09 نوفمبر 2024
ذلك السجال في موريتانيا
يُعلن رئيس موريتانيا، محمد ولد عبد العزيز، في خطابٍ عام، عدم نيّته السعي إلى إجراء تعديل في دستور بلاده، يجيز له الترشّح لولايةٍ ثالثةٍ في عام 2019، وهو الذي (انتخب) في 2009، بعد عامٍ من انقلابٍ عسكري أقدم عليه، غير أن المعارضة، المتشدّدة بحسب وصف منابر إعلامية غير قليلة لها، والتي تنضوي في "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" الذي يضم 15 حزباً، تشكّك في ذلك، بل إن قيادياً فيها ينصح ولد عبد العزيز بأن يخرج من السلطة محترماً، بدلاً من عزله. والظاهر، على مبعدةٍ من بلاد شنقيط، ومن متابعةٍ متقطعة لشؤونها، أن موريتانيين كثيرين يؤيدون هذه المعارضة، بدلالة الحشد الذي انتظم في مظاهرة 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في نواكشوط، ضد ما تعتبره "واقعاً مزرياً" في البلاد، ومن أجل أن يكون 2019 عام إخراج العسكر من السلطة. وفي الأثناء، تدسّ السفارة الأميركية هناك أنفها في التنازع الحادث بين الرئيس وأنصاره من جهة ومعارضيه من جهة ثانية، فتصدر بياناً تثني فيه على تعهد ولد عبد العزيز بعدم المساس بعدد ولايات (أو مأموريات كما تُسمّى في موريتانيا) الرئيس، في الدستور الذي دعي الموريتانيون إلى استفتاءٍ في منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل، على تعديلاتٍ مقترحة فيه، عارضتها تلك المظاهرة، بدعوى أنها من مخرجات "حوار وطني" بين السلطة وبين نفسها، فيما حقيقةُ الأمر أنه انتظم بين السلطة وأحزابٍ معارضة "وسطية" وأحزاب "الأغلبية".
وعلى الرغم من أخبارٍ تتواتر، وتقارير لهيئاتٍ حقوقية محلية ودولية، عن فظاظةٍ ظاهرةٍ في ممارسات الشرطة وأجهزة الأمن في التعامل مع مسيرات غاضبة لغير سبب، إلا أن في وسع المواطن في غير بلد، في المشرق العربي السعيد، أن يغبط أشقاءه الموريتانيين على ما يعرفه المجال السياسي في بلدهم من نقاشٍ تعبّر فيه نخب وتكوينات جماهيرية وسياسية، في تلوينات المعارضة وأحزابها، وفي تكتلاتٍ مدنيةٍ عريضة، بشأن مخرجات جولة الحوار الوطني، رفضاً وقبولا وتحفظاً، ذلك أنه لا يكفي، في عرف المعارضين، الاتفاق فيها على إلغاء مجلس الشيوخ، واستبداله بمجالس جهوية للتنمية، وتوسيع النسبية في الانتخابات، وتعزيز استقلالية اللجنة الوطنية للانتخابات، ومراجعة القانون المنظم للأحزاب، وعلى إجراءاتٍ لضمان حياد الإدارة، وتغيير علم الدولة (!)، وغير هذا كله من "إصلاحاتٍ"، لا يُؤاخَذ الناظر إليها من بعيد إذا ما استحسنها، لا سيما إذا كان من بلادٍ عربيةٍ عتيدةٍ، صار من الروتيني فيها توحّش السلطة وصلفها، بل ومزاولتها القتل، وتجبّرها على القضاء، بل وأيضاً استخدامها أفظع أسلحة الفتك في تهديم البلاد وتشريد العباد.
الصوت عالٍ في موريتانيا ضد الرئيس، إلى حدّ رميه بأنه يدبّر "أمراً" في كل ما يمضي فيه من "إصلاحاتٍ"، ومن مواسم حوار يعقدها. والسخريةُ معلنةٌ من اللقب الذي بات يُخلع عليه "رئيس الفقراء". والمعارضة تناوش السلطة بأمضى ما لديها من وسائل، وتستثمر ما في المجتمع من أسباب الحنق على أوضاع معيشية، يصفها الرئيس الأسبق، علي ولد محمد فال، بأنها "كارثية ومخزية ومزرية". ويشارك قانونيون ودستوريون في نقاشٍ بشأن "دستورية" الاستفتاء المرتقب أو عدمها. وفي الأثناء، لا يغيب النشاط المدني من أجل إنهاء رواسب العبودية في البلاد، بعد أن صدر قانون تجريم الرقّ قبل أزيد من عام، ولم يقنع بعض النخبة، بدليل مظاهراتٍ ضد الرقّ تنتظم، بين وقت وآخر، في البلاد وخارجها (جديدها في بروكسل قبل أيام). وبينما تتنوع إشكالات السياسة والسلطة والحال الاقتصادي وتجاذباتٌ أخرى غير هينة، والتحسّب الأمني ضد الإرهاب، تطل قضية حكم بالإعدام على مدوّن شاب، لنشره مقالاً اعتبر مسيئاً للنبي محمد (ص)، في قضيةٍ تجد الحكومة نفسها محرجةً منها، ولا سيما أن شرائح في المجتمع لا تستفظع حكم الإعدام، بل تتعجّل تنفيذه (!).
مسوّغٌ، ومن بعيد، الرهان على طبع السماحة الذي يتحلّى به الموريتانيون، وعلى احتكام النخبة في ضفتي الموالاة والمعارضة إلى العقل والخلاف السلمي، ويطمئن مراقب السجال الساخن هناك إلى أن موريتانيا ستعرف عبوراً طيباً إلى ما هو أنفع وأجدى، وإنْ احتدّت نوبات المغالبة، في الأثناء، على ما نرى.
وعلى الرغم من أخبارٍ تتواتر، وتقارير لهيئاتٍ حقوقية محلية ودولية، عن فظاظةٍ ظاهرةٍ في ممارسات الشرطة وأجهزة الأمن في التعامل مع مسيرات غاضبة لغير سبب، إلا أن في وسع المواطن في غير بلد، في المشرق العربي السعيد، أن يغبط أشقاءه الموريتانيين على ما يعرفه المجال السياسي في بلدهم من نقاشٍ تعبّر فيه نخب وتكوينات جماهيرية وسياسية، في تلوينات المعارضة وأحزابها، وفي تكتلاتٍ مدنيةٍ عريضة، بشأن مخرجات جولة الحوار الوطني، رفضاً وقبولا وتحفظاً، ذلك أنه لا يكفي، في عرف المعارضين، الاتفاق فيها على إلغاء مجلس الشيوخ، واستبداله بمجالس جهوية للتنمية، وتوسيع النسبية في الانتخابات، وتعزيز استقلالية اللجنة الوطنية للانتخابات، ومراجعة القانون المنظم للأحزاب، وعلى إجراءاتٍ لضمان حياد الإدارة، وتغيير علم الدولة (!)، وغير هذا كله من "إصلاحاتٍ"، لا يُؤاخَذ الناظر إليها من بعيد إذا ما استحسنها، لا سيما إذا كان من بلادٍ عربيةٍ عتيدةٍ، صار من الروتيني فيها توحّش السلطة وصلفها، بل ومزاولتها القتل، وتجبّرها على القضاء، بل وأيضاً استخدامها أفظع أسلحة الفتك في تهديم البلاد وتشريد العباد.
الصوت عالٍ في موريتانيا ضد الرئيس، إلى حدّ رميه بأنه يدبّر "أمراً" في كل ما يمضي فيه من "إصلاحاتٍ"، ومن مواسم حوار يعقدها. والسخريةُ معلنةٌ من اللقب الذي بات يُخلع عليه "رئيس الفقراء". والمعارضة تناوش السلطة بأمضى ما لديها من وسائل، وتستثمر ما في المجتمع من أسباب الحنق على أوضاع معيشية، يصفها الرئيس الأسبق، علي ولد محمد فال، بأنها "كارثية ومخزية ومزرية". ويشارك قانونيون ودستوريون في نقاشٍ بشأن "دستورية" الاستفتاء المرتقب أو عدمها. وفي الأثناء، لا يغيب النشاط المدني من أجل إنهاء رواسب العبودية في البلاد، بعد أن صدر قانون تجريم الرقّ قبل أزيد من عام، ولم يقنع بعض النخبة، بدليل مظاهراتٍ ضد الرقّ تنتظم، بين وقت وآخر، في البلاد وخارجها (جديدها في بروكسل قبل أيام). وبينما تتنوع إشكالات السياسة والسلطة والحال الاقتصادي وتجاذباتٌ أخرى غير هينة، والتحسّب الأمني ضد الإرهاب، تطل قضية حكم بالإعدام على مدوّن شاب، لنشره مقالاً اعتبر مسيئاً للنبي محمد (ص)، في قضيةٍ تجد الحكومة نفسها محرجةً منها، ولا سيما أن شرائح في المجتمع لا تستفظع حكم الإعدام، بل تتعجّل تنفيذه (!).
مسوّغٌ، ومن بعيد، الرهان على طبع السماحة الذي يتحلّى به الموريتانيون، وعلى احتكام النخبة في ضفتي الموالاة والمعارضة إلى العقل والخلاف السلمي، ويطمئن مراقب السجال الساخن هناك إلى أن موريتانيا ستعرف عبوراً طيباً إلى ما هو أنفع وأجدى، وإنْ احتدّت نوبات المغالبة، في الأثناء، على ما نرى.