08 نوفمبر 2024
7 أكتوبر في المغرب.. هواجس عودة الدولة العميقة
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
يعيش المغرب، هذه الأيام، على إيقاعات الحملة الانتخابية لثاني اقتراع تشريعي في البلاد؛ بعد أول دستور في عهد محمد السادس. وهي انتخاباتٌ توصف بالمصيرية في مسار البلاد، ويراها مراقبون عديدون، داخلياً وخارجياً، نوعيةً في إقليم عربي ملتهب.
سوف يقطع المغاربة، يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، الشك باليقين حيال حلم الانتقال الديمقراطي في البلاد، والذي دخلته مع انطلاقة الربيع المغربي في 20 فبراير/ شباط 2011 وما تلاه. باختصار، إنه موعد لمواصلة الخطوات نحو الالتحاق بنادي الدول الديمقراطية، أو النكوص إلى الاستبداد والعودة إلى رحاب السلطوية.
تتوالى الإشارات غير المطَمْئنَة التي تتهدد مآلات هذا المسار، منذ مفاجأة الانتخابات المحلية في سبتمبر/ أيلول 2015، والتي جاءت عكس كل التوقعات باكتساح الإسلاميين الصناديق، لتبلغ تلكم الإشارات ذروتها قبل بداية الحملة الانتخابية، وتبقى مستمرة في عزها.
الإشارة الأولى: أيام قبل الاحتكام إلى الصناديق لتقيم حصيلة خمس سنوات من التدبير الحكومي؛ وتطبيق القاعدة الدستورية القاضية بربط المسؤولية بالمحاسبة، تخرج على المغاربة مسيرة "لقيطة" للمطالبة برحيل حكومةٍ منبثقةٍ عن انتخابات عُدت الأولى في تاريخ المغرب التي لم يقع فيها التلاعب. مرّت التظاهرة بما لها وما عليها؛ وما أكثر ما عليها بالنظر إلى شعاراتها ومطالبها، من دون أن تحرّك وزارة الداخلية ساكنا في وقتٍ تمنع فيه عشرات التظاهرات الأخرى (حزبية، حقوقية، جمعوية،...) ممن استوفت كل الشروط القانونية والتنظيمية.
الثانية: إبّان الحملة الانتخابية، وفي أوج الصراع والتنافس الذي تُصرف عليه الأموال الطائلة، بغاية التواصل مع المواطنين والمواطنات، وتقديم برامج الأحزاب الانتخابية، يقرّر رجال وزارة الداخلية منع تجمعاتٍ خطابية ومهرجاناتٍ لزعماء الأحزاب ووزراء في الحكومة، وفي
مقدمتهم رئيس الحكومة (في مراكش)، ووزير التجهيز والنقل (في الحاجب)، وزعيم حزب الأصالة والمعاصرة (في وجدة).
الثالثة: انحياز رجال السلطة (الولاة، العمال، الباشوات، القياد...) في بعض المناطق لدعم مرشحي أحزابٍ بعينها على حساب بقية المتنافسين معهم في الدوائر الانتخابية؛ إما تصريحاً أو تلميحاً للمقدمين والشيوخ وبعض الأئمة في المساجد. ما يشكل إخلالاً بقواعد التنافس والحياد المفروض من وزارةٍ أوكلت إليها مهمة الإشراف على هذا الموعد الحساس مع الديمقراطية.
الرابعة: اللجوء إلى أساليب الضغط والابتزاز في مواجهة بعض المرشحين لثنيهم عن الترشح، ومنع ترشح آخرين بلا سند قانوني واضح (حالة السلفي حماد القباج مثلا)، وفي ذلك خرق دستوري لأبسط حقوقهم السياسية.
الخامسة: تنامي ظاهرة العنف الانتخابي في بعض المواقع، انتصاراً لطرف على حساب البقية، فمن الاعتداء المباشر على مرشحين إلى الهجوم ليلا على مقرات أحزاب، تتحول المعركة الانتخابية إلى صراع شعاره أنا أو أنت، ما يهدّد بإخراج الأمور عن مسارها الطبيعي المعتاد.
تجعل هذه الإشارات وغيرها الحياد المطلوب، من وزارة الداخلية، تجاه الصندوق يوم الاقتراع أمراً عصيا، في ظل دخولها على الخط طرفاً في المنافسة، وليس حكماً يفصل بين اللاعبين، ويصون التجربة الديمقراطية قيد التشكل، بحماية أصوات المواطنين، كما يفترض فيها أن تكون.
لكل ما سبق تفسير وحيد أوحد، هو جهود الدولة العميقة، ممثلة تحديدا في هذه الوزارة، من أجل العودة إلى ضبط الحقل السياسي المغربي الذي بدأ يخرج عن سيطرتها تدريجيا، وتنفلت مراقبته وتوجيهه من بين يديها منذ حراك 20 فبراير. ولهذه العودة القوية لوزارة الداخلية انعكاسات سلبية على جوانب عديدة، في المشهد السياسي المغربي الذي يعد استثناءً في الإقليم العربي، منها:
أولا: وقف مسلسل المصالحة بين المغاربة والسياسة؛ فالرجوع إلى الاهتمام بالشأن العام من الشباب، بعد الإعلان عن إفلاس السياسية سنة 2007 ببلوغ العزوف ذروته، بدأ تدريجيا مع شباب حركة 20 فبراير التي أعادت السياسة إلى مركز اهتمام المغاربة، خصوصا الفئة الشابة منهم التي تخوض حالياً معارك انتخابية حامية في الواقع الافتراضي، بعد تضييق "الداخلية" على التجمعات الخطابية.
ثانيا: إنذار بتدني المشاركة في الانتخابات يوم سابع أكتوبر التي سوف تتراجع نسبتها، قياساً إلى انتخابات السنة الماضية، وأيضا إلى تشريعات نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. بعدما تبين لشريحةٍ من المغاربة أن وزارة الداخلية لن تكون أمينةً في التعامل مع أصواتهم يوم الاقتراع.
ثالثاً: إعلان بالرجوع إلى زمن لغة الخشب في السياسة، من أجل التنفير من متابعة الشأن العام، تمهيداً لعودة التحكم والتدبير الفوقي، بعدما عاش المغاربة خمس سنوات مع حكومةٍ انتخبوها، استطاعت أن تفسر أعقد مشكلات البلد بخطابٍ سياسي شعبي تفهمه العامة والنخبة على حد سواء.
رابعاً: رغبة الدولة العميقة وإصرارها على إغلاق قوس الربيع المغربي الذي لم تعد نخب المخزن قادرةً على كلفته، والمفتوح منذ أكثر من خمس سنوات، بعدما تيقن صناع القرار في الدولة من أن لهيب نيران الثورات العربية خفُت، ومنسوب الخطر المحدق بالبلاد تراجع.
أصبح الاستقرار من ثوابت البلاد، ولا أحد بإمكانه المخاطرة بهذا "المقدّس" الذي تنشده معظم الأقطار العربية، لكن مغامرةً غير محسوبة العواقب، بغية اللعب في صناديق الاقتراع يوم السابع من أكتوبر يمكن أن تكون إعلان نهاية الاستثناء المغربي وموعدا مع المجهول.. فلا تجعلونا كذلك.
سوف يقطع المغاربة، يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، الشك باليقين حيال حلم الانتقال الديمقراطي في البلاد، والذي دخلته مع انطلاقة الربيع المغربي في 20 فبراير/ شباط 2011 وما تلاه. باختصار، إنه موعد لمواصلة الخطوات نحو الالتحاق بنادي الدول الديمقراطية، أو النكوص إلى الاستبداد والعودة إلى رحاب السلطوية.
تتوالى الإشارات غير المطَمْئنَة التي تتهدد مآلات هذا المسار، منذ مفاجأة الانتخابات المحلية في سبتمبر/ أيلول 2015، والتي جاءت عكس كل التوقعات باكتساح الإسلاميين الصناديق، لتبلغ تلكم الإشارات ذروتها قبل بداية الحملة الانتخابية، وتبقى مستمرة في عزها.
الإشارة الأولى: أيام قبل الاحتكام إلى الصناديق لتقيم حصيلة خمس سنوات من التدبير الحكومي؛ وتطبيق القاعدة الدستورية القاضية بربط المسؤولية بالمحاسبة، تخرج على المغاربة مسيرة "لقيطة" للمطالبة برحيل حكومةٍ منبثقةٍ عن انتخابات عُدت الأولى في تاريخ المغرب التي لم يقع فيها التلاعب. مرّت التظاهرة بما لها وما عليها؛ وما أكثر ما عليها بالنظر إلى شعاراتها ومطالبها، من دون أن تحرّك وزارة الداخلية ساكنا في وقتٍ تمنع فيه عشرات التظاهرات الأخرى (حزبية، حقوقية، جمعوية،...) ممن استوفت كل الشروط القانونية والتنظيمية.
الثانية: إبّان الحملة الانتخابية، وفي أوج الصراع والتنافس الذي تُصرف عليه الأموال الطائلة، بغاية التواصل مع المواطنين والمواطنات، وتقديم برامج الأحزاب الانتخابية، يقرّر رجال وزارة الداخلية منع تجمعاتٍ خطابية ومهرجاناتٍ لزعماء الأحزاب ووزراء في الحكومة، وفي
الثالثة: انحياز رجال السلطة (الولاة، العمال، الباشوات، القياد...) في بعض المناطق لدعم مرشحي أحزابٍ بعينها على حساب بقية المتنافسين معهم في الدوائر الانتخابية؛ إما تصريحاً أو تلميحاً للمقدمين والشيوخ وبعض الأئمة في المساجد. ما يشكل إخلالاً بقواعد التنافس والحياد المفروض من وزارةٍ أوكلت إليها مهمة الإشراف على هذا الموعد الحساس مع الديمقراطية.
الرابعة: اللجوء إلى أساليب الضغط والابتزاز في مواجهة بعض المرشحين لثنيهم عن الترشح، ومنع ترشح آخرين بلا سند قانوني واضح (حالة السلفي حماد القباج مثلا)، وفي ذلك خرق دستوري لأبسط حقوقهم السياسية.
الخامسة: تنامي ظاهرة العنف الانتخابي في بعض المواقع، انتصاراً لطرف على حساب البقية، فمن الاعتداء المباشر على مرشحين إلى الهجوم ليلا على مقرات أحزاب، تتحول المعركة الانتخابية إلى صراع شعاره أنا أو أنت، ما يهدّد بإخراج الأمور عن مسارها الطبيعي المعتاد.
تجعل هذه الإشارات وغيرها الحياد المطلوب، من وزارة الداخلية، تجاه الصندوق يوم الاقتراع أمراً عصيا، في ظل دخولها على الخط طرفاً في المنافسة، وليس حكماً يفصل بين اللاعبين، ويصون التجربة الديمقراطية قيد التشكل، بحماية أصوات المواطنين، كما يفترض فيها أن تكون.
لكل ما سبق تفسير وحيد أوحد، هو جهود الدولة العميقة، ممثلة تحديدا في هذه الوزارة، من أجل العودة إلى ضبط الحقل السياسي المغربي الذي بدأ يخرج عن سيطرتها تدريجيا، وتنفلت مراقبته وتوجيهه من بين يديها منذ حراك 20 فبراير. ولهذه العودة القوية لوزارة الداخلية انعكاسات سلبية على جوانب عديدة، في المشهد السياسي المغربي الذي يعد استثناءً في الإقليم العربي، منها:
أولا: وقف مسلسل المصالحة بين المغاربة والسياسة؛ فالرجوع إلى الاهتمام بالشأن العام من الشباب، بعد الإعلان عن إفلاس السياسية سنة 2007 ببلوغ العزوف ذروته، بدأ تدريجيا مع شباب حركة 20 فبراير التي أعادت السياسة إلى مركز اهتمام المغاربة، خصوصا الفئة الشابة منهم التي تخوض حالياً معارك انتخابية حامية في الواقع الافتراضي، بعد تضييق "الداخلية" على التجمعات الخطابية.
ثانيا: إنذار بتدني المشاركة في الانتخابات يوم سابع أكتوبر التي سوف تتراجع نسبتها، قياساً إلى انتخابات السنة الماضية، وأيضا إلى تشريعات نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. بعدما تبين لشريحةٍ من المغاربة أن وزارة الداخلية لن تكون أمينةً في التعامل مع أصواتهم يوم الاقتراع.
ثالثاً: إعلان بالرجوع إلى زمن لغة الخشب في السياسة، من أجل التنفير من متابعة الشأن العام، تمهيداً لعودة التحكم والتدبير الفوقي، بعدما عاش المغاربة خمس سنوات مع حكومةٍ انتخبوها، استطاعت أن تفسر أعقد مشكلات البلد بخطابٍ سياسي شعبي تفهمه العامة والنخبة على حد سواء.
رابعاً: رغبة الدولة العميقة وإصرارها على إغلاق قوس الربيع المغربي الذي لم تعد نخب المخزن قادرةً على كلفته، والمفتوح منذ أكثر من خمس سنوات، بعدما تيقن صناع القرار في الدولة من أن لهيب نيران الثورات العربية خفُت، ومنسوب الخطر المحدق بالبلاد تراجع.
أصبح الاستقرار من ثوابت البلاد، ولا أحد بإمكانه المخاطرة بهذا "المقدّس" الذي تنشده معظم الأقطار العربية، لكن مغامرةً غير محسوبة العواقب، بغية اللعب في صناديق الاقتراع يوم السابع من أكتوبر يمكن أن تكون إعلان نهاية الاستثناء المغربي وموعدا مع المجهول.. فلا تجعلونا كذلك.
دلالات
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
محمد طيفوري
مقالات أخرى
23 أكتوبر 2024
11 أكتوبر 2024
22 سبتمبر 2024