06 نوفمبر 2024
قبل "حوار الرياض" بشأن الأزمة اليمنية
تنشأ الحاجة إلى حوار سياسي في بلد ما من ظروف موضوعية متعددة، تبدأ برغبة الفرقاء والخصوم المتناحرين في تفعيل العملية السياسية، واتفاقهم حول محددات وطنية، تمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية. لكن، في بلدان عربية كثيرة تعصف بها أزمات داخلية منذ سنوات، كاليمن وسورية اللتين ترتفع فيهما، من وقت إلى آخر، دعوات حوار وطني لا تساعد على إنهاء الأزمة، وإنما تسهم في إحداث جبهات وتخندقات سياسية وعسكرية، تؤجج لحرب أهلية، وتفاقم من كلفتها وفي إطالة أمدها. خبرت اليمن حواراتٍ كثيرة، بمظلة محلية أو دولية، كان آخرها الحوار الوطني الشامل الذي لم يحل الأزمة اليمنية، وإنما كان أحد الأسباب الرئيسية لنشوب حرب داخلية، قادتها جماعة الحوثي، بمساعدة قوات الجيش الموالية لعلي عبدالله صالح، وحرب خارجية بدأت بطلب الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، من المملكة العربية السعودية ودول الخليج التدخل العسكري في اليمن، لإنهاء انقلاب المتمردين وعودة الأطراف السياسية اليمنية إلى الحوار، غير أن مائدة الحوار اليمني التي طالما فشلت في لملمة تباينات الفرقاء اليمنيين لم تعد لهم وحدهم، وإنما للأطراف الإقليمية والدولية التي وجهت سير الأزمة اليمنية، وأنضجتها إلى حرب بمسارين، داخلية وإقليمية، توجت بـِ"عاصفة الحزم"؛ ومن ثم لا يقتصر الحوار في اليمن على حاجة الفرقاء اليمنيين لإنهاء الأزمة، وإنما، أيضاً، حاجة الأطراف الدولية لتوجيه هذه الأزمة، وفق مسار مصالحها، وهو السياق الذي يجب وفقه قراءة التحضير لانعقاد مؤتمر حوار يمني في الرياض (17مايو/أيار الحالي).
أثار الحوار اليمني في الرياض جدلاً كثيراً في الساحتين، اليمنية والدولية، حول دوافع المؤتمر وتوقيته وانعكاساته على الداخل اليمني؛ إلا أن نقاش كل هؤلاء يجري بالمنظور المتباعد نفسه بينهم في التعاطي مع القضية اليمنية التي تنطلق من مصالحهم السياسية، ولا تلتفت بجدية إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في اليمن جراء الحرب، وبقدر ما يمكن لحدة النقاشات أن تجذب المتابع إلى نقاط خلاف الفرقاء، بقدر ما يكشف وقوع اليمن، موضوع النقاش، في ذيل أولوية المبشرين بالمؤتمر أو الرافضين له.
لم يفكر الرئيس هادي، وهو يدعو الأطراف السياسية اليمنية إلى المشاركة في حوار الرياض، بفظاعات الحرب التي يعيشها شعبه، وتصاعد الأزمة الإنسانية، وإنما في تشكيل جبهة سياسية وعسكرية وقبلية مؤيدة له، لإضفاء مزيد من الشرعية على سلطته التي يديرها من خارج أرضه. ولذا، تلائم دواعي حوار الرياض مصالح الرئيس السياسية، كالاعتراف بشرعيته الدستورية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي لم يتفق عليها كل اليمنيين والقرارات الدولية ذات العلاقة وإعادة إعمار اليمن؛ وسرعان ما بدأت تتشكل هذه الجبهة من بعض الأحزاب ورجال الدين وزعماء القبائل والواجهات الاجتماعية التي حجّت إلى الرياض، وأعلنت تأييدها الكامل لهادي والتدخل العسكري للتحالف العربي، إلا أن المستفيد الأكبر من انعقاد حوار الرياض المملكة العربية السعودية التي تهدف إلى استثماره سياسياً، لتدعيم جبهة سياسية وعسكرية وقبلية يمنية، تمنحها الغطاء السياسي والأخلاقي للتدخل العسكري، وربما تساعدها أيضاً في حسم المعركة داخلياً لصالح حلف الرئيس هادي، ومن ورائه السعودية، كما يكرس ولاءات مختلفة للمملكة من الجيل الجديد من مشائخ القبائل والسياسيين اليمنيين، ويمنح السعودية فرصة تقديم نفسها، على الأقل للأطراف الدولية، ليس بصفتها أداة ردع في الأزمة اليمنية، بل طرفاً إقليمياً له مطلق الوصاية على اليمن من السلطة الشرعية اليمنية، ما سيسهل لها تقرير مستقبل اليمن وشكل سلطته السياسية.
في المقابل، تظهر جماعة الحوثي رأس حربة معارضة لحوار الرياض الذي يستهدفها سياسياً وعسكرياً، كونها ترفض مرجعياته، من شرعية الرئيس هادي إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وهي لن تتعاطى مع أي حوار لا يشرعن انقلابها السياسي، ويبارك ثورتها المزعومة. وعلى النقيض من جماعة الحوثي التي وضعت بيضها في سلة الحرب، يقف حزب المؤتمر الشعبي العام، الحليف الاستراتيجي للحوثيين، عسكرياً في صف الحوثيين، وتشارك قوات الجيش الموالية لصالح والحوثيين في دك المدن في تعز وعدن والضالع ولحج؛ إلا أن مجموعة من أبرز قيادات حزب المؤتمر الموالية لصالح اتجهت إلى الرياض، وأعلنت مشاركتها في الحوار تحت شرعية الرئيس هادي، في محاولة لإعادة تموضع الحزب في المرحلة المقبلة، مع المنتصر عسكرياً، سواء مع هذا الطرف أو ذاك.
أما موقف فصائل الحراك الجنوبي من حوار الرياض فيعكس شتاتها في تعاطيها مع الأزمة اليمنية، والذي ينطلق من عجزها عن إيجاد جامع جنوبي في ما بينها؛ ففي حين أعلن الرئيس الأسبق علي سالم البيض من الرياض تأييده عاصفة الحزم وانعقاد الحوار اليمني، شريطة أن يكون هناك حوار شمالي جنوبي، ومثله شخصيات جنوبية عديدة، أبرزها حيدر العطاس، في جبهة الرئيس هادي، وأعلنت مشاركتها في حوار الرياض؛ في حين رفض المجلس الأعلى للحراك المشاركة في حوار الرياض موقف الحراك المبدئي الرافض لمخرجات المؤتمر الوطني الشامل واستمرار الحوثيين وقوات صالح في قصف مدينة عدن والمحافظات الجنوبية.
وليس بعيداً عن مواقف الأطراف السياسية اليمنية المتباينة من الحوار المرتقب، تتباين أيضاً مواقف الأطراف الدولية المؤثرة في الشأن اليمني، وتعكس وصول الأزمة اليمنية إلى طريق مسدود، وتدخل القوى الإقليمية والدولية لتحديد مساراته. ففي حين تقف أميركا موقفها المحايد أو المتواطئ مع الاحتراب الداخلي و"عاصفة الحزم"، مع تأكيدها على ضرورة تدخل إيران للضغط على الحوثيين؛ لا تعترض أميركا على حوار الرياض، على الرغم من إبدائها التحفظ على اقتصار المشاركة على جبهة واحدة، وضرورة مشاركة كل أطراف الصراع، وكذا التلميح إلى ضرورة أن تراعي السعودية المجتمع الدولي، وتدعو أطراف الصراع الدولية، وخصوصاً إيران، لعلاقتها بالحوثيين. في المقابل، ترفض إيران، ومن ورائها روسيا، هذا الحوار، باعتباره يمثل جبهة واحدة، وهو من شأنه تأزيم الأوضاع أكثر في اليمن.
الحوار المبني على أسس وطنية وبرغبة حقيقية من الفرقاء بالحل، يمكنه في النهاية الإسهام في زحزحة الاختلافات، أما إدارته بخفة كهذه، ونقل الصراع إلى داخل الحوار، بدلاً من أن يكون حلاً له، كما تفعل السعودية والأطراف اليمنية المؤيدة لها، فسيحول الحوار المرتقب في الرياض إلى كرنفال سياسي مائع آخر، وسيعقّد الأزمة اليمنية، ويزيد من مقت اليمنيين المشاركين فيه.
اليمن اليوم بلد منكوب بامتياز، وكل شيء يصبح أكثر جنوناً وحزناً، من الحرب إلى فكرة الحوار، من رئيس أصبح الآن افتراضياً، ويمارس سلطته من عاصمة دولة أخرى، ويريد حواراً وفق الصيغة المرضية له، ولحلفائه في الداخل والإقليم إلى جماعة ماضوية منغلقة تؤمن بالغلبة والسلاح، من السعودية ودول الخليج التي تعلن أنها تحارب اليمنيين من أجل اليمنيين، إلى إيران التي لا ترى في كل ما يجري إلا إمكانية إغاظة السعودية؛ ولا يلتفت أي من هؤلاء فعلياً لما يعيشه اليمنيون من فظائع الحرب والنزوح والاقتتال الأهلي والمجاعة في ظلام دامس بدون كهرباء. كعادتهم، يتمنى اليمنيون لمرة، ولو يتيمة، من النخب السياسية ومن العالم أن يتحاوروا على ما يهمهم فعلاً، فلن ينفعهم أي حوار لا يفعل شيئاً سوى ترضية المتصارعين على حساب المواطنين، ولا جدوى من متحاورين، لا يفعلون شيئاً سوى تذكير اليمنيين، كم أصبحوا ضعفاء وبلا حيلة.
لم يفكر الرئيس هادي، وهو يدعو الأطراف السياسية اليمنية إلى المشاركة في حوار الرياض، بفظاعات الحرب التي يعيشها شعبه، وتصاعد الأزمة الإنسانية، وإنما في تشكيل جبهة سياسية وعسكرية وقبلية مؤيدة له، لإضفاء مزيد من الشرعية على سلطته التي يديرها من خارج أرضه. ولذا، تلائم دواعي حوار الرياض مصالح الرئيس السياسية، كالاعتراف بشرعيته الدستورية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي لم يتفق عليها كل اليمنيين والقرارات الدولية ذات العلاقة وإعادة إعمار اليمن؛ وسرعان ما بدأت تتشكل هذه الجبهة من بعض الأحزاب ورجال الدين وزعماء القبائل والواجهات الاجتماعية التي حجّت إلى الرياض، وأعلنت تأييدها الكامل لهادي والتدخل العسكري للتحالف العربي، إلا أن المستفيد الأكبر من انعقاد حوار الرياض المملكة العربية السعودية التي تهدف إلى استثماره سياسياً، لتدعيم جبهة سياسية وعسكرية وقبلية يمنية، تمنحها الغطاء السياسي والأخلاقي للتدخل العسكري، وربما تساعدها أيضاً في حسم المعركة داخلياً لصالح حلف الرئيس هادي، ومن ورائه السعودية، كما يكرس ولاءات مختلفة للمملكة من الجيل الجديد من مشائخ القبائل والسياسيين اليمنيين، ويمنح السعودية فرصة تقديم نفسها، على الأقل للأطراف الدولية، ليس بصفتها أداة ردع في الأزمة اليمنية، بل طرفاً إقليمياً له مطلق الوصاية على اليمن من السلطة الشرعية اليمنية، ما سيسهل لها تقرير مستقبل اليمن وشكل سلطته السياسية.
في المقابل، تظهر جماعة الحوثي رأس حربة معارضة لحوار الرياض الذي يستهدفها سياسياً وعسكرياً، كونها ترفض مرجعياته، من شرعية الرئيس هادي إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وهي لن تتعاطى مع أي حوار لا يشرعن انقلابها السياسي، ويبارك ثورتها المزعومة. وعلى النقيض من جماعة الحوثي التي وضعت بيضها في سلة الحرب، يقف حزب المؤتمر الشعبي العام، الحليف الاستراتيجي للحوثيين، عسكرياً في صف الحوثيين، وتشارك قوات الجيش الموالية لصالح والحوثيين في دك المدن في تعز وعدن والضالع ولحج؛ إلا أن مجموعة من أبرز قيادات حزب المؤتمر الموالية لصالح اتجهت إلى الرياض، وأعلنت مشاركتها في الحوار تحت شرعية الرئيس هادي، في محاولة لإعادة تموضع الحزب في المرحلة المقبلة، مع المنتصر عسكرياً، سواء مع هذا الطرف أو ذاك.
أما موقف فصائل الحراك الجنوبي من حوار الرياض فيعكس شتاتها في تعاطيها مع الأزمة اليمنية، والذي ينطلق من عجزها عن إيجاد جامع جنوبي في ما بينها؛ ففي حين أعلن الرئيس الأسبق علي سالم البيض من الرياض تأييده عاصفة الحزم وانعقاد الحوار اليمني، شريطة أن يكون هناك حوار شمالي جنوبي، ومثله شخصيات جنوبية عديدة، أبرزها حيدر العطاس، في جبهة الرئيس هادي، وأعلنت مشاركتها في حوار الرياض؛ في حين رفض المجلس الأعلى للحراك المشاركة في حوار الرياض موقف الحراك المبدئي الرافض لمخرجات المؤتمر الوطني الشامل واستمرار الحوثيين وقوات صالح في قصف مدينة عدن والمحافظات الجنوبية.
وليس بعيداً عن مواقف الأطراف السياسية اليمنية المتباينة من الحوار المرتقب، تتباين أيضاً مواقف الأطراف الدولية المؤثرة في الشأن اليمني، وتعكس وصول الأزمة اليمنية إلى طريق مسدود، وتدخل القوى الإقليمية والدولية لتحديد مساراته. ففي حين تقف أميركا موقفها المحايد أو المتواطئ مع الاحتراب الداخلي و"عاصفة الحزم"، مع تأكيدها على ضرورة تدخل إيران للضغط على الحوثيين؛ لا تعترض أميركا على حوار الرياض، على الرغم من إبدائها التحفظ على اقتصار المشاركة على جبهة واحدة، وضرورة مشاركة كل أطراف الصراع، وكذا التلميح إلى ضرورة أن تراعي السعودية المجتمع الدولي، وتدعو أطراف الصراع الدولية، وخصوصاً إيران، لعلاقتها بالحوثيين. في المقابل، ترفض إيران، ومن ورائها روسيا، هذا الحوار، باعتباره يمثل جبهة واحدة، وهو من شأنه تأزيم الأوضاع أكثر في اليمن.
الحوار المبني على أسس وطنية وبرغبة حقيقية من الفرقاء بالحل، يمكنه في النهاية الإسهام في زحزحة الاختلافات، أما إدارته بخفة كهذه، ونقل الصراع إلى داخل الحوار، بدلاً من أن يكون حلاً له، كما تفعل السعودية والأطراف اليمنية المؤيدة لها، فسيحول الحوار المرتقب في الرياض إلى كرنفال سياسي مائع آخر، وسيعقّد الأزمة اليمنية، ويزيد من مقت اليمنيين المشاركين فيه.
اليمن اليوم بلد منكوب بامتياز، وكل شيء يصبح أكثر جنوناً وحزناً، من الحرب إلى فكرة الحوار، من رئيس أصبح الآن افتراضياً، ويمارس سلطته من عاصمة دولة أخرى، ويريد حواراً وفق الصيغة المرضية له، ولحلفائه في الداخل والإقليم إلى جماعة ماضوية منغلقة تؤمن بالغلبة والسلاح، من السعودية ودول الخليج التي تعلن أنها تحارب اليمنيين من أجل اليمنيين، إلى إيران التي لا ترى في كل ما يجري إلا إمكانية إغاظة السعودية؛ ولا يلتفت أي من هؤلاء فعلياً لما يعيشه اليمنيون من فظائع الحرب والنزوح والاقتتال الأهلي والمجاعة في ظلام دامس بدون كهرباء. كعادتهم، يتمنى اليمنيون لمرة، ولو يتيمة، من النخب السياسية ومن العالم أن يتحاوروا على ما يهمهم فعلاً، فلن ينفعهم أي حوار لا يفعل شيئاً سوى ترضية المتصارعين على حساب المواطنين، ولا جدوى من متحاورين، لا يفعلون شيئاً سوى تذكير اليمنيين، كم أصبحوا ضعفاء وبلا حيلة.