28 ديسمبر 2021
كي لا تنتكس "فتح" بقضية شعبها
مميزات الاستبداد واحدة، لا تختلف بين أن يكون المستبدون سياسيين سلطويين، أو دينيين يتلفعون بـ "البراءة" و"الجرأة" على ممارسة فنون الاستبداد، أو من أولئك الشخوص السلطوية ممن ركبوا موجات التحرّر، وآلت الأمور بهم إلى أن يصبحوا أكثر سلطويةً، وأكثر استبداداً من أمثالهم من سياسويي الأنظمة الرسمية الذين جاءوا بالإكراه وغلبة القمع والمؤسسات الأمنية والعسكرية، عبر انقلاباتٍ هادئةٍ أو ذات الضجيج العالي، والمتعالي على المجتمع والجماهير والناس أجمعين.
الاستبداد "التحرّري" أعلى منزلةً، وأكثر تغولاً من الاستبداد "السلطوي"، وهو استبداد مضاعفٌ ومضافٌ إلى تنويعات السلطة الممارسة ضد المعارضات وكل أصناف الاعتراض والنقد والاختلاف، حتى لم يبق من مجالٍ للتعايش بين سلطة الاستبداد "التحرّري" وأي معترضٍ أو ناقد أو مختلف. وفي هذه الحالة، فاق "التحرّريون" في مسلكياتهم وفنون استبدادهم كل أولئك السلطويين أو "التدينيين" الذين لم يعودوا يفرّقون بين ذواتهم والذات الإلهية، أو بين أفهامهم ومفاهيمهم والشريعة ومقاصدها، وتلك الضرورات التي تبيح المحظورات.
تحولت محظورات التحرّر الوطني، في أيامنا هذه، بل تخطت كل المحاذير، لتقيم صرح استبدادها على حساب قضية الشعب الوطنية، وضرورة تحرّره من الاحتلال. وهنا، المسألة الأهم ليست السلطة وكيفية تنظيمها الوظائفي واستمرارها، بقدر ما هي المسألة التنظيمية والسياسية التي تقود الخطى وتحثها، نحو تنظيم مسألة التحرّر، باعتبارها قضيةً مركزيةً لشعب احتلت أرض وطنه، وصودرت ممتلكاته، وشرد خارج المكان الحميم (الوطن) وفي داخله كذلك، ولم يبق من مكانٍ يجسّد فيه تطلعاته وأمانيه الوطنية؛ لا في داخل الوطن ولا في خارجه. أما الاستبداد السلطوي أو "التحرّري" فهو مما يمكن أن يمارسه السلطويون المستبدّون في كل مكان، حتى في مخيمات اللجوء أو النزوح.
في بلادنا، كما في بلدان عديدة، لم يعد هناك ما يفرق بين أوصاف تسميات اليمين واليسار، وإن كانت أقسامٌ من اليمين قد اتجهت نحو مواقع اليمين المتطرف، كما هو الوضع في أوروبا الغربية والولايات المتحدة أخيراً، في الوقت الذي اتجهت فيه بعض أقسام اليسار نحو الاعتدال، على ما بيّنت نتائج انتخابات رئاسية في شرق أوروبا (بلغاريا ومولدافيا).
في الوضع السلطوي الفلسطيني الخاص، ما يجري على صعيد مؤتمر حركة فتح السابع، وما
يشهده الوضع الفلسطيني عموما، هو ارتداد سلطوي يتغوّل أكثر، استمساكاً بموضوعة الهيمنة والاستفراد والأحادية الفردية، حتى بدت، وتبدو، الأمور وكأنه لم يبق في "فتح المؤتمر" أي اعتراض أو نقد أو خلاف مع قادة المؤتمر، أما "فتح الأخرى" التي يجري العمل على استبعادها، فقوامها من غير الموظفين في دوائر السلطة أو من الأتباع، بقدر ما هم من المعترضين على السياسات الفردية أو المختلفين معها، أو من نقاد تلك السياسات، الأمر الذي عنى، ويعني، أن هناك انقلاباً عاماً في المزاج السياسي والتنظيمي والجماهيري الفلسطيني، حتى إنه لم يعد يبالي باستقرار ما قرّ عليه الوضع الوطني الفلسطيني، حتى وهو يواجه سلسلة هزائمه وتراجعاته، بانعكاس ذلك كله على أوضاع أطرافه الداخلية، لا سيما ما تشهده اليوم حركة فتح من تفسّخات قد تقود إلى نوع من انشقاق عمودي، سوف يؤثر على المشروع الوطني وعماده وركيزته الأساس: منظمة التحرير الفلسطينية، والتي جرى تغييبها منذ زمن بفعل بريق السلطة، ويتكرر الأمر الآن على صعيد حركة فتح التي يراد تغييبها أيضاً، على مذبح السلطة وبريقها، فما مصير المشروع الوطني في هذه الحالة الأكثر من مزرية، خصوصاً في ظل استبداد سلطوي بات فاضحاً، ومسيئاً ومضرا بالقضية الوطنية، وبكل أوجه الكفاح الوطني التحرّري للشعب الفلسطيني؟
اعتدنا أن تكون حركة فتح رائدة الوحدة والتوحيد، وتجميع الكل الفلسطيني في بوتقة انصهار وطنية واحدة، رائدها الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، لا التفريط بها على مذبح التعايش والتنسيق مع الاحتلال، ولا ينبغي اليوم أن تنتكس "فتح" بذاتها وبقضية شعبها على مذبح السلطة والاستبداد الفردي، فهنا مقتلها ومقتلنا. لهذا، إما أن يكون المؤتمر السابع لحركة فتح وطنياً فلسطينيا قلبا وقالبا، همه الأساس وشواغله القضية الفلسطينية، أو يتحول إلى مؤتمر خاص بموظفي السلطة، وهنا الطامة الكبرى التي تزيدها الأحادية الفردية وتغوّلها السلطوي، لتجعل مما يجري معولاً للهدم والتدمير، هدم وتدمير "معبد" التحرّر الوطني الذي صاغته الحركة الوطنية الفلسطينية، و"فتح" في طليعة قواها المكافحة، على امتداد أكثر من نصف قرن منذ انطلاقة "فتح" عام 1965، وهذا ما سوف يجعل إسرائيل وحدها الرابحة، وفلسطين الخاسرة بالتأكيد؛ لا سيما إذا أعاد المؤتمر إنتاج ما تعيشه اليوم القضية الوطنية من تغييب لشرعية منظمة التحرير وفعاليتها كشرعية عليا، وللشرعيات الوطنية الأخرى المتوافق عليها من الكل الفلسطيني، والاتجاه بدلاً من ذلك نحو تكريس الفردية والنزعات السلطوية، وجعل السلطة الراية العليا التي تعلو راية فلسطين، التاريخ والجغرافيا والمكان الذي احتوى عظام أجدادنا.
الاستبداد "التحرّري" أعلى منزلةً، وأكثر تغولاً من الاستبداد "السلطوي"، وهو استبداد مضاعفٌ ومضافٌ إلى تنويعات السلطة الممارسة ضد المعارضات وكل أصناف الاعتراض والنقد والاختلاف، حتى لم يبق من مجالٍ للتعايش بين سلطة الاستبداد "التحرّري" وأي معترضٍ أو ناقد أو مختلف. وفي هذه الحالة، فاق "التحرّريون" في مسلكياتهم وفنون استبدادهم كل أولئك السلطويين أو "التدينيين" الذين لم يعودوا يفرّقون بين ذواتهم والذات الإلهية، أو بين أفهامهم ومفاهيمهم والشريعة ومقاصدها، وتلك الضرورات التي تبيح المحظورات.
تحولت محظورات التحرّر الوطني، في أيامنا هذه، بل تخطت كل المحاذير، لتقيم صرح استبدادها على حساب قضية الشعب الوطنية، وضرورة تحرّره من الاحتلال. وهنا، المسألة الأهم ليست السلطة وكيفية تنظيمها الوظائفي واستمرارها، بقدر ما هي المسألة التنظيمية والسياسية التي تقود الخطى وتحثها، نحو تنظيم مسألة التحرّر، باعتبارها قضيةً مركزيةً لشعب احتلت أرض وطنه، وصودرت ممتلكاته، وشرد خارج المكان الحميم (الوطن) وفي داخله كذلك، ولم يبق من مكانٍ يجسّد فيه تطلعاته وأمانيه الوطنية؛ لا في داخل الوطن ولا في خارجه. أما الاستبداد السلطوي أو "التحرّري" فهو مما يمكن أن يمارسه السلطويون المستبدّون في كل مكان، حتى في مخيمات اللجوء أو النزوح.
في بلادنا، كما في بلدان عديدة، لم يعد هناك ما يفرق بين أوصاف تسميات اليمين واليسار، وإن كانت أقسامٌ من اليمين قد اتجهت نحو مواقع اليمين المتطرف، كما هو الوضع في أوروبا الغربية والولايات المتحدة أخيراً، في الوقت الذي اتجهت فيه بعض أقسام اليسار نحو الاعتدال، على ما بيّنت نتائج انتخابات رئاسية في شرق أوروبا (بلغاريا ومولدافيا).
في الوضع السلطوي الفلسطيني الخاص، ما يجري على صعيد مؤتمر حركة فتح السابع، وما
اعتدنا أن تكون حركة فتح رائدة الوحدة والتوحيد، وتجميع الكل الفلسطيني في بوتقة انصهار وطنية واحدة، رائدها الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، لا التفريط بها على مذبح التعايش والتنسيق مع الاحتلال، ولا ينبغي اليوم أن تنتكس "فتح" بذاتها وبقضية شعبها على مذبح السلطة والاستبداد الفردي، فهنا مقتلها ومقتلنا. لهذا، إما أن يكون المؤتمر السابع لحركة فتح وطنياً فلسطينيا قلبا وقالبا، همه الأساس وشواغله القضية الفلسطينية، أو يتحول إلى مؤتمر خاص بموظفي السلطة، وهنا الطامة الكبرى التي تزيدها الأحادية الفردية وتغوّلها السلطوي، لتجعل مما يجري معولاً للهدم والتدمير، هدم وتدمير "معبد" التحرّر الوطني الذي صاغته الحركة الوطنية الفلسطينية، و"فتح" في طليعة قواها المكافحة، على امتداد أكثر من نصف قرن منذ انطلاقة "فتح" عام 1965، وهذا ما سوف يجعل إسرائيل وحدها الرابحة، وفلسطين الخاسرة بالتأكيد؛ لا سيما إذا أعاد المؤتمر إنتاج ما تعيشه اليوم القضية الوطنية من تغييب لشرعية منظمة التحرير وفعاليتها كشرعية عليا، وللشرعيات الوطنية الأخرى المتوافق عليها من الكل الفلسطيني، والاتجاه بدلاً من ذلك نحو تكريس الفردية والنزعات السلطوية، وجعل السلطة الراية العليا التي تعلو راية فلسطين، التاريخ والجغرافيا والمكان الذي احتوى عظام أجدادنا.