رابعة خط الاستواء.. لا عزاء للخنازير
في منتصف العام 2009 عاشت مصر تراجيديا البكاء المزيف على خنازيرها، حين عصفت إنفلونزا الخنازير بالمجتمع فانقسم الناس إلى فريقين: الأول مع التخلص من حظائر الحلاليف، وهو الاسم الذي يطلقه اللسان الشعبي على هذا الحيوان المقزز، والفريق الثاني يستبسل في الدفاع عن حق الخنزير في الحياة، ولم يخل الأمر حينئذ من رياح استقطاب طائفي عجيبة.. وانتهت تلك الملهاة بالانحياز لحق البشر في الحياة، فأقدمت الحكومة على تنفيذ عملية التخلص من قطعان الحنازير بإعدامها.
وفي العام 2013 وتحديداً في مثل هذه الأيام كان الفريق الذى رفض إعدام الخنازير واضعاً على وجهه كميات هائلة من أصباغ الشفقة والرفق بالحيوان، في طليعة المحرضين على إبادة عشرات الآلاف من المعتصمين سلميا في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة، ونهضة مصر بالجيزة، وهو الفريق ذاته الذي لم يهتز له رمش وهو يتابع عمليات الإبادة التي مارسها العدو الصهيوني في غزة ،بل وصفق لعصابات الاحتلال الإسرائيلي وهي تمعن في القتل والتدمير. ولم يخل الأمر هذه المرة أيضا من استقطاب سياسي وعنصري وطائفي شديد الوضاعة والبشاعة، بحيث سقطت قشرة الإنسانية عن أصحاب الوجوه الليبرالية المزيفة، أو رموز الليبرالية المتوحشة، الذين حرضوا على فض الاعتصام بوحشية يتوارى أمامها جزارو الصرب في الحرب اليوغسلافية – تسعينيات القرن الماضي- خجلا.
مأساة رابعة إذن هي خط الاستواء، هي الحد الفاصل بين الإنسانية وما دون الإنسانية، وأزعم أن شخصاً يؤيد أبشع مجزرة ضد مواطنين في تاريخ الإنسانية، حسب تقرير هيومان رايتس ووتش، لا يمكن أن يكون مهتماً أو معنياً بالتفرقة بين الخير والشر، أو بين الحق والباطل، أو بين الثورة ببهائها، والثورة المضادة بقبحها ودمامتها.
ولذلك تبقى ذكرى المذبحة شأنا يخص البشر فقط، ويؤرق سكان جمهورية الضمير الإنساني، اما هؤلاء الكذبة من رسل الإنسانية والديمقراطية المزيفين فاعيد عليهم التهنئة التي أدخلتني أتون المصادرة والمنع من النشر وأجدد لهم التحية وأقولها مرة أخرى بعد عام من المذبحة "تسلم الأيادي"
تسلم الأيادي التي اتخذت قرار ارتكاب أكبر مجزرة جماعية في التاريخ ضد المصريين، أوقعت منهم عددا من الشهداء فاق عدد ضحايا الحملة الفرنسية وحفر قناة السويس ومذابح دنشواي وبحر البقر.. عن أيادي الجنرال الببلاوي والجنرال برادعي نتحدث.
تسلم الأيادي التي ارتفعت تنادي على القوات وتناشدها سرعة الاقتحام والفض والقتل والتطهير العرقي، و فاقت في إصرارها أيادي نخبة الصرب أيام الإبادة الجماعية للبوسنة في سربرينيتشا و أخواتها في تسعينيات القرن الماضي.. عن أيادي نخبة دراكيولا وقتلة الليبرالية التترية المتوحشة نتحدث، من صنايعية أدب التصدير والأدب المحلي وأدباء الحرب، ومثقفي الحظائر المتسخة بغائط التبرير والتسويغ ومسح بلاط المستبدين القتلة في كل وقت.
تسلم الأيادي الناعمة التي استقرت في أكف الجنرالات ، تشد عليهم وتحييهم وتتغزل في رجولتهم وتستدعيها وتناشدهم تخليص البلاد من " الشعب البيئة" الذي يقف حائلا أمام تطور الدراما وانتعاش الفن.. عن أيادي إماء الفن والإعلام الطري نتحدث.
تسلم الأيادي التي امتدت لتكتب الإفك والبهتان وتصادر كل كلام يغضب القتلة والسفاحين، وتحذف وتبدل كما تشاء كي ترضي المشيئة العليا للقيادات العليا.
تسلم الأيادي التي صفقت للقوات الباسلة التي استعرضت كل فنون القتال ومهارات القنص ضد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب..
وتسلم الأفواه الملوثة بالروايات الأمنية والحناجر المزروعة بالتقارير المجهزة في مطابخ القتلة، والتي تهتف بحياة القاتل ولا تقوى على إطلاق زفرة ألم على مئات القتلى.. عن الحناجر المستآجرة للصراخ في وجه من ينطق بكلمة حق في وجه السلطة الحرام، الجائرة الباطشة القاتلة نتحدث.
تسلم الأيادي التي شخبطت على الحيطان "يسقط حكم العسكر"، وخطت "طول ما الدم المصري رخيص، يسقط أي رئيس"، ثم فجأة تحول أصحابها إلى قرود رشيقة تلهو وتلعب فوق الدبابات والمدرعات وتستقر على متنها وصولًا إلى نعيم السلطة.
تسلم الأيادي التي نقرت يوماً على الكيبورد بأن سقوط قتيل واحد يعني سقوط شرعية النظام، ثم أصيبت بالخرس والشلل عندما حصد رصاص السلطة مئات الشهداء، لأنها صارت جزءاً من سلطة مسروقة.
شكرا شيخ الأزهر.. شكراً محمد البرادعي.. وتسلم أيادي القناصة والرقاصة.. شكراً أيها الليبراليون القتلة.
وتسلم أيادي صلاح عبد الصبور الذي قال في كل ما سبق: هذا زمن الحق الضائع.