24 أكتوبر 2024
"النهضة" و"الحراك" في تونس... خلاف بعد تحالف
لم تكن العلاقة بين الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، وقيادات حركة النهضة من قبيل التحالفات الطارئة ما بعد الثورة، وإنما هي نتاج نضالاتٍ مشتركة زمن حكم الاستبداد، حيث جمعت المنافي بين هذه الأطراف. وحين تأسس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سنة 2001، بزعامة المرزوقي، كانت النشاطات الموجهة ضد نظام الحكم الاستبدادي للرئيس المخلوع بن علي قاسماً مشتركاً بين حزبي المؤتمر والنهضة.
وبعد نجاح ثورة 2011 في إطاحة رأس النظام في تونس، شكّلت انتخابات المجلس التأسيسي لحظةً فارقةً، حين تشكل تحالف حزبي، تولى بمقتضاه المنصف المرزوقي منصب الرئاسة، فيما كانت حركة النهضة تستأثر بموقع رئاسة الحكومة الائتلافية التي جمعت وزراء من ثلاثة أحزاب، المؤتمر والنهضة وحزب التكتل من أجل العمل والحريات برئاسة مصطفى بن جعفر الذي تولى حينها منصب رئيس المجلس التأسيسي.
وفي الانتخابات التي جرت سنة 2014، وعلى الرغم من تراجع حزب المؤتمر، وفقدانه غالبية مقاعده في مجلس النواب التونسي، حظي المرزوقي بالقسم الأكبر من أصوات جمهور حركة النهضة، الأمر الذي منحه فرصة المرور إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، والخروج بنسبةٍ محترمةٍ من أصوات الناخبين، غير أن هذا التحالف السياسي بدأ تدريجياً في التفكك، انطلاقا من اللحظة التي اختارت فيها حركة النهضة التحالف مع حزب نداء تونس والمشاركة في الحكومة.
كان لحركة النهضة حساباتها السياسية الخاصة خارج منطق المعارضة الذي تبنّاه المنصف المرزوقي وحزبه (في مرحلتيه المتتاليتين، المؤتمر وحراك تونس الإرادة)، فقد اختارت نهج التوافقات، على أساس أن المرحلة الحالية من الانتقال الديمقراطي لا تتحمل التجاذبات أو الصراعات السياسية الحادة، خصوصاً بين القوى الحزبية الكبرى. وإن كان بعضهم يعيد جذور التحالف مع حزب نداء تونس إلى لقاء باريس بين زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، وزعيم الحزب، الباجي السبسي (جرى قبل انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، ثم استمر بعد الانتخابات، في الحضور الجزئي للحركة في حكومة الحبيب الصيد، ثم حكومة يوسف الشاهد.
وقد بدأت تظهر انتقادات المنصف المرزوقي لتوجهات "النهضة" لتأخذ منحىً حادّاً، خصوصاً
فيما يتعلق بتحالفها مع من سماه "النظام القديم"، مؤكّدا أن من حق الحركة أن تعيد رسم توجهاتها. ولكن كان عليها أن تخبر حلفاءها السابقين بتغيير خياراتها وبرامجها. وكان من اللافت غياب المرزوقي عن المؤتمر العاشر لحركة النهضة، وقد اعتبر أن حضوره كان سيصير نفاقاً، والنفاق ليس من طبعه، ولن يكون، كما قال. وقد اعتبر الأمين العام لحزب حراك تونس الإرادة، عدنان المنصر، أن الغنوشي طال عليه العهد، ونسي تفاصيل كثيرة، والأكيد أن المرزوقي لم يغدر شعبه، ولم يمض الاتفاقات السرية بعيداً عن أعين شعبه وأعين أبناء حزبه، ملمحا بذلك إلى لقاء باريس بين الغنوشي والسبسي، وما يتداوله بعضهم عن وجود اتفاق غير معلن بين الطرفين للتعاون سياسياً.
ظلت حركة النهضة، في المقابل، تحاول تجنب الدخول في صراع لفظيٍّ مع قيادات حزب الحراك، على الرغم من أن تصريحاتٍ كثيرة صادرة عنها تشير إلى حصول قطيعةٍ بين الطرفين، وتحميل المرزوقي مسؤولية الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية، عندما كان رئيسا للجمهورية، بل والتشكيك في ما صرح به عن إفشاله محاولةً انقلابيةً، كان يتم الإعداد لها في أثناء حكم الترويكا، حيث قال الغنوشي إنه لا شيء يؤكد هذا الأمر، والجيش التونسي لا يستحق مثل هذه التهمة، لأنه حمى المسار الديمقراطي. وبغض النظر عن حرب التصريحات من الجانبين، والتي تكشف عن احتقان في المواقف، فإن من الأكيد أن التحالف الذي كان بين "النهضة" و"الحراك" وصل إلى نهايته، على الأقل في المرحلة الحالية، وذلك لعدة أسباب يمكن إيجازها في الآتي:
الخلاف في تقييم المرحلة، فبينما ترى "النهضة" أنه ينبغي تكثيف الجهود من أجل إنجاح المرحلة الانتقالية، من خلال التوافق بين القوى الحزبية الكبرى، مهما تنوعت مشاربها، يرى قيادات "الحراك" أن الأمر يتعلق بعودة قوى الثورة المضادة إلى الحكم، وأن التحالف معها يمنحها الفرصة لمزيد التغوّل والسيطرة على أجهزة الدولة، واستعادة نفوذها الذي فقدته بفعل الثورة.
التفاوت في المواقع، حيث وجدت "النهضة" نفسها بعد انتخابات 2014 القوة السياسية الثانية
في البلاد، في مقابل ضعف الحضور البرلماني والسياسي للقوى الثورية والأحزاب الحليفة التي كانت تنسّق معها في مرحلة المجلس التأسيسي، الأمر الذي يفرض عليها، وفق تصوّرها أن تعيد حساباتها، وأن تتموقع من جديد ضمن الخارطة السياسية، للحفاظ على ما تعتبرها مكاسب سياسية، تم تحقيقها في أثناء حكم الترويكا. في المقابل، يعتبر حزب الحراك أن انضمام "النهضة" إلى الحكم أضعف جبهة المعارضة، ومنح الفرصة للنظام القديم لإعادة التشكل، ومزيد من الهيمنة، مستغلا الأغلبية البرلمانية التي تمنحها له حركة النهضة من خلال نوابها في المجلس.
ومهما كان عمق الخلاف بين الطرفين، يكشف ما يجري من صراع بين القوى السياسية في تونس عن مدى سرعة التحولات الحاصلة في المشهد السياسي التونسي، وإمكانية تغير المواقع، وتبدل التحالفات بين القوى المختلفة، بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية أو الفكرية، الأمر الذي يعني أن ما نراه اليوم ليس الصورة النهائية التي ستستقر عليها الأمور، وإنما تظل المواقف السياسية رهينة التحولات الانتخابية المقبلة التي قد تعيد تشكيل المشهد السياسي برمته، إذا تغيّر مزاج الناخبين في تونس، وهو أمر وارد في كل الأحوال، خصوصاً في ظل الفشل الحكومي الواضح الذي يتابعه الجميع.
وبعد نجاح ثورة 2011 في إطاحة رأس النظام في تونس، شكّلت انتخابات المجلس التأسيسي لحظةً فارقةً، حين تشكل تحالف حزبي، تولى بمقتضاه المنصف المرزوقي منصب الرئاسة، فيما كانت حركة النهضة تستأثر بموقع رئاسة الحكومة الائتلافية التي جمعت وزراء من ثلاثة أحزاب، المؤتمر والنهضة وحزب التكتل من أجل العمل والحريات برئاسة مصطفى بن جعفر الذي تولى حينها منصب رئيس المجلس التأسيسي.
وفي الانتخابات التي جرت سنة 2014، وعلى الرغم من تراجع حزب المؤتمر، وفقدانه غالبية مقاعده في مجلس النواب التونسي، حظي المرزوقي بالقسم الأكبر من أصوات جمهور حركة النهضة، الأمر الذي منحه فرصة المرور إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، والخروج بنسبةٍ محترمةٍ من أصوات الناخبين، غير أن هذا التحالف السياسي بدأ تدريجياً في التفكك، انطلاقا من اللحظة التي اختارت فيها حركة النهضة التحالف مع حزب نداء تونس والمشاركة في الحكومة.
كان لحركة النهضة حساباتها السياسية الخاصة خارج منطق المعارضة الذي تبنّاه المنصف المرزوقي وحزبه (في مرحلتيه المتتاليتين، المؤتمر وحراك تونس الإرادة)، فقد اختارت نهج التوافقات، على أساس أن المرحلة الحالية من الانتقال الديمقراطي لا تتحمل التجاذبات أو الصراعات السياسية الحادة، خصوصاً بين القوى الحزبية الكبرى. وإن كان بعضهم يعيد جذور التحالف مع حزب نداء تونس إلى لقاء باريس بين زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، وزعيم الحزب، الباجي السبسي (جرى قبل انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، ثم استمر بعد الانتخابات، في الحضور الجزئي للحركة في حكومة الحبيب الصيد، ثم حكومة يوسف الشاهد.
وقد بدأت تظهر انتقادات المنصف المرزوقي لتوجهات "النهضة" لتأخذ منحىً حادّاً، خصوصاً
ظلت حركة النهضة، في المقابل، تحاول تجنب الدخول في صراع لفظيٍّ مع قيادات حزب الحراك، على الرغم من أن تصريحاتٍ كثيرة صادرة عنها تشير إلى حصول قطيعةٍ بين الطرفين، وتحميل المرزوقي مسؤولية الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية، عندما كان رئيسا للجمهورية، بل والتشكيك في ما صرح به عن إفشاله محاولةً انقلابيةً، كان يتم الإعداد لها في أثناء حكم الترويكا، حيث قال الغنوشي إنه لا شيء يؤكد هذا الأمر، والجيش التونسي لا يستحق مثل هذه التهمة، لأنه حمى المسار الديمقراطي. وبغض النظر عن حرب التصريحات من الجانبين، والتي تكشف عن احتقان في المواقف، فإن من الأكيد أن التحالف الذي كان بين "النهضة" و"الحراك" وصل إلى نهايته، على الأقل في المرحلة الحالية، وذلك لعدة أسباب يمكن إيجازها في الآتي:
الخلاف في تقييم المرحلة، فبينما ترى "النهضة" أنه ينبغي تكثيف الجهود من أجل إنجاح المرحلة الانتقالية، من خلال التوافق بين القوى الحزبية الكبرى، مهما تنوعت مشاربها، يرى قيادات "الحراك" أن الأمر يتعلق بعودة قوى الثورة المضادة إلى الحكم، وأن التحالف معها يمنحها الفرصة لمزيد التغوّل والسيطرة على أجهزة الدولة، واستعادة نفوذها الذي فقدته بفعل الثورة.
التفاوت في المواقع، حيث وجدت "النهضة" نفسها بعد انتخابات 2014 القوة السياسية الثانية
ومهما كان عمق الخلاف بين الطرفين، يكشف ما يجري من صراع بين القوى السياسية في تونس عن مدى سرعة التحولات الحاصلة في المشهد السياسي التونسي، وإمكانية تغير المواقع، وتبدل التحالفات بين القوى المختلفة، بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية أو الفكرية، الأمر الذي يعني أن ما نراه اليوم ليس الصورة النهائية التي ستستقر عليها الأمور، وإنما تظل المواقف السياسية رهينة التحولات الانتخابية المقبلة التي قد تعيد تشكيل المشهد السياسي برمته، إذا تغيّر مزاج الناخبين في تونس، وهو أمر وارد في كل الأحوال، خصوصاً في ظل الفشل الحكومي الواضح الذي يتابعه الجميع.