المهنة: كاذب ومحرِّف سياسي
تستضيف "الجزيرةُ"، المؤتفكةَ ألدّ أعداء الربيع العربي، وألد أعداء قطر أيضاً، وفاءً لشعار "الرأي والرأي الآخر"، فيشتمون الربيع وثورات "الكنتاكي" و"حبوب الهلوسة" على فضائية العرب الأولى. ويتهمون قطر بالتآمر على سورية ومصر بين ظهراني القطريين، ويعودون مكرمَّين مع مكافأة مجزية! الفضائيات "الوطنية" الاستبدادية يستحيل أن تستضيف ضيوفاً من فريق الرأي الآخر، مع أنهم مواطنون وليسوا ضيوفاً. وإن فعلت، فهي تختارهم بالأشعة السينية، معارضين معقمين وسكر زيادة ومرنين و"ستريتش"، ويتخذون أسماء مركبة وحميدة، مثل "الجبهة الوطنية التقدمية" و"التيار الشعبي". يقدم المذيع الضيف بلقب الفخامة: كاتب ومحلل سياسي! والأولى به صفة: كاذب ومحرِّف سياسي. فهو سفيه و"دجال ركن"، ما يجعل اللقاء فقرة في سيرك تلفزيوني، يلعب فيه الضيف بالكلمات، ويجعل المنطق ميتاً تحت التعذيب بسياط السفاهة.
تلفزيونات المؤتفكات "الوطنية" تتجنب استضافة أي معارض حقيقي، وهي إن فعلت، فهو معارض مهذب، خنثى سياسياً، يمشي منحنياً تحت سقف الوطن الواطئ، وسماء البوط العسكري، إنه ممثل كومبارس، يؤدي دوراً في مسلسل الحكم، ويتحدث عن بعض الأخطاء الفردية، ربما عن استبداد بعض الأجهزة الضالة التي ستعاقبها بقطع المكافآت، لكن خطابه منصبٌ على المؤامرة الصهيونية الأميركية القطرية التركية المريخية الأورانوسية.. وبقية سكان الكواكب الأخرى.
وهكذا، سنرى الضيف المؤتفك يدخل الفيل في ثقب إبرة، ويخرجه أرنباً، فهو في أحد اللقاءات يتباهى بالشهداء والأضاحي في سبيل الوطن، ويؤكد أنّ عددهم مائة ألف عداً ونقداً، ثم ينكره في لقاء ثان، ويزعم أنه مجاز لغوي، ومبالغة شعرية، ولزوم القافية السياسية. وهو، في لقاء آخر، ينكر إسقاط البراميل على الشعب السوري، وهو ما تنقله الصور يومياً. لكن، بما أنّ الأمم المتحدة لم تقرر بعد أن تصنف البراميل في جنس الأسلحة، وتعتبرها مثل سكاكر العيد، أو ألعاباً نارية، فلا بأس من إنكارها. والأدهى أنّ السفيه، بطل السيرك السياسي اليومي في نشرات الأخبار، يدّعي أنّ من يسقطها تركيا والسعودية وقطر! وكان على المذيع أن يجادله، فإذا كانت الحكومة السورية سترد على إسرائيل في الوقت المناسب، فالأولى أن تعلن الإعلان نفسه بخصوص الطائرات التركية والسعودية والقطرية التي تقصف الشعب السوري بالبراميل، أم أنّ النظام سعيد بهذا القصف الذي ينتهك قدسية سماء سورية يومياً، ويقصف الحلفاء "السنّة"!
لكن، لِمَ تتجنب تلفزيونات حكومات الاستبداد استضافة معارضين حقيقيين؟ هناك سبب رئيسي هو أنّ تلفزيوناتها مقدسة، ومثل بيت العنكبوت، لا يطأ زجاجها إلا الموالون، وهي موجهة لمواليها، المصابين بمرض ناعور الذعر، ذوي المعنويات الهشة التي قد تجفّ برؤية معارض على التلفزيون الوطني المقدس. السبب الثاني أنه لا يوجد معارضون في البلد، فهؤلاء موتى غالباً، أو محكومون بالموت. الثالث أن إظهار المعارض على وسائل الإعلام يعتبر اعترافاً به. والرابع، إن قبلت الحكومة بمعارض، فإنّ الموالين بسبب التحريض الدائم والنزعة الافتراسية سيفترسونه في الشارع، حال خروجه من استوديو المؤتفكات.
كان حافظ الأسد رائداً معلماً في هذا الفن، مثل بقية الطغاة، عندما زعم في واحدةٍ من خطبه الشهيرة أنّ الأحكام العرفية وقانون الطوارئ هي لحماية الغابات والأشجار من الحرق وضربة الشمس! وليته حوّل البلاد إلى غابات، لكنا حمدناه عليها، وتدفأ السوريون على الخشب، بعد أن صادرت داعش آبار الزيت. فإذا سافرت من دمشق إلى القامشلي، يمكنك أن تعدَّ الأشجار الخضراء على الطريق عداً. ولن تجد من حمص إلى القامشلي شجرة واحدة تحمد مكرمات قانون الطوارئ، فالقانون كان لحرق البشر، وحماية القصر، لا حماية الشجر! فحتى الهراوات وصناديق الاستفتاء كانت تستورد من الخارج!
قاتلهم الله أنّى يؤفكون..