هل علاقة حماس بطهران قدَرٌ لا يُرَدّ؟
منذ مارس/ آذار الماضي، ومع زيارة أداها القياديان في حركة حماس، محمود الزهار ومروان عيسى، إلى طهران، والاتصالات التي تتخللها زيارات قائمة لمسؤولين في حركة المقاومة الإسلامية نحو العاصمة الإيرانية. بل إن تصريحات كالتي أطلقها القيادي الآخر في الحركة، إسماعيل هنية، تنبئ أن العلاقات بين الجانبين عادت إلى سابق عهدها، وهي علاقات "متينة وقوية وذات جذور". هناك أيضاً تصريحات إيرانية إيجابية، لا تتناول الأمر مباشرة، بل يتحدث أصحابها عن دعم قوى المقاومة في وجه الاحتلال.
اللافت أن من يتحدث عن عودة المياه إلى مجاريها، يغفل الحديث عن أسباب انقطاع العلاقة بين الطرفين منذ أواخر العام 2011، وعمّا إذا كانت هذه الأسباب قد زالت بالفعل، وعن الظروف أو الدواعي التي أدت، بقدرة قادر، إلى رأب الصدع أو ما يُدانيه بينهما.
بطبيعة الحال، ثمة مصالح ربطت الطرفين، فحماس بحاجة ليس فقط إلى قوة إيران ووزنها الإقليمي، بل كذلك إلى التسليح الإيراني، وقد فوجىء كثيرون، في غمرة انقطاع العلاقة بين الجانبين، بظهور أصوات تشكر إيران بعدة لغات، في أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهي الدولة الوحيدة التي تم إزجاء الشكر لها، علماً أن حماس تحدثت، في الآونة نفسها، عن صواريخ محلية الصنع، جرى استخدامها في مواجهة الحرب الصهيونية. وإضافة إلى التسليح، هناك التمويل الإيراني لحماس غير المكتوم إعلامياً، والذي لا ينفيه الجانبان، مهما تواتر الحديث عنه، وقد ترددت أحاديث شتى، خلال العامين الماضيين، عن أزمة مالية تعانيها الحركة، وتُعزى إلى وقف التمويل الإيراني حصراً. أما إيران فمن مصلحتها توثيق العلاقة مع حماس من أجل منح خطابها السياسي والإعلامي المقاوم المصداقية، وحتى لا تكون الساحة الفلسطينية بعيدة عن تأثيرها ونفوذها، علاوة على سبب أكثر أهمية، كونه يتعلق بمجريات
حسية وفعلية، وهو الحاجة الإيرانية الماسّة إلى حليف سني، أو غطاء سنّي لاجتياحها الجاري لدولٍ في المنطقة، وهو الاجتياح المحمول على تعبئة مذهبية وقومية للإيرانيين، وعلى تعبئة طائفية لشرائح اجتماعية عربية.
اختلف الطرفان، أواسط العام 2011، لاعتراض حماس على القمع الناري للاحتجاجات في سورية، وفي أجواء من الحيوية الشعبية التي اتسمت بها موجة الربيع العربي آنذاك. ونظراً لموقف طهران "الأبدي" مع نظام دمشق الذي شن حملة شعواء على حماس، جمّدت طهران علاقتها بالحركة، وهذه كانت ترى في تقدم موجة الربيع العربي تعويضاً عن خسارتها الحليف الايراني، وخصوصاً مع صعود نجم الإسلاميين في غير بلد عربي آنئذ.
ومع التغييرات التي وقعت في تونس ومصر، والحملة على جماعة الإخوان المسلمين في دول خليجية وعربية، فقد بدا هامش التحرك السياسي يضيق أمام حماس. وهو ما دفعها، إلى جانب الأزمة المالية، إلى المصالحة مع حركة فتح. وهذه الظروف هي التي تدفعها للتقرب مجدداً من طهران، مع قدر من التشجيع من حزب الله في لبنان للحركة، وهو الذي خسر الجمهور السنّي في العالم الإسلامي، نتيجة انغماسه في حرب النظام السوري على شعبه. وهو تشجيع محدود لا يخلو من فوقية، ففي خطاب السيد حسن نصر الله الذي خصصه لصمود غزة في يوليو/تموز الماضي، تم استثناء حركة حماس من الدعوة إلى المناسبة.
والآن، إذا كانت الظروف الذاتية للحركة تحملها على سلوك طريق العودة إلى "الحضن الإيراني"، فإن الظرف الإقليمي برمته الذي تشهده المنطقة، يجعل من هذا الخيار أشبه بمعاقبة النفس لا إنقاذ الذات. فإيران منشغلة كلياً بترتيبات تعظيم نفوذها في المنطقة من وراء ظهر الشعوب، وتسعى، في الوقت نفسه، إلى إصلاح علاقاتها مع الغرب، مع عدم تقديم تنازلات جوهرية في ملفها النووي، بما يمكنها من انتزاع اعتراف غربي ودولي بأمر واقع إيراني في سورية ولبنان والعراق واليمن حتى تاريخه. محاربة العدو الصهيوني لا موقع لها في هذا النشاط المحموم التوسعي. وحلفاء طهران في سورية ولبنان يمتنعون عن أي احتكاك بدولة الاحتلال، ولو من قبيل الدفاع عن النفس ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي والأجواء السورية. والمعركة الوحيدة التي تخاض تتخذ شعار "محاربة التكفيريين"، وهو شعار لا يطمس التوجه الفعلي لمحاربة البيئة السنية (الاستيلاء المنهجي المتدرج على المساجد في العراق، وآخرها المسجد الأكبر في شمالي بغداد قباء يوم 2 يناير/كانون ثاني الجاري، وهتاف ميليشيات أبو الفضل العباس بأنه غير مسموح للنواصب أن تكون لهم دور عبادة، مع شيطنة الزعماء السياسيين السنّة، ونعتهم بالإرهاب، لحرمانهم من أي دور سياسي ذي شأن في وطنهم، كذلك الحال في سورية التي تم تدمير نحو ألف مسجد فيها، فيما يجري استيلاء جماعة الحوثيين، تباعاً، على مساجد في اليمن).
وإلى ما تقدم، تشهد العلاقة الإيرانية العربية الرسمية مزيداً من الجمود والتراجع، بما يجعل طهران على خلاف مع الحكام والشعوب العربية على السواء! باستثناء الجماعات المرتبطة بها، ومعظمها ذات لون طائفي. وهذه الأجواء تجعل تجديد علاقة حماس بطهران أمراً ينطوي على خسارة سياسية مؤكدة للحركة. ومع الشكوك في
إمكانية لوجستية لتجديد التسليح الإيراني للحركة في هذه الآونة.
الأقرب إلى المنطق أن تحتفظ الحركة بعلاقة عادية غير مقيدة مع طهران، لا تسلبها حق النقد، أو الخضوع للمال السياسي. وعلى حد العلم، فإن حماس لم تولد في كنف طهران، وهذه ليست أم الحركة أو أباها، حتى يتم النظر إلى علاقة وثيقة معها وكأنها قدر لا يُردّ، أو شرط للبقاء على قيد الحياة. وأن تلتفت الحركة أكثر إلى عوامل البناء الداخلية في قطاع غزة على جميع المستويات، بما في ذلك الإسهام في تسهيل حركة إعادة الإعمار، وكذلك إعمار العلاقة بالمجتمع والاحترام الفعلي لتنوعه، وبمختلف القوى السياسية والاجتماعية في القطاع، كما في الضفة الغربية ومجتمعات الشتات، والاحتفاظ بمسافة عن بقية الحركات الإسلامية من أجل تفادي الارتدادات الإقليمية على الحركة، وبما يتناسب مع الخصوصية الوطنية لحركة فلسطينية.