داعش والسيسي.. الصديق وقت الضيق
برداً وسلاماً، على عبد الفتاح السيسي، نزل إعلان تنطيم داعش مسؤوليته عن جريمة تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، ليدعم روايته التي لا يصدقها إلا هو وأنصاره، فيما يرفضها العقل ومنطق الأشياء، والشهادات الحية، والتحليلات الفنية.
التسلسل الدرامي لافتٌ ومثيرٌ للدهشة، وتوقيت دخول التنظيم على الخط يجعل المسافة بينه وبين النظام صفراً، إذ حضر في اللحظة المواتية ليستر الرواية الأمنية، السيسية، ويهبها من روحه، ما يجعل الموقف بعيداً عن استثمار داعشيٍّ للحدث الذي لم يتقدم أحد لتبنيه، وقريباً جداً من فرضية أن الوشائج بين التنظيم والنظام لا تنقطع، فوجود أحدهما مرتبطٌ بالآخر، ناهيك عن التشابه الكبير في الممارسات.
ليس دواعش التنطيم، فقط، الذين يستعرضون قوتهم الباطشة بالتمثيل بالجثث، وتقديم خدمة توصيل الفظائع إلى البيوت، كما جرى في جل عمليات التنظيم، من حرق معاذ الكساسبة إلى ذبح الأقباط على الساحل الليبي، فدواعش السيسي أيضاً يزيّنون ستودياهاتهم بالأشلاء الحقيقية، فتجد رأساً آدمية بين مذيع داعشي، يقدّمها، مفصولة عن الجثة، لضيوفه ومتابعيه على موائد الكلام الفاشي المنقوع في الدماء.
ليس من المستبعد أن يكون مسجلاً على هاتف السيسي الرقم الشخصي لزعماء التنظيم، والعكس أيضاً صحيح، على طريقة "الصديق وقت الضيق"، فتبادل المنافع والخدمات والمجاملات لم ينقطع يوماً، منذ قدّم السيسي أوراق اعتماده للجمهور، من الباب الداعشي الكبير، باعتباره المحارب ضد العنف والإرهاب المحتمل.
السيسي يدين بالفضل لداعش في الوجود في ليبيا، وفي سورية، وفي استدرار النفط والأرز والدعم، وفي التمتع بالرعاية الإسرائيلية الكاملة، والوصول إلى قلب دونالد ترامب.
لكن الفضل الأكبر لداعش على نظام السيسي أنه أعفاه من امتحان مادة الحقوق والحريات، داخلياً وخارجياً، وتلك هي الجائزة الكبرى التي لا تجد تعبيراً عن الفرحة بها أبلغ من ابتهاج الدبلوماسية المصرية بأن زيارة سامح شكري، وزير خارجية السيسي، إلى الولايات المتحدة، جاءت تاريخيةً وغير مسبوقة في نجاحها، كون المباحثات لم تتطرّق إلى ملف حقوق الإنسان، المنتهكة في مصر، وهو التطوّر الذي وصفه مراقبون لصحيفة الشروق المصرية بأنه "شهر عسل" يبدأ بين السيسي والإدارة الأميركية.
يجمع السيسي بداعش أن كليهما لم يغضب إسرائيل يوماً، لم يجرحها، أو يحرجها، بل وضعاها على أكفّ الراحة، تستمتع بمشاهدة هادئة لوقائع انتحار العرب، وذهابهم إلى متاحف الكائنات المنقرضة.
على صعيد التناغم في الممارسات، أعيد التساؤل: ماذا بقي من ممارسات المليشيا لم يقم بها نظام عبد الفتاح السيسي؟
ما يدور على أرض مصر، منذ اليوم للانقلاب، يقول إن "مليشيا" اختطفت وطناً، واتخذت سكانه رهائن للخوف والجوع، وفرضت نفسها نظاماً حاكماً، تماماً مثل داعش.
تستخدم السلطة في مصر أكثر من "داعش"، فهناك دواعش العدالة والقضاء، ودواعش الإعلام، ودواعش الفتوى، ودواعش حقيقية "تهبر" كل من يعترض على الاستبداد، ويرى فيه الحاضنة الحقيقية لصناعة الإرهاب.
فما أن تحذّر من أن الإمعان في الإهانة والتعذيب وانتهاك الكرامة ومصادرة الحريات والحقوق، وإهدار القانون وتغييبه كحكم نزيه بين الأفراد، من شأنه أن ينتج شخصياتٍ انتقاميةً تحصل على ما تراه حقا لها بيدها، مادام القانون غائباً، يخرج أحدهم متمطياً ومتمطعاً ليتهم كل من يرفض استبداد النظام وإرهابه بأنه مؤيد للإرهاب.
لقد بلغ من التوحد مع إرهابهم واستبدادهم أنهم صاروا يدلّلونه، ويكتبون فيه القصائد، مطمئنين إلى أن أحداً لن يتصدّى لهم، ماداموا ينفذون المطلوب منهم إسرائيليا، بل وأكثر منه.