06 نوفمبر 2024
تعز... حياة المعابر والحصار
تتشابه ليالي القصف ونهارات الحصار في مدينة تعز اليمنية التي تعيش، منذ أكثر من تسعة أشهر، حرباً متواصلةً بلا هدنة، حرباً ليس أسوأ ما فيها قصف منازل المدنيين، ولا غارات تحصد كل يوم مزيداً من الأرواح، وإنما حرباً قذرة، ابتكرت فيها مليشيات الحوثي والقوات التابعة لعلي عبدالله صالح طرقاً عديدة في عقاب المواطنين وإذلالهم، وفرض حصار خانق على المدينة، وتحويلها إلى منطقة شبة عسكرية، بتسعة منافذ محاصرة بمتاريس اسمنتية، تمنع السكان من جلب مستلزمات الحياة اليومية، كل يوم بالنسبة للأهالي العالقين في تعز، والذين لم يشهدوا في تاريخهم، وتاريخ آبائهم وأجدادهم، عنفاً ممنهجاً يطالهم بهذه القسوة والعدوانية، كل يوم بالنسبة لهم ملحمة شاقة، لكسر الحصار ومواجهة العزل العسكري والاقتصادي المفروض عليهم. في تعز، تصبح المقاومة فعلاً سلمياً ينتصر للحياة، ويقاوم كل أشكال الموت عبر اختراع طرق ملتوية للنجاة من مصيرٍ محزن.
الرحلة اليومية الاضطرارية التي يقطعها الأهالي، لكسر الحصار وجلب احتياجاتهم، شاقة ومحفوفة بالمخاطر، وتحتم عليهم اجتياز مسافات طويلة، واختراق قرى جبل صبر الشاهق. ويمشي القادرون على السير، جماعات أو فرادى، على الأقدام أو ممتطين الحمير، مجتازين مفازات مهلكة، وممرات وعرة، لا يقطعها بشر، تستغرق الرحلة أكثر من ثلاث ساعات، إذا حالفهم الحظ، ولم يكونوا حاملين مرضى على ظهورهم، ولم تعترض طريقهم قذائف مليشيات الحوثي من القرى المجاورة، ويبدأ طريق كسر الحصار من منطقة صينه، ثم الكشار والمحرس وحدنان وحدابة والمساليه ومشرعه، ومن منطقة المنهال، يتعرج الطريق، ويصبح أكثر وعورة، ثم يجتازون منطقة أطقم السود والمرادع وطالوق والنبق، ثم الضباب ومفرق جبل حبشي والقحاف والقحوف ومفرق البيرين ومفرق النشمه، أو وصولا إلى مدينة التربة، حيث يتزودون باحتياجاتهم، ويحملون الأدوية وأسطوانات الأوكسجين والغذاء والغاز، أو يعالجون مرضاهم، بعد إغلاق مستشفى "الثورة" أكبر مستشفيات المدينة، ثم يعودون، عبر الطرق نفسها، مجتازين المخاطر نفسها والعناء، متجنبين، ما أمكنهم ذلك، جلب احتياجاتهم من معبر الدحي.
معبر الدحي، أو معبر الموت كما يسميه أهالي المدينة، حكاية أخرى من حكايا الحرب والحصار، إذ يجتنب الأهالي عبور هذا المنفذ القريب في وسط المدينة، فأبسط الطرق قد تؤدي إلى موت سريع، وهذا ما يحدث كل يوم في معبر الدحي، فعدا عن الذل والإهانة والانتظار الطويل وإطلاق الرصاص من مليشات الحوثي وقوات صالح لاستعراض القوة، أو لتفريق طوابير المواطنين المنتظرين أمام المعبر، يكون الموت محققاً من القناصين. لم يعرف أهالي المدينة في ذاكراتهم المعابر، إلا في ظل هذه الحرب، واستحداث مليشيات الحوثي والقوات
التابعة لصالح معابر لتفتيش الأهالي وإهانتهم؛ فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر، بعد سيطرتهم على منطقة الدحي وبير باشا، أقامت مليشات الحوثي وصالح معبر الدحي، وشيّدوا فيها متاريس اسمنتية ونقطة عسكرية، إضافة إلى قناصين في البيوت المطلة على المعبر، ويقف في معبر الدحي رجال المليشيات، مدعومين بقوات إسناد من جيش صالح، مانعين الأهالي من اجتياز المنفذ إلى سوق بير باشا لجلب احتياجاتهم. ويخضع عبور الأهالي، أو منعهم، لمزاجية العسكر والمليشيا الذين لا يكتفون بمنع الأهالي من العبور، بل يقومون بإهانتهم وتفتيشهم بشكل مستفز. وفي أحيان كثيرة، يخضع الرجال والنساء والأطفال إلى إذلال يومي، قد ينتهي بفقدان ما حملوه من مواد غذائية، وحرمانهم من احتياجاتهم. ليس الإذلال اليومي والإهانة والمنع أسوأ ما يواجه الأهالي في معبر الدحي، بل إن فرص فقدانهم للحياة كبيرة، فقد يكون حال أي واحد منهم مشابهاً لما تعرّض له محمد هزاع الذي جازف بحياته، لجلب الغذاء لأسرته، لكن الرصاصة كانت أسرع من رغبته في النجاة، ليقتل اعتباطاً في ظهيرة 23 ديسمبر/كانون الأول في منطقة الدحي، قبل نجاحه في العبور من معبر الدحي إلى ضفة الأمان.
مؤلمة وكثيرة قصص الموت القادمة من معبر الدحي، عن طريق القنص، أو بسبب عجز المسعفين عن الوصول إلى المستشفى، ووصل عدد ضحايا المعبر إلى أرقام مفزعة، إلى حد تفضيل الأهالي المحاصرين الدوران حول المدينة، واجتياز جبل صبر بقراه الكثيرة ووهاده القاتلة، على المجازفة بالمرور من معبر الدحي. على الرغم من هذه المأساة الإنسانية، لا يزال العالم يتصرف وكأنه لا يعرف أن مليشيات الحوثي وصالح حاصروا المدينة، وطوقوها عبر تسعة منافذ في بداية الحرب، ثم أغلقوا جميع المنافذ، عدا منفذ الدحي، طوال الأشهر الأخيرة، وأن هذا المنفذ اليوم يغلق ويفتح ساعات محدودة، وبحسب ما تراه المليشيا.
الحرب بلا أخلاق بالمطلق، مهما حاولنا أنسنتها، أو إضفاء قدر من المعقولية على مساراتها، وتكييف القوانين اللازمة لحماية حياة المدنيين، وتجنيبهم المآسي والانتهاكات، لا نستطيع، فالفوضى التي تتسبب بها الحرب أكبر من قدرة أي كائن على السيطرة على محارقها التي تطاول الأبرياء فقط؛ لكن ما يحدث في تعز، وما يستمر في الحدوث يوماً بعد آخر، هو جرائم ترتكبها مليشات الحوثي وصالح في استهداف مباشر للمدنيين، ومنعهم من الحياة. في تعز، يموت الأطفال، اليوم، بسبب انعدام الأوكسجين، ويزيد عدد الحالات على أكثر من 18 حالة، عدا القتلى وضحايا الحصار والمفقودين.
في تعز، انعدمت المواد الغذائية، بسبب الحصار المفروض عليها، ووصل سعر كيلو الطماطم (إن وجد) إلى 1.500 ريال (7 دولارات تقريباً). وقد أكد، أخيراً، بيان منظمة الغذاء العالمي، على الرغم من كونه خجولاً، منع الحوثيين وقوات صالح دخول المساعدات إلى المدينة، وحجزها في المنافذ أو توزيعها على جيوب الجماعة في أرياف المدينة، على الرغم من أن أهم إجرءات بناء الثقة التي نصت عليها مفاوضات جنيف الثانية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي وصالح على السماح بإدخال المساعدات الإغاثية إلى المدينة التي تشهد حالة مجاعة محققة، إلا أن جماعة الحوثي وصالح لم يرضخا لكل بيانات المناشدة، وكل الفعاليات الاحتجاجية لوقف المآسي الإنسانية في تعز، بل يصر تحالف الحرب الداخلية، بكل بجاحة، على إنكار جرائمهم في مدينة تعز، وفي مقدمتها جريمة فرض حصار خانق على المدينة وأهلها .
فاقت معاناة أبناء مدينة تعز أي تصور لاستيعاب حجم الأذى والإهانة التي يتعرّضون لها كل يوم، في مسعاهم المقدس إلى الانتصار على تبعات التنكيل والقتل والحصار، وصمت العالم الذي يتابع أحداثاً أهم من موت أربعة ملايين، لم تعد تغنيهم المناشدات، ولا تسمنهم من جوع.
الرحلة اليومية الاضطرارية التي يقطعها الأهالي، لكسر الحصار وجلب احتياجاتهم، شاقة ومحفوفة بالمخاطر، وتحتم عليهم اجتياز مسافات طويلة، واختراق قرى جبل صبر الشاهق. ويمشي القادرون على السير، جماعات أو فرادى، على الأقدام أو ممتطين الحمير، مجتازين مفازات مهلكة، وممرات وعرة، لا يقطعها بشر، تستغرق الرحلة أكثر من ثلاث ساعات، إذا حالفهم الحظ، ولم يكونوا حاملين مرضى على ظهورهم، ولم تعترض طريقهم قذائف مليشيات الحوثي من القرى المجاورة، ويبدأ طريق كسر الحصار من منطقة صينه، ثم الكشار والمحرس وحدنان وحدابة والمساليه ومشرعه، ومن منطقة المنهال، يتعرج الطريق، ويصبح أكثر وعورة، ثم يجتازون منطقة أطقم السود والمرادع وطالوق والنبق، ثم الضباب ومفرق جبل حبشي والقحاف والقحوف ومفرق البيرين ومفرق النشمه، أو وصولا إلى مدينة التربة، حيث يتزودون باحتياجاتهم، ويحملون الأدوية وأسطوانات الأوكسجين والغذاء والغاز، أو يعالجون مرضاهم، بعد إغلاق مستشفى "الثورة" أكبر مستشفيات المدينة، ثم يعودون، عبر الطرق نفسها، مجتازين المخاطر نفسها والعناء، متجنبين، ما أمكنهم ذلك، جلب احتياجاتهم من معبر الدحي.
معبر الدحي، أو معبر الموت كما يسميه أهالي المدينة، حكاية أخرى من حكايا الحرب والحصار، إذ يجتنب الأهالي عبور هذا المنفذ القريب في وسط المدينة، فأبسط الطرق قد تؤدي إلى موت سريع، وهذا ما يحدث كل يوم في معبر الدحي، فعدا عن الذل والإهانة والانتظار الطويل وإطلاق الرصاص من مليشات الحوثي وقوات صالح لاستعراض القوة، أو لتفريق طوابير المواطنين المنتظرين أمام المعبر، يكون الموت محققاً من القناصين. لم يعرف أهالي المدينة في ذاكراتهم المعابر، إلا في ظل هذه الحرب، واستحداث مليشيات الحوثي والقوات
مؤلمة وكثيرة قصص الموت القادمة من معبر الدحي، عن طريق القنص، أو بسبب عجز المسعفين عن الوصول إلى المستشفى، ووصل عدد ضحايا المعبر إلى أرقام مفزعة، إلى حد تفضيل الأهالي المحاصرين الدوران حول المدينة، واجتياز جبل صبر بقراه الكثيرة ووهاده القاتلة، على المجازفة بالمرور من معبر الدحي. على الرغم من هذه المأساة الإنسانية، لا يزال العالم يتصرف وكأنه لا يعرف أن مليشيات الحوثي وصالح حاصروا المدينة، وطوقوها عبر تسعة منافذ في بداية الحرب، ثم أغلقوا جميع المنافذ، عدا منفذ الدحي، طوال الأشهر الأخيرة، وأن هذا المنفذ اليوم يغلق ويفتح ساعات محدودة، وبحسب ما تراه المليشيا.
الحرب بلا أخلاق بالمطلق، مهما حاولنا أنسنتها، أو إضفاء قدر من المعقولية على مساراتها، وتكييف القوانين اللازمة لحماية حياة المدنيين، وتجنيبهم المآسي والانتهاكات، لا نستطيع، فالفوضى التي تتسبب بها الحرب أكبر من قدرة أي كائن على السيطرة على محارقها التي تطاول الأبرياء فقط؛ لكن ما يحدث في تعز، وما يستمر في الحدوث يوماً بعد آخر، هو جرائم ترتكبها مليشات الحوثي وصالح في استهداف مباشر للمدنيين، ومنعهم من الحياة. في تعز، يموت الأطفال، اليوم، بسبب انعدام الأوكسجين، ويزيد عدد الحالات على أكثر من 18 حالة، عدا القتلى وضحايا الحصار والمفقودين.
في تعز، انعدمت المواد الغذائية، بسبب الحصار المفروض عليها، ووصل سعر كيلو الطماطم (إن وجد) إلى 1.500 ريال (7 دولارات تقريباً). وقد أكد، أخيراً، بيان منظمة الغذاء العالمي، على الرغم من كونه خجولاً، منع الحوثيين وقوات صالح دخول المساعدات إلى المدينة، وحجزها في المنافذ أو توزيعها على جيوب الجماعة في أرياف المدينة، على الرغم من أن أهم إجرءات بناء الثقة التي نصت عليها مفاوضات جنيف الثانية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي وصالح على السماح بإدخال المساعدات الإغاثية إلى المدينة التي تشهد حالة مجاعة محققة، إلا أن جماعة الحوثي وصالح لم يرضخا لكل بيانات المناشدة، وكل الفعاليات الاحتجاجية لوقف المآسي الإنسانية في تعز، بل يصر تحالف الحرب الداخلية، بكل بجاحة، على إنكار جرائمهم في مدينة تعز، وفي مقدمتها جريمة فرض حصار خانق على المدينة وأهلها .
فاقت معاناة أبناء مدينة تعز أي تصور لاستيعاب حجم الأذى والإهانة التي يتعرّضون لها كل يوم، في مسعاهم المقدس إلى الانتصار على تبعات التنكيل والقتل والحصار، وصمت العالم الذي يتابع أحداثاً أهم من موت أربعة ملايين، لم تعد تغنيهم المناشدات، ولا تسمنهم من جوع.