05 يونيو 2017
الزرقاوي في مواجهة بن لادن
تكشف الوثائق التي تمت مصادرتها من مقر أسامة بن لادن، في باكستان، ونشرها الأميركيون، جوانب فكرية وسياسية مهمة من شخصيته، وربما يكون من أهم ما تكشفه الوثائق، التحول الذي طرأ على الحالة الجهادية، من طورٍ إلى آخر، والذي علّق عليه بن لادن بمرارة، في أكثر من رسالة.
قبل الحديث عن الاختلاف بين جهادية بن لادن والحالة الجهادية الراهنة، لا بد من تثبيت أمور أساسية في فكر بن لادن ورؤيته. يؤمن بن لادن بالتفسير الديني للصراع، فهو لا يراه مع أميركا والغرب، متعلقاً بالقضايا السياسية أو الاقتصادية بالدرجة الأولى، بل صدام حضارات، وصراعاً عقائدياً ضد الكفر العالمي، ممثلاً بالتحالف الصليبي اليهودي، كما يسميه، والذي يهدف إلى القضاء على الإسلام. وفي حربه على الأميركيين، لا يفرّق الرجل بين المدنيين والعسكريين، فهو يقاتل الجماعة الأميركية بأكملها، كما أنه يتوسع في التكفير، فيُكفِّر غالبية الحكومات العربية والإسلامية، لأنها موالية للكفر العالمي ممثلاً بأميركا، وفق مبدأ الولاء والبراء الذي يعتنقه بن لادن، ولأنها لا تطبق الشريعة أيضاً، إذ يهم بن لادن أن تُحْكَم بلدان المسلمين بالشريعة، وهو يسعى إلى إعادة الخلافة الإسلامية، بحسب تصوره لها، وكما تُوَضِّح ذلك رسائله الأخيرة قبل مقتله، والتي تتحدث عن الثورات العربية عام 2011، بوصفها فرصة تاريخية لإعادة الخلافة.
يمكن القول إن أبو مصعب الزرقاوي، هو الذي أحدث التحول في الحالة الجهادية، في أثناء حياة بن لادن، وبمباركته أيضاً، إذ عرض الزرقاوي، وكان زعيم جماعة التوحيد والجهاد في العراق، مبايعة بن لادن، والانضواء تحت مظلة تنظيم القاعدة، إذا وافق بن لادن والظواهري على رؤيته للعمل الجهادي في العراق، وقد شرح هذه الخطة في رسالة نُشرت تفاصيلها في الإعلام (الحياة اللندنية – 12\2\2004)، تضمنت تخطيطاً لإشعال فتنة طائفية بين الشيعة والسنة، بضرب العمق الديني والسياسي للشيعة، بلا تفريقٍ بين مدنيين وعسكريين، لاستفزازهم ودفعهم إلى محاربة السنة، فيستيقظ السنة الغافلون. وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أعلن الزرقاوي بيعته لبن لادن، وليس هناك ما هو منشور، بخصوص رد بن لادن أو الظواهري الذي دفع الزرقاوي إلى البيعة، لكن البيعة بذاتها كانت غطاءً من القاعدة لخطة الزرقاوي، وأعماله الطائفية.
مع ذلك، لا بد من تسجيل تحفظ بن لادن والظواهري على عمل الزرقاوي، ويظهر هذا في رسائل عديدة من الوثائق المنشورة أخيراً لبن لادن، كما يظهر أيضاً في رسالة الظواهري إلى الزرقاوي عام 2005، والتي فصّل فيها في الموقف من الشيعة. وعلى الرغم من أن الظواهري هاجم الشيعة بقوة، وأكد أن المواجهة معهم قادمة لا محالة، إلا أنه تحفظ على هجوم الزرقاوي على عوام الشيعة ومساجدهم، فذلك مدعاةٌ للنفور من المجاهدين، وإشغالهم عن الأميركيين. ويبدو واضحاً الاختلاف بين بن لادن والزرقاوي، لناحية التوسع في قتل المسلمين، كما أن بن لادن حذَّر من الصدام مع الحركات الإسلامية، مثل الإخوان، في رسائله بعد الربيع العربي، في حين كان وريث الزرقاوي (داعش) صدامياً ومُكفِّراً هذه الحركات.
هذه اختلافات يُتوِّجُها اختلافٌ أهم، أوجد تحولاً فعلياً في الحالة الجهادية، هو الاختلاف حول ترتيب الأولويات، فتُظهر معظم رسائل بن لادن تركيزه على العدو الخارجي (أميركا)، قبل العدو الداخلي، وقبل إقامة دولة الإسلام، ويكرر أهمية ضرب رأس الأفعى، ليتساقط أعداء الداخل لاحقاً، بل ويذهب إلى دعوة فرع اليمن، لعرض الهدنة على نظام علي عبدالله صالح، للتفرغ لقتال الأميركيين، ويبدي انزعاجه، وهو البعيد الذي لم يعد قادراً على السيطرة، من تركيز بعض فروع القاعدة، على المعارك الداخلية. الزرقاوي هو أول من ضرب هذه الأولوية، بتركيزه على عدو الداخل، المتمثل "بالرافضة" والمرتدين (وهو توصيف يشمل قطاعاً سنياً واسعاً)، قبل المواجهة مع أميركا، وهو ما كرره أبو عمر البغدادي، ثم أبو بكر البغدادي، في الخطاب والممارسة.
مع السعار الطائفي في المنطقة، الذي ساهم الزرقاوي في صنعه (مع الاحتلال الأميركي)، انقلبت أولويات الجهاديين، واليوم، يقوم أبناء الزرقاوي، في تنظيم داعش، وجبهة النصرة، اللّذَين يعتبران الزرقاوي مرجعهما الأساسي، على الرغم من اختلافهما التنظيمي، بتسعير الحرب في المشرق العربي، ويصل بعض الجهاديين، في تغيير أولوياتهم، إلى العمل مع بعض حلفاء أميركا في المنطقة، كما تفعل النصرة (الأكثر براغماتية من داعش)، وتنقسم مجموعة كبيرة من جمهور الإسلام السياسي في المنطقة، بين سلفيين راديكاليين مؤيدين لداعش، وتيارٍ إخواني (ومعه ملاحقه) يؤيد النصرة التي تجري محاولة تبييض صفحتها أمام الغرب، ويتعهد زعيمها بعدم الانطلاق من الشام لضربه، ويسوّق لها بعضهم، وكأنها جبهة تنويرية ليبرالية، بينما هي قد تختلف عن داعش في الدرجة، لا النوع، إذ هي ملتزمة بالخطاب الطائفي، وقتل المدنيين.
في المحصلة، تعمل جهادية أبناء الزرقاوي على تفتيت المجتمعات العربية، بإحداث الفوضى المؤدية إلى الاحتراب الأهلي والطائفي، ولا يمكن مواجهة تمددها، من دون رفضها بالجملة، ورفض ما تنتجه من خراب، إذ لا يستطيع من يؤيدها في مكان، ويرفضها في مكانٍ آخر، أن يُقنعنا بحرصه على صدِّ خطرها الداهم.
يمكن القول إن أبو مصعب الزرقاوي، هو الذي أحدث التحول في الحالة الجهادية، في أثناء حياة بن لادن، وبمباركته أيضاً، إذ عرض الزرقاوي، وكان زعيم جماعة التوحيد والجهاد في العراق، مبايعة بن لادن، والانضواء تحت مظلة تنظيم القاعدة، إذا وافق بن لادن والظواهري على رؤيته للعمل الجهادي في العراق، وقد شرح هذه الخطة في رسالة نُشرت تفاصيلها في الإعلام (الحياة اللندنية – 12\2\2004)، تضمنت تخطيطاً لإشعال فتنة طائفية بين الشيعة والسنة، بضرب العمق الديني والسياسي للشيعة، بلا تفريقٍ بين مدنيين وعسكريين، لاستفزازهم ودفعهم إلى محاربة السنة، فيستيقظ السنة الغافلون. وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أعلن الزرقاوي بيعته لبن لادن، وليس هناك ما هو منشور، بخصوص رد بن لادن أو الظواهري الذي دفع الزرقاوي إلى البيعة، لكن البيعة بذاتها كانت غطاءً من القاعدة لخطة الزرقاوي، وأعماله الطائفية.
مع ذلك، لا بد من تسجيل تحفظ بن لادن والظواهري على عمل الزرقاوي، ويظهر هذا في رسائل عديدة من الوثائق المنشورة أخيراً لبن لادن، كما يظهر أيضاً في رسالة الظواهري إلى الزرقاوي عام 2005، والتي فصّل فيها في الموقف من الشيعة. وعلى الرغم من أن الظواهري هاجم الشيعة بقوة، وأكد أن المواجهة معهم قادمة لا محالة، إلا أنه تحفظ على هجوم الزرقاوي على عوام الشيعة ومساجدهم، فذلك مدعاةٌ للنفور من المجاهدين، وإشغالهم عن الأميركيين. ويبدو واضحاً الاختلاف بين بن لادن والزرقاوي، لناحية التوسع في قتل المسلمين، كما أن بن لادن حذَّر من الصدام مع الحركات الإسلامية، مثل الإخوان، في رسائله بعد الربيع العربي، في حين كان وريث الزرقاوي (داعش) صدامياً ومُكفِّراً هذه الحركات.
هذه اختلافات يُتوِّجُها اختلافٌ أهم، أوجد تحولاً فعلياً في الحالة الجهادية، هو الاختلاف حول ترتيب الأولويات، فتُظهر معظم رسائل بن لادن تركيزه على العدو الخارجي (أميركا)، قبل العدو الداخلي، وقبل إقامة دولة الإسلام، ويكرر أهمية ضرب رأس الأفعى، ليتساقط أعداء الداخل لاحقاً، بل ويذهب إلى دعوة فرع اليمن، لعرض الهدنة على نظام علي عبدالله صالح، للتفرغ لقتال الأميركيين، ويبدي انزعاجه، وهو البعيد الذي لم يعد قادراً على السيطرة، من تركيز بعض فروع القاعدة، على المعارك الداخلية. الزرقاوي هو أول من ضرب هذه الأولوية، بتركيزه على عدو الداخل، المتمثل "بالرافضة" والمرتدين (وهو توصيف يشمل قطاعاً سنياً واسعاً)، قبل المواجهة مع أميركا، وهو ما كرره أبو عمر البغدادي، ثم أبو بكر البغدادي، في الخطاب والممارسة.
مع السعار الطائفي في المنطقة، الذي ساهم الزرقاوي في صنعه (مع الاحتلال الأميركي)، انقلبت أولويات الجهاديين، واليوم، يقوم أبناء الزرقاوي، في تنظيم داعش، وجبهة النصرة، اللّذَين يعتبران الزرقاوي مرجعهما الأساسي، على الرغم من اختلافهما التنظيمي، بتسعير الحرب في المشرق العربي، ويصل بعض الجهاديين، في تغيير أولوياتهم، إلى العمل مع بعض حلفاء أميركا في المنطقة، كما تفعل النصرة (الأكثر براغماتية من داعش)، وتنقسم مجموعة كبيرة من جمهور الإسلام السياسي في المنطقة، بين سلفيين راديكاليين مؤيدين لداعش، وتيارٍ إخواني (ومعه ملاحقه) يؤيد النصرة التي تجري محاولة تبييض صفحتها أمام الغرب، ويتعهد زعيمها بعدم الانطلاق من الشام لضربه، ويسوّق لها بعضهم، وكأنها جبهة تنويرية ليبرالية، بينما هي قد تختلف عن داعش في الدرجة، لا النوع، إذ هي ملتزمة بالخطاب الطائفي، وقتل المدنيين.
في المحصلة، تعمل جهادية أبناء الزرقاوي على تفتيت المجتمعات العربية، بإحداث الفوضى المؤدية إلى الاحتراب الأهلي والطائفي، ولا يمكن مواجهة تمددها، من دون رفضها بالجملة، ورفض ما تنتجه من خراب، إذ لا يستطيع من يؤيدها في مكان، ويرفضها في مكانٍ آخر، أن يُقنعنا بحرصه على صدِّ خطرها الداهم.