11 سبتمبر 2024
الجزائر والسعودية... الخلاف الصامت
لم تستو العلاقات بين الجزائر والمملكة العربية السعودية منذ سنوات طويلة على خط مستقيم، يلفها خلاف صامت، ارتفع منسوبه في السنوات الخمس الأخيرة. وعلى الرغم من أن هذه العلاقات شهدت أقوى فصولها في عهد الرئيس هواري بومدين والملك فيصل، وخصوصاً في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، فقد عكّر مزاجها آنذاك، وما يزال، موقف الرياض المساند للمغرب في قضية الصحراء. وعلى الرغم من اجتهاد البلدين في إبعاد هذا الملف عن التأثير على العلاقات الثنائية، إلا أنه بقي عالقاً، ملفاً خلافياً لا يمكن الفكاك منه في رسم معالم علاقة ثابتة، حتى وإن حاولت السعودية، مراتٍ عديدة، تقديم نفسها وسيطاً مفضلاً لرأب الصدع بين الجارين الجزائري والمغربي، الأمر الذي كانت الجزائر ترفضه دوماً بدبلوماسية، وبحجة أن العلاقة عادية بينها وبين جارتها الغربية، وأن قضية الصحراء في عهدة الأمم المتحدة.
تشعبت، في الأعوام الأخيرة، الخلافات في ملفات عديدة، تشي بها وتيرة زيارات المسؤولين السعوديين إلى الجزائر التي زادت وتيرتها أخيرا، وكان أبرزها زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن نايف، ولقاؤه الرئيس بوتفليقة في فبراير/ شباط الماضي، حيث تسعى الرياض إلى احتواء الخلافات السياسية مع الجزائر، في محاولة لإبعادها عن محور إيران وروسيا. والمعروف قربها من هذا المحور، ولم تخف موقفها هذا أبداً، بل توطدت علاقتها به أكثر بعد التدخل الإيراني الروسي في سورية، والتدخل الإيراني في اليمن، ورفضت الجزائر الانخراط في التحالف العسكري العربي الذي قادته السعودية فيما سميت "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح في اليمن، ووقفت ضد موقف السعودية الداعي إلى تنحية الرئيس السوري بشار الأسد. وساهم الأمران في مزيد من تباعد وجهات النظر بين الجزائر والرياض، خصوصاً في الملفات التي تهم المنطقة العربية.
تبني الجزائر مواقفها تجاه القضايا الدولية على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى،
وخصوصاً عدم التدخل العسكري، حيث لم يسبق لقواتها العسكرية أن غادرت حدودها إلا في مناسبتين، هما نكسة 1967 وحرب 1973، نصرة للقضيتين، العربية والفلسطينية. في المقابل، تقول الدبلوماسية الجزائرية إنها تسعى، ومن دون هوادة، إلى الحلول السلمية، وجمع الشمل وتعزيز مبدأ الحوار، بعيدا عن لغة السلاح. غير أن هذا الموقف يجيّر، في عواصم عربية أخرى، وخصوصاً في ما يخص المسألة السورية على أنه في مصلحة الطاغية الأسد الذي يعمل على إبادة شعبه وتقسيمه، بل وتُتهم الجزائر بإسناده، أو على الأقل بعدم إدانته والسكوت عن جرائمه. وقد أدى الاختلاف في وجهات النظر إزاء قضايا الوطن العربي إلى توتر ملحوظٍ، ميّز العلاقات الجزائرية السعودية، فالرياض تنظر إلى الجزائر عائقاً في وجه مشاريع كثيرة، بادرت إلى طرحها، بمعية دول عربية أخرى في جامعة الدول العربية، فقد وجدت معارضة جزائرية لتنصيب بديل لممثل سورية في الجامعة، ولمشروع إنشاء قوة عربية مشتركة، مثلا. وحتى وإن غابت عبارات اللوم في كلام المسؤولين السعوديين أو الجزائريين. وحرصهم الدائم على تضمين تصريحاتهم عبارات المجاملات المعهودة، فإن العلاقات بين بلديهما لم ترتق إلى التوافق المطلوب بين الدول العربية. وإن كان يستبعد متابعون وجود أزمة بين الجزائر والسعودية، معتبرين الأمر مجرد اختلاف في مواقف البلدين حيال ملفاتٍ سياسية إقليمية عديدة.
ولكن العلاقات المتينة بين الجزائر وطهران كانت موضع ريبة في الرياض التي لا تنظر إلى هذه العلاقة بعين الرضى، وتتمنى لو أن الجزائر حذت حذو جارتها المغرب في الاصطفاف الخليجي في موضوع إيران، إلا أن لسان حال الجزائر يقول إن علاقتها مع الدول الأخرى لا تُبنى على المحاور ومعاداة الآخرين، وإنما تنظمها المصلحة المباشرة بينهما. وأن الجزائر كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، يوم تطلب الأمر ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حين اتخذت طهران موقفا داعما للمسلحين في الجزائر، ولم يساندها أحد في ذلك. وحين رأت أن مصلحتها تتطلب إعادة هذه العلاقات إلى طبيعتها أعادتها في مطلع الألفية، من دون الرجوع لأحد أيضاً، فالجزائريون يتحسّسون كثيرا من التدخل في شؤونهم الداخلية، ولا يريدون أن ينغمسوا في الشؤون الداخلية للغير، أو هكذا يقولون.
وزاد في حدة عدم الدفء في العلاقات بين الجزائر والرياض تباين المصالح في مجال الطاقة،
فالجزائر تنادي، مع بعض دول "أوبك" الأخرى، بالحدّ من الإنتاج اليومي للنفط، بغية إعادة التوازن إلى السوق، المنهكة بتضخمٍ في الإنتاج العالمي، أدى إلى تهاوي أسعاره، وهو ما دعا وزير النفط الجزائري، نور الدين بوطرفة، إلى سلوك منهج الدبلوماسية النفطية لتحقيق شبه إجماعٍ بين الدول المنتجة للنفط من داخل منظمة أوبك ومن خارجها، خصوصاً في اجتماع المنظمة في الجزائر منذ شهرين، وكانت أكبر العقبات في طريقها الخلاف السياسي الكبير بين السعودية وإيران، ورغبة طهران في العودة إلى مستويات ما قبل فرض العقوبات الغربية عليها بسبب ملفها النووي.
وإذا كانت التقديرات تتفاوت حول طبيعة العلاقات بين السعودية والجزائر بين من يراها "طبيعية"، ويشوبها اختلافاتٌ في وجهات النظر، وبين من يراها عميقةً بسبب المواقف المتباينة في الشؤون الإقليمية، وخصوصاً في الملفين، السوري واليمني، وفي الخلاف السعودي مع إيران، إلا أن الزيارات لم تنقطع بين الطرفين، وتأتي زيارة رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، إلى الرياض، في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ممثلاً لأعلى سلطة في البلاد، بالنظر إلى عدم قدرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الصحية على تأدية مثل هذه المهمات، محاولة أخرى لامتصاص التوتر بين البلدين، ولجمع شتات الملفات غير المتفق بشأنها، ولملمة الخلاف الصامت بينهما، حتى لا تتسع الهوة بين العاصمتين، وهما في غنى عنها في هذه المرحلة الحرجة التي يمر به الوطن العربي المُثقل بالخلافات والاختلافات والهموم والمشكلات.
تشعبت، في الأعوام الأخيرة، الخلافات في ملفات عديدة، تشي بها وتيرة زيارات المسؤولين السعوديين إلى الجزائر التي زادت وتيرتها أخيرا، وكان أبرزها زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن نايف، ولقاؤه الرئيس بوتفليقة في فبراير/ شباط الماضي، حيث تسعى الرياض إلى احتواء الخلافات السياسية مع الجزائر، في محاولة لإبعادها عن محور إيران وروسيا. والمعروف قربها من هذا المحور، ولم تخف موقفها هذا أبداً، بل توطدت علاقتها به أكثر بعد التدخل الإيراني الروسي في سورية، والتدخل الإيراني في اليمن، ورفضت الجزائر الانخراط في التحالف العسكري العربي الذي قادته السعودية فيما سميت "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح في اليمن، ووقفت ضد موقف السعودية الداعي إلى تنحية الرئيس السوري بشار الأسد. وساهم الأمران في مزيد من تباعد وجهات النظر بين الجزائر والرياض، خصوصاً في الملفات التي تهم المنطقة العربية.
تبني الجزائر مواقفها تجاه القضايا الدولية على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى،
ولكن العلاقات المتينة بين الجزائر وطهران كانت موضع ريبة في الرياض التي لا تنظر إلى هذه العلاقة بعين الرضى، وتتمنى لو أن الجزائر حذت حذو جارتها المغرب في الاصطفاف الخليجي في موضوع إيران، إلا أن لسان حال الجزائر يقول إن علاقتها مع الدول الأخرى لا تُبنى على المحاور ومعاداة الآخرين، وإنما تنظمها المصلحة المباشرة بينهما. وأن الجزائر كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، يوم تطلب الأمر ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حين اتخذت طهران موقفا داعما للمسلحين في الجزائر، ولم يساندها أحد في ذلك. وحين رأت أن مصلحتها تتطلب إعادة هذه العلاقات إلى طبيعتها أعادتها في مطلع الألفية، من دون الرجوع لأحد أيضاً، فالجزائريون يتحسّسون كثيرا من التدخل في شؤونهم الداخلية، ولا يريدون أن ينغمسوا في الشؤون الداخلية للغير، أو هكذا يقولون.
وزاد في حدة عدم الدفء في العلاقات بين الجزائر والرياض تباين المصالح في مجال الطاقة،
وإذا كانت التقديرات تتفاوت حول طبيعة العلاقات بين السعودية والجزائر بين من يراها "طبيعية"، ويشوبها اختلافاتٌ في وجهات النظر، وبين من يراها عميقةً بسبب المواقف المتباينة في الشؤون الإقليمية، وخصوصاً في الملفين، السوري واليمني، وفي الخلاف السعودي مع إيران، إلا أن الزيارات لم تنقطع بين الطرفين، وتأتي زيارة رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، إلى الرياض، في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ممثلاً لأعلى سلطة في البلاد، بالنظر إلى عدم قدرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الصحية على تأدية مثل هذه المهمات، محاولة أخرى لامتصاص التوتر بين البلدين، ولجمع شتات الملفات غير المتفق بشأنها، ولملمة الخلاف الصامت بينهما، حتى لا تتسع الهوة بين العاصمتين، وهما في غنى عنها في هذه المرحلة الحرجة التي يمر به الوطن العربي المُثقل بالخلافات والاختلافات والهموم والمشكلات.