقرأ خارطة القدس، اليوم، يجد أن أهلها أصبحوا محاصرين ليس على مستوى مقدساتهم وممتلكاتهم، بل على صعيد حياتهم اليومية، فالأمر لا يقف عند احتلال وأحكام عسكرية ومصادرات أراضٍ ومنازل واستيطان، وإنما تعداه إلى حصار حياتي يومي.
والأمر الثاني أن الاستيطان الديني في القدس تنامى، في السنوات الأخيرة، على نحو كبير، ومن هنا، صارت المواجهة معه تقود حكماً إلى الاصطدام بالمؤسسة الدينية اليهودية التي تعتقد أن الفرصة سانحة، اليوم، من أجل هدم المسجد الأقصى. ومن هنا، لم يأت من فراغ تصريح نائب رئيس الكنيست، موشيه فيغلين، بعد العملية، عندما لخص الموقف بقوله "سنهدم الأقصى، ونبني الهيكل، ونطرد الفلسطينيين أو نقتلهم". ولا يعد هذا الكلام ردة فعل سريعة على العملية، بل هو يعني ما يقول، لأنه نفذ بنفسه عدة عمليات لاقتحام الأقصى خلال الشهر الحالي.
أمام هذا التصريح الخطير الصادر عن شخصية رسمية في دولة الاحتلال، لا يحتاج المرء لسرد تصريحات ومطالعات الحاخامات الذين زجّوا البعد الديني في الصراع، ومنهم يهودا غليك الذي حاول الشهيد معتز حجازي اغتياله، قبل ثلاثة أسابيع في القدس، بوصفه قائد حملة تهويد الأقصى. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية، برئاسة نتنياهو، هي التي وفرت لهؤلاء الغطاء، فإن رد الفعل الفلسطيني في القدس لا يزال بعيداً عن التوظيف الديني، ويقتصر على أعمال مقاومةٍ، طابعها الدفاع عن النفس والوجود، وهي مقاومة غير متكافئة مع الهجوم من الطرف الآخر، سواء على الأرض، أو على صعيد التغطية السياسية التي تصل إلى حد أن بعض العرب يستكثر على الفلسطيني الشهادة.
وما يخصنا، نحن العرب، أننا نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، ونردد الكلمات نفسها التي استهلكناها. ويلجأ بعضنا إلى الحجج نفسها التي تستنكر التعرض لمدنيين. ومن هنا، حظيت عملية القدس الأخيرة بنقاش واسع في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإعلامية، وانبرت أصوات لتدين مهاجمة شابين فلسطينيين مصلين يهوداً في كنيس قرب القدس.
الملاحظة الرئيسية التي تستحق الوقوف أمامها هي أن كثيرين ممن استنكروا العملية قدموا حججاً تحت مبررات أخلاقية صرفة تستفظع مهاجمة مكان عبادة ومتعبدين. وهذا أمر لا يمكن أن يختلف معه المرء من الناحية النظرية، وفي ظروف عادية تختلف كلياً عن وضع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال من جهة، ومن جهة ثانية ما تعيشه القدس، على وجه الخصوص، منذ توقف المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في نهاية إبريل/نيسان الماضي، وما تلا ذلك من تداعيات وتصعيد إسرائيلي نوعي بعد اختفاء المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة قرب مدينة الخليل، ومن اختطاف مستوطنين الفتى الفلسطيني، محمد أبوخضير، وقتله وحرق جثته، لم يلقوا عقاباً على جريمتهم حتى الآن.
يمكن لأي متابع أن يرصد الوضع الاستثنائي في القدس في عدة عناوين، مثل هجمة التهويد والاستيطان التي أكلت الأخضر واليابس، ووصلت، في الأشهر الأخيرة، إلى المسجد الأقصى الذي بات هدفاً يومياً للمستوطنين، وبقرار رسمي من حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم في صفوفها غلاة المستوطنين. وهنا، يمكن تسجيل أمرين مهمين.
الأول أن المواجهة في القدس باتت لا مفر منها، ولم تعد خاضعة لحسابات المنطق الشكلي، ذلك أن زحف الاستيطان وضع الفلسطيني المقدسي أمام أحد خيارين: الدفاع عن وجوده أو الرحيل. ومن يقرأ خارطة القدس، اليوم، يجد أن أهلها أصبحوا محاصرين ليس على مستوى مقدساتهم وممتلكاتهم، بل على صعيد حياتهم اليومية، فالأمر لا يقف عند احتلال وأحكام عسكرية ومصادرات أراضٍ ومنازل واستيطان، وإنما تعداه إلى حصار حياتي يومي.
والأمر الثاني أن الاستيطان الديني في القدس تنامى، في السنوات الأخيرة، على نحو كبير، ومن هنا، صارت المواجهة معه تقود حكماً إلى الاصطدام بالمؤسسة الدينية اليهودية التي تعتقد أن الفرصة سانحة، اليوم، من أجل هدم المسجد الأقصى. ومن هنا، لم يأت من فراغ تصريح نائب رئيس الكنيست، موشيه فيغلين، بعد العملية، عندما لخص الموقف بقوله "سنهدم الأقصى، ونبني الهيكل، ونطرد الفلسطينيين أو نقتلهم". ولا يعد هذا الكلام ردة فعل سريعة على العملية، بل هو يعني ما يقول، لأنه نفذ بنفسه عدة عمليات لاقتحام الأقصى خلال الشهر الحالي.
أمام هذا التصريح الخطير الصادر عن شخصية رسمية في دولة الاحتلال، لا يحتاج المرء لسرد تصريحات ومطالعات الحاخامات الذين زجّوا البعد الديني في الصراع، ومنهم يهودا غليك الذي حاول الشهيد معتز حجازي اغتياله، قبل ثلاثة أسابيع في القدس، بوصفه قائد حملة تهويد الأقصى. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية، برئاسة نتنياهو، هي التي وفرت لهؤلاء الغطاء، فإن رد الفعل الفلسطيني في القدس لا يزال بعيداً عن التوظيف الديني، ويقتصر على أعمال مقاومةٍ، طابعها الدفاع عن النفس والوجود، وهي مقاومة غير متكافئة مع الهجوم من الطرف الآخر، سواء على الأرض، أو على صعيد التغطية السياسية التي تصل إلى حد أن بعض العرب يستكثر على الفلسطيني الشهادة.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024