27 سبتمبر 2018
"تحرير" حلب
فرِح "اليسار الممانع" بـ "تحرير حلب"، واعتبر أن المعركة قد حُسمت، والثورة السورية انتهت. لكنه لم يلحظ زيف خطابه الذي كشفه هذا "التحرير". لقد هلل لـ "النصر على الإرهاب"، ولم يلحظ أن سكان حلب الشرقية هم الذين غادروها مكرَهين، بعد أن ذاقوا كل أصناف التدمير والقتل والتجويع. وبعد أن دمّر الطيران الروسي وطيران النظام معظم أحيائها، ومن ثم طلب من هؤلاء المغادرة، أو استمرار التدمير والقتل والتجويع، تحت حجة وجود جبهة النصرة.
ولم يلحظ هؤلاء أيضاً أن النظام سارع إلى إخراج جبهة النصرة قبل كل الآخرين، ولم يمسّها بأذى، على الرغم من أنه برَّر تدمير حلب الشرقية وقتل أهلها بوجود هذه الجبهة، فلا شك في أن لديها مهمة أخرى في مكان آخر، هو إدلب. وهكذا فعل قبلاً في مواقع عديدة، فهي الطُعم الذي يبرّر كل القتل والتدمير، من دون أن يُمسّ. فما يظهر هنا هو أن عنوان الحرب هو جبهة النصرة، لكن الهدف هو السكان، السكان بالتحديد، وهو الأمر الذي يتجاهله "يسارٌ" منساقٌ خلف أوهام، ويتوه في ضياع كامل.
قبل حلب، مارس النظام السياسة ذاتها في ريف دمشق، حتى في مناطق لا تحتوي أيَّ عنصر من جبهة النصرة، حيث فرض ترحيل السكان مع المقاتلين اشترط إخلاء المواطنين منها، كما فعل في الزبداني ومضايا، وفي داريا، وخان الشيح والمعضمية. ويقول النظام إنه يحارب الإرهاب (وهكذا تقول كل المليشيا الطائفية التي استجلبتها إيران، ويقول الروس كذلك)، من أجل "حماية المواطنين" و"تخليص السكان من خطرهم". لكنه يرحّل السكان الذي يقول إنه يدافع عنهم، ويريد تخليصهم من سيطرة الإرهابيين.
ما علاقة هؤلاء السكان في كل هذه المناطق بالإرهاب والإرهابيين؟ ألا يوضّح ذلك أن النظام يعتبر أن سكان كل المناطق التي خرجت عن سيطرته إرهابيون؟
بالضبط، هذا ما قاله بشار الأسد في أحد خطاباته، أشار إلى وجود "عشرات آلاف الإرهابيين السوريين" وليس الأجانب، وأكمل أن خلف هؤلاء "حاضنة اجتماعية، أي عائلة، قريب، جار، صديق، وأشخاص آخرين"، ويكمل أن هناك بالتالي مئات آلاف الإرهابيين، و"إذا كان هناك مئات آلاف فيمكن أن نقول ملايين". بمعنى أنه يجرّم المجتمع كله، تحت حجة وجود "إرهابيين". ولهذا، قام بكل القتل والتدمير، وفرض تهجير أكثر من نصف السكان، ويعمل على تهجير جزءٍ آخر، ليبقي "الصفوة" التي تصفِّق له، وربما لن يجدها، بعد أن وضعها في ظرف سيئ للغاية، ليكمل تطبيق الشعار المعروف "الأسد أو لا أحد"، ليبقى رئيساً على الفراغ.
حين يكون لهؤلاء "الإرهابيين" حاضنة اجتماعية بهذا الحجم، لا يمكن أن نقول إن الأمر يتعلق بإرهاب، لأن هذا الحجم من السكان الذي اعتبره النظام عدواً، ووسمه بسمة الإرهاب هو الشعب، الشعب الذي تمرّد من أجل إسقاطه. وليكون توصيف الإرهاب لديه هو "كل شخصٍ تظاهر من أجل إسقاط النظام". وبالتالي، حين عزا وجود "ملايين الإرهابيين" إلى "فشل أخلاقي واجتماعي"، فقد اعترف بعجز كل النظام التعليمي القائم على "التبعيث"، وكل الضبط العسكري الذي حكم التعليم، وكل الإرهاب الذي مارسته المخابرات، لم ينجح في إيجاد "مواطن صالح"، يقبل الخنوع المطلق، والموت جوعاً فداءً لـ "الأب القائد". ويقبل بسورية الأسد إلى الأبد.
هذا "طبيعي" لنظامٍ يقوم على النهب والاستبداد الشمولي، حيث يتعامل مع الشعب كعبيد، أو على الأكثر كرعايا. لكن المدهش أن لا يرى "يسارٌ" ذلك كله، وأن يتعلق بأوهام ذهنية عن نظام "معادٍ للإمبريالية"، وأن يصدّق أن الحرب الوحشية التي يخوضها النظام هي ضد الإرهاب (على الرغم من أنه يتلاقى هنا مع الإمبريالية التي يعلّق بمشجبها كل ما لا يعجبه). إن تهجير السكان من المناطق التي حاصرها النظام، ودفع آخرين إلى الهجرة بالقوة، يعني أن المسألة أكبر من مسألة إرهاب، لأنها مسألة شعب، بالتالي ثورة.
ولم يلحظ هؤلاء أيضاً أن النظام سارع إلى إخراج جبهة النصرة قبل كل الآخرين، ولم يمسّها بأذى، على الرغم من أنه برَّر تدمير حلب الشرقية وقتل أهلها بوجود هذه الجبهة، فلا شك في أن لديها مهمة أخرى في مكان آخر، هو إدلب. وهكذا فعل قبلاً في مواقع عديدة، فهي الطُعم الذي يبرّر كل القتل والتدمير، من دون أن يُمسّ. فما يظهر هنا هو أن عنوان الحرب هو جبهة النصرة، لكن الهدف هو السكان، السكان بالتحديد، وهو الأمر الذي يتجاهله "يسارٌ" منساقٌ خلف أوهام، ويتوه في ضياع كامل.
قبل حلب، مارس النظام السياسة ذاتها في ريف دمشق، حتى في مناطق لا تحتوي أيَّ عنصر من جبهة النصرة، حيث فرض ترحيل السكان مع المقاتلين اشترط إخلاء المواطنين منها، كما فعل في الزبداني ومضايا، وفي داريا، وخان الشيح والمعضمية. ويقول النظام إنه يحارب الإرهاب (وهكذا تقول كل المليشيا الطائفية التي استجلبتها إيران، ويقول الروس كذلك)، من أجل "حماية المواطنين" و"تخليص السكان من خطرهم". لكنه يرحّل السكان الذي يقول إنه يدافع عنهم، ويريد تخليصهم من سيطرة الإرهابيين.
ما علاقة هؤلاء السكان في كل هذه المناطق بالإرهاب والإرهابيين؟ ألا يوضّح ذلك أن النظام يعتبر أن سكان كل المناطق التي خرجت عن سيطرته إرهابيون؟
بالضبط، هذا ما قاله بشار الأسد في أحد خطاباته، أشار إلى وجود "عشرات آلاف الإرهابيين السوريين" وليس الأجانب، وأكمل أن خلف هؤلاء "حاضنة اجتماعية، أي عائلة، قريب، جار، صديق، وأشخاص آخرين"، ويكمل أن هناك بالتالي مئات آلاف الإرهابيين، و"إذا كان هناك مئات آلاف فيمكن أن نقول ملايين". بمعنى أنه يجرّم المجتمع كله، تحت حجة وجود "إرهابيين". ولهذا، قام بكل القتل والتدمير، وفرض تهجير أكثر من نصف السكان، ويعمل على تهجير جزءٍ آخر، ليبقي "الصفوة" التي تصفِّق له، وربما لن يجدها، بعد أن وضعها في ظرف سيئ للغاية، ليكمل تطبيق الشعار المعروف "الأسد أو لا أحد"، ليبقى رئيساً على الفراغ.
حين يكون لهؤلاء "الإرهابيين" حاضنة اجتماعية بهذا الحجم، لا يمكن أن نقول إن الأمر يتعلق بإرهاب، لأن هذا الحجم من السكان الذي اعتبره النظام عدواً، ووسمه بسمة الإرهاب هو الشعب، الشعب الذي تمرّد من أجل إسقاطه. وليكون توصيف الإرهاب لديه هو "كل شخصٍ تظاهر من أجل إسقاط النظام". وبالتالي، حين عزا وجود "ملايين الإرهابيين" إلى "فشل أخلاقي واجتماعي"، فقد اعترف بعجز كل النظام التعليمي القائم على "التبعيث"، وكل الضبط العسكري الذي حكم التعليم، وكل الإرهاب الذي مارسته المخابرات، لم ينجح في إيجاد "مواطن صالح"، يقبل الخنوع المطلق، والموت جوعاً فداءً لـ "الأب القائد". ويقبل بسورية الأسد إلى الأبد.
هذا "طبيعي" لنظامٍ يقوم على النهب والاستبداد الشمولي، حيث يتعامل مع الشعب كعبيد، أو على الأكثر كرعايا. لكن المدهش أن لا يرى "يسارٌ" ذلك كله، وأن يتعلق بأوهام ذهنية عن نظام "معادٍ للإمبريالية"، وأن يصدّق أن الحرب الوحشية التي يخوضها النظام هي ضد الإرهاب (على الرغم من أنه يتلاقى هنا مع الإمبريالية التي يعلّق بمشجبها كل ما لا يعجبه). إن تهجير السكان من المناطق التي حاصرها النظام، ودفع آخرين إلى الهجرة بالقوة، يعني أن المسألة أكبر من مسألة إرهاب، لأنها مسألة شعب، بالتالي ثورة.